ماذا يخبئ "حزب الله"؟ سؤال يُطرح. خصوصاً أن حادثة رميش أمس أتت بتوقيت لافت عقب توقيف المطران موسى الحاج في الناقورة؛ وكانت المرة الأولى التي يقوم بها عناصر "حزب الله" باستخدام سلاحهم ضد الأهالي. فهل للحزب نوايا مبيّتة تجاه رميش والمناطق المجاورة؟ ولماذا استخدام السلاح وفائض القوة في التعامل؟ علماً أن من حصلت معهم الحادثة من آل عبدوش هم على معرفة وثيقة بشباب الحزب الذي حصل معهم الإشكال، وانتخبوهم في وقت كانت رميش اتخذت قرار مقاطعة الانتخابات، وفق ما علمت "النهار".
لكن، هي ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها الاعتداء على أهالي رميش ولو معنوياً. فبحسب أهالي البلدة، تتكرّر الاستفزازات من قبل عناصر "حزب الله" إنّما هذه المرّة اتخذت المسألة بعداً مختلفاً.
وفي تفاصيل رواية الاعتداء أنّ أحد شباب بلدة رميش من آل عبدوش كان موجوداً في أرضه، ويقوم بـ"التحطيب"، فوصل جماعة "حزب الله" وفق ما درجت العادة، وصادروا الحطب، ونقلوه إلى مركزهم الذي يموّهون به الواقع جغرافياً على الحدود تحت اسم جمعية "أخضر بلا حدود"، التي يُنسب إليها أنها واجهة بيئية لأعمال "حزب الله" العسكرية، وتُثار
الشكوك بشأنها.
ويروي أحد الأهالي لـ"النهار"، أنه على أثر مصادرتهم للحطب، تجمّع أشقاء الشاب وقصدوا مركز الحزب في البلدة (أي مركز الجمعية)، طالبين منهم إعادة ما صادروه، فرفضت جماعة الحزب، وبدأوا بإطلاق النار بشكل كثيف، فعاد الشباب أدراجهم. ولكن، ما هي إلا دقائق حتى بدأت الناس بالتوافد إلى منزلهم للاطلاع واستنكار ما حصل.
يقول أحد ناشطي البلدة غابي الحاج لـ"النهار" "لتفادي أي إشكال، خصوصاً أن النقطة التي تجمّع فيها الأهالي تطلّ مباشرة على مركز الحزب، اتصلنا بالجيش اللبناني وأطلعناهم على ما حصل، فوصلت دورية كبيرة وانتشرت حيث تجمّع الأهالي. ولم تمرّ دقائق، حتى وصل موكب كبير مؤلّف من 5 سيارات رباعيّة الدفع، بداخله مسلحون، وسلاحهم مصوّب مباشرة نحو الأهالي، نزلوا وحاولوا افتعال إشكال مع المتجمّعين، فمنعهم عناصر الجيش، وبدأوا بالسباب والشتائم بحق رميش وأهلها، والصراخ: "منحرقا لرميش ومنهجّرا بـ5 دقايق". هذا الأمر استفزّ أهالي البلدة، فحصل هرج ومرج، وشكّل الجيش حائطاً فاصلاً بين الطرفين، وأعاد عناصر الحزب إلى "الجيبات".
يضيف الحاج: "بعد نحو نصف ساعة أيضاً، وصل مسلحان على دراجة نارية تواكبهما سيارة بيضاء اللون بزجاج داكن، فتجدّد الإشكال مع الأهالي ليفصل الجيش بينهم. وتكرّرت المسألة عدة مرّات".
رئيس بلدية رميش ميلاد العلم أشار لـ"النهار" إلى أنه يوجد في حرج بلدة رميش نقطتان لجمعية "أخضر بلا حدود". أتوا قبل 5 سنوات تقريباً ووضعوا هنغارات في أراضٍ خاصة، وهي عقارات يملكها أناس من آل العلم، والحداد، والشوفاني، وعدد من عائلات البلدة؛ وبالتالي العقارات ليست مشاعاً أو أملاكاً متروكة. والخطأ الذي حصل أن أحد الشركاء في الأرض، عمد إلى توقيع عقد مع الجمعية من دون معرفة باقي الشركاء، والعقد ليس موقّعاً أو مصدّقاً عليه لدى كاتب العدل ولا لدى البلدية أو لدى أيّ جهة رسمية، فاتخذوه وسيلة للمكوث بالأرض. وقد تمّ تنفيذ تحرك آنذاك من قبل أهالي البلدة والمالكين رفضاً لإقامتهم في بلدتنا، وللتمركز في الأراضي التي نملكها عنوة، لكننا لم نستطع".
ويضيف العلم: "الوضع الاقتصادي المتردّي دفع البعض في رميش إلى استخدام "التحطيب" وسيلة للتوفير، على الرغم من أننا ضدّ التحطيب، ونبّهنا عدّة مرات المواطنين إلى مخاطره. لكن هذا شيء، وأن تصل الأمور إلى حدّ الانفلات وإطلاق النار شيء آخر، وهو أمر مرفوض".
ويشدّد على أنّه في رميش "هناك عيش مشترك مع الجوار، ولم تحصل "ضربة كف" منذ "التحرير"، ونتمنّى الاستمرار في الحفاظ على هذا التعايش، خصوصاً أن المسألة ليست حزبية أو طائفية، بل المسألة برمّتها محصورة بعمليّة التحطيب التي حصلت، والحطب الذي تم مصادرته، علماً بأن هذه الحادثة سبقتها حادثة مماثلة قبل يومين تمّ حلّها بسرعة. لكن الوصول إلى حدّ رفع السلاح وإطلاق النار أمر مرفوض كلياً، خصوصاً أنّ جماعة "أخضر بلا حدود" عادوا وسحبوا السلاح على المواطنين العزل الذين تجمّعوا أمام منزل آل عبدوش".
وإذ دعا إلى حلّ أيّ مشكلة بالتفاوض والحوار وعدم اللجوء إلى الاستفزاز والسلاح، قال العلم: "هذه أرضنا، ولن نرحل منها، ومن حقنا أن نستخدمها. نحن نعيش بسلام في رميش وسنبقى، وما حدا بيدعسلنا راسنا ولا بيمنعنا نطلع على أراضينا".
يقول أ. ش. وهو من أهالي البلدة، "كانت العصبية بادية على وجوههم. لم نعتد هذا التصرّف من قبل، ولو أنّه في الانتخابات حصلت بعض التجاوزات مع الجوار. والمؤسف أنهم "شادين ضهرن الجماعة" وهم فوق المحاسبة، لكن هم لا يعرفون أنّ كل هذه العروض لا تخيفنا. نحن لا نعتدي على أحد، ولكن لن نسمح لأحد بالاعتداء علينا. رهاننا كبير، وكلّه على الجيش الذي حمانا أمس ويحمينا، ونرفض أن يمسّ أحد بكرامتنا ووجودنا. هنا باقون، وهذه أرضنا، ومخطئ من يعتقد أنّه بإمكانه ترحيلنا".
حادثة رميش قد تكون في شكلها عفوية وغير حزبية، لكن الأكيد أنّ ممارسات "حزب الله" تغذّي الطائفية بحدودها القصوى، ليجعل من أيّ حادثة شرارة لفوضى مفتوحة، وسط غياب كلّي لحضور الدولة ومؤسساتها، باستثناء مؤسسة الجيش.
وهذه الحادثة تطرح عدة تساؤلات عن سبب هذه العدائية واستخدام السلاح والعودة مجدداً لافتعال مشكلات مع الأهالي، في حين أن طرفي الإشكال يعرفان بعضهما جيّداً، وانتَخب أحدُهما الآخر؟ كذلك تطرح مسألة مصادرة "حزب الله" للأراضي الخاصّة التي يملكها أهل رميش. والسؤال الأهم، لماذا جمعية مصنّفة بيئية يمتلك أفرادها سلاحاً في مكاتبهم ويطلقون النار على المواطنين؟ أما في السياسة، فالسؤال الأبرز، هل استعيض عن بند إعادة المبعدين إلى إسرائيل بوثيقة التفاهم بين "حزب الله" والتيار الوطني الحر"، بتهجير من تبقّى من السياديين في الجنوب؟
أسئلة برسم الدولة إذا وُجدت، ومسؤوليّتها الإجابة عنها. وبالانتظار، من حق أهالي رميش أن يخافوا على مصيرهم، خصوصاً إذا عادت وتكررت مثل هذه الاعتداءات.