النهار

مسرّة لـ"النهار": نعيش حالة اللادولة وتعليق الدستور
كلوديت سركيس
المصدر: "النهار"
مسرّة لـ"النهار": نعيش حالة اللادولة وتعليق الدستور
مجلس النوّاب (أرشيفية- النهار)
A+   A-
 
سياسة الأمر الواقع حلّت مكان الدستور حيث تفسيره بات استنسابيّاً ووجهة نظر أحياناً إن في حكومة تصريف الأعمال أو في اجتماع مجلس النوّاب تحت مسمّى الضرورة، واعتماد سياسة تقطيع الوقت وإلهاء الناس، فكلام عن حوار مسبق لانتخاب رئيس الجمهورية ثمّ التلويح السياسيّ بمؤتمر تأسيسيّ يقابله كلام عن الفيدرالية.
 
أمام هذا الواقع يختصر عضو المجلس الدستوري السابق أنطوان مسرّة المشهد الحاليّ بأنّنا "في حالة اللادولة في لبنان". ويعتبر أنّ كلّ ما يجري من سجالات وتفسيرات وحوارات في شأن قضايا دستورية قانونية - ولا أقول حقوقية - هي من دون تعمّق في مضمون الدستور نصّاً وروحاً . ويقول مسرّة في حديث لـ"النهار" إنّ ما يحصل حاليّاً في مختلف مظاهره، هو ظاهرة طبيعية عندما لا توجد دولة، فيتدبّر كلّ إنسان أموره، ولكن في اجتماعات الصالونات ينتقدون المصارف والمصرف المركزي والسوبرماركت ومحطات الوقود. هكذا تسير الأمور طبيعياً ولا أقول نظامياً . ويضيف أنّ فاعلية الدولة تاريخياً هي في تطبيق القانون وإخضاع المجتمع لقواعد. ونحن نسبياً شعب راقٍ جداً . فلو كنّا في مدينة أخرى في العالم لكانت الناس في حالة اللادولة تسرق بعضها بعضاً، وتعتدي على بعضها بعضاً. ما نحن في حاجة إليه اليوم هو وقف التكيّف مع كلّ الأوضاع". ويشدّد "أنّ سيادة الدولة لا تتحمّل المساومة ولا التسوية ولا التكيّف لأنّ الجواب في قضية السيادة هو ثنائيّ في طبيعته. نعم أو لا ". ويحدّد وظائف الدولة بأربع وظائف . أوّلاً احتكار القوّة المنظمة من جيش وقضاء، أي نحتاج في لبنان الى جيش واحد وليس جيشين. ثانياً احتكار العلاقات الديبلوماسية. نحن في حاجة إلى ديبلوماسية واحدة في لبنان وليس ديبلوماسيتين إنسجاماً مع مقدّمة الدستور التي تنصّ على أنّ لبنان عربيّ الهوية والانتماء. ثالثاً فرض الضرائب وجبايتها. ورابعاً إدارة السياسات العامّة. هذه الوظائف الأربع للدولة غير موجودة ومخترقة بتداعيات اتّفاق القاهرة عام 1967، ثمّ اتفاقيّة مار مخايل الموقّعة في السادس من شباط عام 2006. نحن في دولة لا تتمتّع بسيادتها مع جيش رديف وديبلوماسية رديفة ضمن المحور الإيرانيّ. وتوجد دولة رسميّة رمزية معطّلة عمليّاً.
 
وانطلاقاً من هذا التوصيف يرى أنّ "اللبناني معتاد، ولأسباب تعود الى علم النفس التاريخي، على الباب العالي ،كان غسان تويني يسمّيها عقدة الباب العالي، فبعد إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 لم تحصل مثاقفة جديدة لجهة أنّ الدولة هي دولة اللبنانيين وأنّهم مسؤولون عن سيادتها. وبعد الكارثة الحالية، يحتاج اللبنانيون الى يقظة وطنية عارمة في سبيل المطالبة بالدولة. فلو كانوا يعون في العمق معنى هذه الكارثة ومعنى عدم وجود دولة ووجود دولتين لكانوا انتفضوا تماماً كما انتفضوا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقالوا "نحن صغار في لعبة الكبار". إنّ الحاجة اليوم هي إلى توصيف دقيق خارج السجالات المتداولة لإلهاء الناس والمخادعة حول الوضع الداخلي الحالي الذي يعرفه جيّداً الديبلوماسيون المعتمدون والجهات الخارجية، والانصراف إلى معالجة قضية علمية".
 
ثمّة دعوة إلى الحوار بين الأطراف الداخليّة؟ يجيب مسرّة "إنّ كلّ هذه الدعوات في شأن قضية الدولة والسيادة والسلاح هي من المستحيلات". ويشخّص "منذ 2016 على الأقلّ ثلاثة مسارات في الحالة اللبنانية. الأوّل "اختراع نظرية التوافق التي يفترض أن تعني التزام قواعد الوفاق المعبّر عنها في العقد الاجتماعي أي الدستور وليس التوافق بين زعامات في تبادل مصالح ومواقع ومنافع. لقد غدا التوافق توافقاً بين زعامات، بينما التوافق يوجب أن يقوم على أسس الدستور والميثاق والعقد الاجتماعي وليس على تبادل منافع بين سياسيين. أمّا المسار الثاني فالسائد في لبنان هو مسار خلق "أمر واقع" "voie de fait" وترجمتها الحقوقية" إعمال الغصب" بأن تقوم الإدارة بعمل إداري خارج الأصول وخارج القوانين. ويعتبر قرار المجلس الدستوري المتعلّق بالتمديد للبلديات الذي أعطاه تبريرات مختلفة حيث الدستور معلّق هو حالة "أمر واقع". وهذا الأمر الواقع امتدّ إلى الشأن الدستوري وإعطائه تفسيرات دستورية وهو بالفعل أمر واقع في التعطيل تفرضه الدولة الرديفة على الدولة الرسمية، ونعطيه تفسيرات خاطئة وتأويلات وسجالات دستورية مخالفة للدستور الذي هو معلّق منها وتفرض أمراً واقعاً. كأن تتحدّث هذه التفسيرات عن ثغرات في الدستور أو عن تفسيرات لموادّ فيه هي بالغة الوضوح سواء بالنسبة إلى مسألة انتخاب رئيس جمهورية أو اجتماع مجلس النوّاب، وحالة الضرورة التي لا تنطبق على مثل هذه الحالات، وكذلك الظروف الاستثنائية غير المتوفّرة شروطها لأنّ هذه الظروف ليست خارجة عن يد الحكام، فلا زلزال حصل ولا طوفان للقول بالظرف الاستثنائيّ".
 
هناك ضرورات كمسألة رواتب القطاع العام وتعيين أعضاء في المجلس الأعلى للدفاع ومركز رئيس الأركان الشاغر المخوّل تولّي قيادة الجيش في حال استمرار الشغور الرئاسي؟ يوضح مسرّة "يجب اتّخاذ تدابير عملانية لتسيير أمور الناس . ويقتضي القيام بها لكن دون تبريرات شكلية في القانون والدستور وتفسيرات خاطئة للضرورة. لأنّ دستورنا معلّق من دولة رديفة تفرض أمراً واقعاً. كلّ الإجراءات التي تحصل هي خارج القانون وخارج الدستور. أنا انتقد التأويلات والتفسيرات القانونية والدستورية التي لا تنطبق على الواقع اللبناني اليوم، حيث جرى خلق أمر واقع من خلال نقل الاجتهادات الإدارية إلى حالة دستورية حيث الدستور معلّق بكلّ وسائل التعطيل لإلهاء الناس وإبعادهم عن جوهر القضية".
 
ويستشهد الدستوري برأي الرئيس حسين الحسيني في الكلام عن الثلث الضامن حين اعتبر أنّ "وثيقة الطائف لم تقرأ ولم تفهم جيداً. لقد صار ابتداع مفهوم الفيتو والفيتو المتبادل والثلث المعطّل. وهنا تقتضي ملاحظتان. الأولى أنّ كلمة تعطيل لا وجود لها أساساً في أيّ منظومة قانونية في العالم ماضياً وحاضراً. ففلسفة القانون توجب تسيير الأمور حتى في الشركات التجارية حيث توجد تدابير لكي لا يتمّ التعطيل من خلال أقليّة مساهمين، لافتاً الى أنّ كلّ ديموقراطية هي في طبيعتها تشاورية ولكن خاضعة لقواعد. وفي لبنان أخذنا التوافق وأهملنا الديموقراطية. ويتوقّف في الضمانة الدستورية للجميع عند المادة 65 من الدستور التي تنصّ على تجنّب طغيان أكثرية أو أقليّة من خلال اعتماد أكثربة موصوفة في 12 قضية حصراً. اذا لا يوجد تلث معطل ولا تعطيل ولا وزير ملك في الدستور، إنما توجد آلية واضحة ضمانا" لحقوق الجميع في هذه القضايا. ولكن هذه المادة تلوثت في الاستعمال وفي المخادعة ولدى قانونيين لم يدرسوا منذ أكثر من ثلاثة عقود كيفية إدارة المجتمع التعدّدي. وفي الحالة اللبنانية الراهنة يؤكّد على وجوب الحوار وتجنّب العنف. ويتحدّث عن عنف غير مادّي في فرض أمر واقع قوامه عملة منهارة ودولة رديفة وهجرة للشباب ورئيس جمهورية غير منتخب وناس تجوع وأزمة مستشفيات وغيرها. كلّ ذلك يبيّن الحاجة القصوى إلى استعادة الدولة في لبنان، إلى الدولة ابتداء من اليوم بكامل مواصفاتها السيادية عبر سلاح الموقف وليس عبر سلاح المواجهة. فسلاح الموقف يحمي الكلّ. إنّ الجميع في مأزق بمن فيهم الدولة الرديفة. وحصل أن استدعت أحياناً شرطة الدولة. ويأخذ على بعض الموارنة وبعض النواب المتموضعين، ويمارسون المساومة وينتظرون الباب العالي".
ويخلص مسرّة "اختبارياً لا يوجد بديل من الدستور الحالي الذي يتضمن بذاته كلّ أشكال التطوير. في لبنان قمنا بكلّ التجارب ولا توجد تجربة جديدة إلّا تجربة الدولة عن جدّ".
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium