لا تنتهي بدع المحكمة العسكرية القانونية، وهي المحكمة التي تدور حولها الكثير من الشبهات بسبب السيطرة الواضحة لـ"حزب الله" على قرارها، وهذا ما يظهر منذ سنوات في القرارات التي تُصدرها المحكمة، أكان لجهة قضايا التعامل مع إسرائيل، أو تلك المرتبطة بالحزب والتي "تتلفلف عالسكت".
وفي آخر صيحات هذه البدع، كشف النائب أشرف ريفي إفراج المحكمة العسكرية عن محمد عياد، المتهم بقتل الجندي الإيرلندي قبل أشهر قليلة في منطقة العاقبية. وكان القضاء قد اتهم أحد عناصر "حزب الله" بقتل الجندي.
وقتل الجندي الأيرلندي شون روني (23 عاما) وأصيب 3 آخرون من زملائه بجروح في 14 كانون الأول 2022 عندما أُطلقت النيران على سيارتهم المدرعة أثناء مرورها في منطقة العاقبية جنوبي لبنان، وبعد أقل من أسبوعين سلّم حزب الله مطلق النار الرئيسي إلى الجيش.
يُسأل المحامي ورئيس حركة "التغيير" إيلي محفوض عن المسوّغ القانوني الذي أفرج عبره عن عيّاد، فيقول إن "هذا السؤال لا يُطرح عندما يكون الملف بعهدة القضاء العسكري، لأن مجموعة شكوك تحوم حول ممارسات هذه المحكمة، بدءاً من قرارها حول أحداث خلدة، مروراً بقرارها حول مقتل الطيّار سامر حنا، والإفراج عن العميل فايز كرم وميشال سماحة، وصولاً إلى قضية الجندي الإيرلندي".
وفي حديث لـ"النهار"، يكشف محفوض عن إحدى البدع التي قامت بها المحكمة في قضية الطيار سامر حنا ليُعبّر عن واقع هذه المحكمة، ويقول إن "القاضي العسكري طلب من المتهم بقتل الطيّار إعادة تمثيل الجريمة وحمل بندقية، ليتبيّن أن المتهم معوّق ولا يُمكنه تحريك يديه، ليعترف بعدها أنّه كُلّف شرعياً (حزب الله يعتمد التكليف الشرعي) تسليم نفسه على أساس أنّه القاتل، لحماية المتهم الحقيقي، فتم الإفراج عنه".
ويُشير إلى أن إطلاق سراح قاتل الجندي الإيرلندي سيترك انعكاساته داخلياً وخارجياً، فعلى المستوى المحلّي، أرسل القضاء العسكري رسالةً جديدة مفادها أن المقربين من "حزب الله" لا تتم معاقبتهم عكس باقي المواطنين، وعلى المستوى الدولي، ستُضرب هيبة القضاء أمام الأمم المتحدة وإيرلندا والمؤسسات الحقوقية الدولية.
وبالنسبة للتوقيت، وما إذا كان "الحزب" قد تقصّد تمرير الملف في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد، وفوضى جبهة الجنوب، لعدم إيلاء الملف الاهتمام الكافٍ، يعتبر محفوض أن "حزب الله لا ينتظر أي فرصة أو توقيت ويتحرّك بأريحية، لأنّه يقبض على كل المؤسسات بقوّة".
ويدعو محفوض المؤسسات الحقوقية الدولية، وفي طليعتها منظمة العفو الدولية، للتحرّك إزاء ما حصل حتى لا يفلت المتهم من العقاب.
في المحصلة، فإنها سقطة قضائية جديدة بحق العدالة أولاً، المؤسسات المحلية ثانياً، والمجتمع الدولي ثالثاً، ودليل إضافي على مدى سيطرة "حزب الله" على مؤسسات الدولة، ويشي ما حصل بأن لا طريق إلى الحقيقة في لبنان، وهذا ما سينسحب على الملفات الحساسة، وأبرزها ملف انفجار مرفأ بيروت.