النهار

الإنفاق الانتخابي والأزمة المالية... سقوف محدّدة وحيل لتخطّيها
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
الإنفاق الانتخابي والأزمة المالية... سقوف محدّدة وحيل لتخطّيها
الشعارات الانتخابية (نبيل إسماعيل).
A+   A-
 تعود الشعارات الانتخابية إلى الخطابات السياسية كما والإعلانات الدعائية في الشوارع مع كل موسم انتخابات، إذ تتلوّن الطرقات وتتزيّن بلافتات تحمل عناوين رنّانة، تستهدف الجمهور وتكون عكس الواقع الذي يعيشونه، لتمنحهم شعوراً بأن الطرف الحامل للشعارت يسعى لتطبيق الطروحات والأفكار التي يتطلّع إليها هؤلاء، فيما ينشط المرشحون في الظهور على شاشات التلفزة والترويج للبرامج الانتخابية.
 
وتختلف شعارات الفريق الواحد بين منطقة وأخرى، بهدف الوصول إلى كل ناخب، حتى ناقضت نفسها في بعض الأحيان، وكثيراً ما انتشرت شعارات تذكّر بأمجاد الحرب الأهلية في منطقة معيّنة، وتشدّد على العيش المشترك مع الطرف الذي قاتلته في تلك الحرب، في مناطق أخرى تلتقي وإيّاه.
 
 
ولم يمنع الواقع الاقتصادي المزري الأحزاب السياسية من نشر اللافتات والصور الضخمة على الطرقات وكتابة الشعارات الانتخابية عليها، ودفع ثمن "الدقيقة التلفزيونية"، رغم أن كلفة هذه الإعلانات والدعايات ارتفعت ارتفاعاً كبيراً، لكن المال الانتخابي موجود لتغطية لوازم الحملات. وفي هذا السياق، عمد عدد كبير من الأحزاب والتيارات والتنظيمات إلى نشر لافتات حملت شعاراتها، ولا سيما على الطرقات الأساسية والدولية.
 
لكن ما لا شك فيه أن الانفاق الانتخابي الدعائي تأثّر بفعل الأزمة المالية – النقدية، ومشكلة السحوبات المصرفية، وهي التي تحول دون إتمام العمليات المالية بشكل صحيح عبر المصارف، وتحجب الشفافية عنها. وفي هذا السياق، لاحظ اللبنانيون تراجع الإنفاق الانتخابي في عدد من المناطق، ولا سيما تلك التي لا تشهد منافسات حادة. كما أن سقوف الإنفاق من جهة أخرى تحدّ من الصرف، رغم رفعها بموجب تعديل للقانون تماشياً مع ارتفاع سعر الصرف.
 
 
عضو الهيئة الإدارية في الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات (لادي) أيمن دندش أشار إلى أن "القانون رفع سقف الإنفاق بعد تعديل المادة رقم 3 في عام 2021، من 150 مليون ليرة لبنانية إلى 750 مليون ليرة للائحة، ومبلغ 50,000 متحرّك بدل 5,000، فيما تحدّد المادة 58 النشاطات التي تنضوي تحت عنوان الإنفاق الانتخابي، وهي الحملات الإعلانية، الإطلالات التلفزيونية، نقل الناخبين إلى مراكز الاقتراع، استقدام المغتربين، تأمين اللوجستيات للجان الانتخابية والمندوبين، كما إجراء الإحصاءات والدراسات لمعرفة حجم الجمهور وعدد الأصوات".
 
لكن دندش لفت في حديث مع "النهار" إلى أن "الإنفاق الانتخابي بات بالدولار نسبة لانهيار العملة الوطنية، ومن هنا يغيب مبدأ العدالة عن الإنفاق الانتخابي، خصوصاً في ظل صرف هذه الأموال مباشرة نقدياً (Fresh money) نسبةً لعدم القدرة على تحويل المبالغ ضمن المصارف، وعدم قدرة هيئة الإشراف على الانتخابات على مراقبة حركة الأموال خارج إطار المصارف لغياب الإمكانيات".
 
 
واستطرد: "التقارير عن الإنفاق الانتخابي لهيئة الإشراف على الانتخابات تُقدّم بعد إنجاز الاستحقاق بمهلة أقصاها شهر، ولكن من غير المعلوم بعد وفق أي سعر صرف ستُقدّم هذه التقارير، لكن هذه التقارير تشمل التحويلات المصرفية والفواتير، وقد يتهرّب المرشّحون من تقديم معلومات عن الصرف المباشر". وأضاف: "إن وسائل الإعلام تقدّم لهيئة الإشراف على الانتخابات لوائح أسعار، لكن من يضمن التزامها بها؟ وهكذا دوليك".
 
وفي هذا السياق، كشف أن عدداً من المرشحين إلى انتخابات 2018 لم يقدّموا تقارير عن إنفاقهم الانتخابي حتى اليوم.
 
 
وهنا، الجدير بالذكر أن الإنفاق خارج المصارف يتيح أفضلية للميسورين مادياً، والقادرين على الصرف بالدولار.
 
وفي إطار مراقبة الصرف الانتخابي، لفت دندش إلى مفارقة، "إذ تم تعديل السقوف الانتخابية ورفعها، إلّا أن الغرامات ما زالت على حالها دون أيّ تعديل، كما أن التجارب السابقة غير مشجّعة لجهة محاسبة المخالفين".
أما بالنسبة للإنفاق الضخم الذي تقوم به بعض الجهات، فأشار دندش إلى أن "المادة 62 من القانون تسمح للأحزاب أو الشخصيات بتقديم خدمات تكون خارج إطار سقوف الإنفاق، لكن يُشترط على الجهة أن تكون مواظبة على هذه التقديمات منذ ثلاث سنوات على الأقلّ، ومعظم الأطراف يستغلّ هذه المادة من أجل رفع سقف الإنفاق".
 
 
وفي ختام حديثه، ذكر دندش أن "الدوائر التي تختبر كباشاً انتخابياً تشهد إنفاقاً عالياً مقارنةً بدوائر أخرى، ولدائرة الشمال الثالثة (طرابلس، المنية والضنية) الحصّة الكبرى هذا العام من الإنفاق الانتخابي المسموح به، نسبة لوجود 100 مرشّح و377,534 ناخباً، وبلغ 2,037,670,000,00 ليرة، فيما المبلغ الأقل من نصيب دائرة الجنوب الأولى، 231,009,650,00 ليرة".
وفي سياق الإنفاق الانتخابي الدعائي، لوحظ غياب "التيار الوطني الحر" كثيراً عن الطرقات كما الشاشات، ويكاد التيار يكون الأقل ظهوراً بين الأطراف السياسية الأكبر، فيما كان لـ"القوات اللبنانية" حصّة الأسد بالنسبة للظهور الإعلامي والدعائي، إذ ملأت لافتات "القوات" الطرقات من الشمال إلى الجنوب مروراً بالبقاع، وصولاً إلى الجنوب.
 
نائبة رئيس "التيار الوطني الحر" للشؤون الإدارية مارتين نجم كتيلي كشفت أن "ميزانية التيار للانتخابات تراجعت مقارنةً بعام 2018، وذلك بسبب غياب الإمكانيات، خصوصاً أنه يعتمد على التبرّعات والعشاء التمويلي، لكن الظروف الصعبة حتّمت واقعاً مغايراً".
 
 
وعن ترجمة هذا التراجع في التمويل على أرض الواقع، لفتت كتيلي في حديث لـ"النهار" إلى أن "إعلانات التيار المركزية غائبة تماماً وكذلك الإطلالات الإعلامية، فيما تحضر صور المرشحين وإطلالاتهم على شاشات التلفزة بتمويل شخصي منهم".
 
وفي هذا السياق، أضافت: "تم تركيز الصرف على الأمور الأساسية، كالماكينة الانتخابية، اللوجستيات، الحواسيب، ودورات تدريب أعضاء الماكينة".
 
وشدّدت كتيلي على التزام التيّار سقف الإنفاق الانتخابي، مشيرةً إلى لجنة مدققين ماليين يعملون لمصلحة التيار "يقدّمون التقارير إلى هيئة الإشراف إلى الانتخابات بعد إجراء الاستحقاق".
 
واستبعدت كتيلي أن يكون لتراجع الدعاية الانتخابية للتيار أثره على النتائج في الانتخابات، لكنها لم تخفِ قلقها من المال السياسي "لشراء الأصوات، خصوصاً في ظلّ المبالغ الهائلة التي تُصرف، وحزب "القوات اللبنانية" على سبيل المثال يقوم بحملة دعائية ضخمة جداً تقارب تكلفتها 12 مليون دولار، يُسأل عن مصادرها الحزب كما عن التزامه بالسقوف الانتخابية".
 
 
من جهته، نفى مسؤول جهاز الإعلام في حزب "القوات اللبنانية" شارل جبور أن تكون قيمة تكلفة الحملة الانتخابية للحزب 12 مليون دولار، لافتاً إلى أن "هذا الرقم غير صحيح ويحمل مبالغات لأهداف معروفة، وهو حرف الأنظار عن فشل السلطة الحاكمة والتصويب تجاه "القوات" قبل الانتخابات".
 
إلّا أن جبور أشار إلى ضخامة حملة "القوات"، معتبراً أن "الانتخابات تشكّل محطة مصيرية في تاريخ لبنان، وتستحق صرف الأموال من أجل الإضاءة للرأي العام على كارثية اختياره في حال التصويت للسلطة الحاكمة المتمثّلة بتحالف "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، خصوصاً أن لا كلفة تضاهي تلك التي سيدفعها اللبنانيون في حال استمرار الفريق الحاكم".
 
وذكر جبور أن الهدف من الحملة الوصول إلى كل لبناني بهدف التوعية.
 
أما بالنسبة لحجم الحملة اللافت، فأشار جبّور إلى أنها "لا تختلف عن حملة عام 2018، لا بل هي أقل ضخامةً، علماً بأن فرق سعر صرف الدولار جعل منها أقل كلفةً، كما أننا نعتمد التكتيك نفسه، مع توزيع اللافتات على الطرقات بالإضافة إلى الإطلالات الإعلامية على قناة الـMTV""، مذكّراً بأن للتيار "الوطني الحر" شاشة يطل من خلالها مرشحوه.
 
 
وبالنسبة للتمويل، كشف جبّور أن "القوات" استنفرت الجسم الاغترابي، كما أن "حجم المشروع السياسي الذي تحمله القوات وعدد المرشحين واللوائح الموزعة على 14 دائرة يسمح برفع حجم الصرف الانتخابي"، مشدّداً على الالتزام بالسقوف الانتخابية، مؤكّداً تسليم التقارير اللازمة لهيئة الإشراف على الانتخابات فور انتهاء الاستحقاق.
 
أما بالنسبة للشعارات التي رفعها حزب "القوات"، فقد لاحظ اللبنانيون مع بدء الحملات الانتخابية لافتات إعلانية ضخمة تحمل شعار "في يللي بدو وما فيه، وفي يللي فيه وما بدو". لكن لم تحمل هذه الدعايات أيّ توقيع، وهذه السياسة التي اعتمدتها "القوات" في وقت سابق لتشويق الجمهور وجذب الأنظار إلى الشعارات بعد تبنّيها من قبل الحزب.
 
وبعد أيام معدودة، بدّلت "القوات" اللافتات بأخرى تحمل شعارات، "نحن بدنا ونحن فينا"، "نحن فينا نحمي الهوية"، "نحن فينا نستعيد السيادة"، "نحن فينا نحرّر الدولة"، "نحن فينا نأسس للحياد"، "نحن فينا نعيد الثقة"، "نحن فينا نوقف السرقة"، "نحن فينا نجيب الكهرباء"، وغيرها.
 
 
 
وانقسمت شعارات القوات إلى قسمين، الأول سيادي بامتياز، ينادي باستعادة القرار والحفاظ على الهوية اللبنانية وتحرير البلاد من "سطوة السلاح"، إلى جانب التأكيد على موقف البطريرك بشارة الراعي الداعي إلى الحياد، والذي يستقطب جزءاً من المسيحيين، ويصوّب من خلال هذه العناوين على "حزب الله" وسلاحه، وهو القضيّة التي تربطها "القوات" بتهديد الوجود المسيحي، ما يؤدّي إلى شدّ العصب الطائفي وتصوير "القوات" على أنها الحامي لهذا المكوّن.
 
القسم الثاني تمحور حول إدارة الدولة والإصلاحات، كما حول وقف السرقة والفساد، إضافة إلى توفير الطاقة الكهربائية، في ظل العتمة الشاملة التي يعيشها اللبنانيون. ويستهدف حزب "القوات" من خلال هذه العناوين "التيار الوطني الحر"، انطلاقاً من قول الأخير، "ما خلونا نجيب كهرباء، وما خلونا نحارب الفساد"، في إشارة إلى أن "القوات" قادرة وتريد.
 
 
وفي سياق الحملات الإعلامية والانتخابية، لا بد من المرور على المجموعات المنبثقة عن انتفاضة 17 تشرين، والحاضرة بفعالية في الانتخابات النيابية من خلال عدد من اللوائح، إلّا أن الظهور الإعلامي لمرشحي المجتمع المدني خجول للنسبة الأكبر منهم، وذلك يعود إلى ضعف التمويل.
 
 
مسؤولة الحملة الانتخابية للائحة "بيروت التغيير" في دائرة بيروت الثانية، هدى قصقص، لفتت إلى الصعوبات المالية التي تواجه اللائحة لتمويل الحملة الانتخابية والدعائية، وهي غير قادرة على مقارعة لوائح أخرى تسخو مالياً، كاشفةً عن اعتماد اللائحة على جمع التبرّعات والعمل التطوّعي من جهة، والتمويل الشخصي للمرشحين من جهة أخرى.
وفي حديث لـ"النهار"، أشارت قصقص إلى أن عدداً محدوداً من اللافتات الإعلانية سيُنشر على الطرقات، تحمل صور المرشحين وشعاراتهم، وستُموّل طباعة هذه الصور على نفقة المرشحين الذين تقاسموا المبلغ الكامل، فيما الظهور الإعلامي لبعض المرشحين يكون نسبةً لحضورهم المعروف، كالمرشح النقيب ملحم خلف، ما يجعل من تكلفة الظهور التلفزيوني أقلّ.
 
وختمت قصقص حديثها لافتةً إلى الاعتماد على الإنترنت من أجل الترويج الدعائي، من خلال تصميم الصور ونشرها عبر تطبيقات "واتساب" و"فايسبوك" ومنصّات التواصل.
 
وترفع اللائحة شعارات تنادي بجيل جديد في مجلس النواب، وتشير إلى أن "الصوت يرعبهم"، و"بيروت خالية من السلاح"، و"التغيير" الذي يستحقه، في إشارة إلى عناوين الانتفاضة.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium