أعاد تقرير نشرته صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية الاثنين عن أنفاق "حزب الله" الحديث عن البنية التحتية لـ"حزب الله" وخصوصاً الأنفاق.
الكلام عن أنفاق "حزب الله" ليس جديداً، فالحزب يعترف علناً وضمناً بامتلاكه شبكة أنفاق كبيرة ومنذ سنوات طويلة سبقت التحرير عام 2000، وهو حوّل أحد الأنفاق في مليتا إلى معلم سياحي، ودليل افتخار باعتماده هذا الأسلوب في الحرب.
لطالما تحدث الإعلام الإسرائيلي عن أنفاق الحزب.
ففي عام 2015 استجابت السلطات الإسرائيلية لضغوط سكان المستوطنات في الجليل وأطلقت حملة بحث عن الأنفاق بعد أن تصاعدت شكواهم من "أصوات تحت الأرض" يعتقدون أنها ناجمة عن حفر الحزب أنفاقاً تصل إلى ما تحت منازلهم، وعلى الرغم نفي الجيش الإسرائيلي في حينها قال الخبير بالشؤون العربية دورون بيسكين للإذاعة الإسرائيلية: إنه منذ عام 2006 هناك كثير من التقارير العلنية في وسائل الإعلام العربية وغيرها، تتحدث عن وجود أنفاق في جنوب لبنان، و"حزب الله" لم يحاول إخفاء أنه يوسّع شبكة أنفاقه، وما هو معروف أنه من جنوبي الليطاني حتى الحدود الإسرائيلية توجد شبكة أنفاق تابعة لـ"حزب الله"، ونحن نتحدث عن أنفاق إذا ما قارنّاها بما يحدث في غزة، فإن الأمر يبدو كلعبة أطفال مقابل ما يوجد لدى حزب الله".
وأضاف بيسكين: "أولاً، وقبل كل شيء، فإن حزب الله هو من جلب أسلوب وتكتيك الأنفاق إلى منطقتنا، وحماس تعلمت هذا الأسلوب من حزب الله، فحزب الله منذ أواسط سنوات التسعينيات يستخدم هذه الأنفاق، أي إن لديه خبرة أكثر من 20 سنة، وقد نقل هذه المعرفة إلى حماس، فضلاً عن أن الموارد المالية لدى حزب الله أكبر من موارد حماس".
ولفت بيسكين إلى أن "طبيعة الأرض في الشمال أصعب مقارنة بالأرض في غزة"، لكنه أبدى اعتقاده بأن "حزب الله" وجد لهذا أيضاً حلاً، فالحديث "لا يدور عن أنفاق لإطلاق الصواريخ بصورة أوتوماتيكية بتقنية إيرانية تصعّب على سلاح الجو العمل ضدها، بل نتحدث عن شبكة أنفاق فيها كل ما يلزم لمئات وربما لآلاف المقاتلين للبقاء مدة طويلة تحت الأرض".
وفي عام 2018 أطلقت إسرائيل عملية سمّتها "الدرع الشمالية" وادعت فيها تدمير 6 أنفاق هجومية وصلت الى الداخل الإسرائيلي، أحدها ينطلق من بلدة راميا بطول 800 متر، وأنه يمتد عشرات الأمتار داخل إسرائيل، وحُفر بعمق 55 متراً، ومزود بالكهرباء، سكة حديدية لنقل المعدات والنفايات، أدراج للخروج وعوامل أخرى تجعله متطوراً.
ووزعت صوراً لنفق زعمت أنه ينطلق من داخل منزل قرب قرية كفركلا ويعبر الحدود قرب بلدة المطلة في أقصى شمال إسرائيل.
وفي عام 2021 كشف تقرير وجود شبكة أنفاق إقليمية واسعة النطاق تمتد عبر لبنان، تابعة لـ"حزب الله" بما يسمح لها بنقل الأفراد والأسلحة.
التقرير الصادر عن مركز "ألما" الإسرائيلي تحت عنوان "أرض أنفاق" حزب الله
المركز الذي يختص ببحث التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل على جبهتها الشمالية، قال في تقريره "بتقديرنا، فإنه بعد حرب لبنان الثانية عام 2006، وبمساعدة من كوريا الشمالية وإيران، أسّس حزب الله "أرض الأنفاق" وهي شبكة أنفاق إقليمية هائلة الحجم".
وقال: "وفقاً للنتائج التي توصّلنا إليها، يبدو أن جزءاً من المشروع تم تنفيذه في المنطقة الجغرافية لوادي جنسنايا، الوادي بين الحسنية ووادي الليمون، وبرتي-سفنتا (بين سنية وبصليا)، وكفرا، وجنوب زحلتا".
وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، في منطقة التسوان الجغرافية التي تشمل مناطق الرمانة وجبل طورة (الرادار) واللويزة وسجد ومزرعة الزغرين والعيشية والقطراني والسريرة وبركة الجبور وميدون وحتى البقاع الغربي".
وتابع: "في تقديرنا، فإن نفقاً بطول حوالي 45 كيلومتراً بُني في هذه المنطقة".
وأشار المركز الإسرائيلي إلى أنه "بحسب المؤشرات، قام حزب الله بأعمال تحصين في هذه المناطق الجغرافية باستخدام كميات كبيرة من مواد البناء، ونفذتها شركة كورية تحت إشراف ضابط فيلق من الحرس الثوري الإيراني".
وتابع المركز "لدينا خريطة لجنوب لبنان تشمل المنطقة الجغرافية الواقعة بين صيدا في الغرب وبحيرة القرعون في الشرق ومرجعيون والنبطية في الجنوب".
وقال: "في تقديرنا، تظهر الخريطة أرض الأنفاق في المنطقة الجغرافية المعنيّة.. وقد ميّز الخريطة بعلامة طرفٌ غير معروف، مع دوائر تشير إلى 36 منطقة وبلدات وقرى".
وختم: "الطول التراكمي لجميع الأنفاق في "أرض الأنفاق" يمكن أن يصل إلى مئات الكيلومترات، وأنفاق حزب الله مثل أنفاق حماس، تحتوي على غرف قيادة وسيطرة تحت الأرض ومستودعات أسلحة وإمدادات وعيادات ميدانية وفتحات محددة مخصّصة لإطلاق الصواريخ من جميع الأنواع (صواريخ أرض-أرض والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات).. هذه الفتحات مخفيّة ومموّهة ولا يمكن الكشف عنها فوق الأرض".
في مطلع عام 2024 أعلن الجيش الإسرئيلي أن مواطنين يسكنون بالقرب من مستشفى نهاريا، الواقع شرق المدينة، كانوا قد اشتكوا مرات عدّة منذ شهر تشرين الأول وحتى شهر كانون الأول الماضي، من أنهم يسمعون في ساعات الليل المتأخرة ضجيج آليات حفر قوية تحت بيوتهم. وعلى رغم بعدهم عن حدود لبنان مسافة طويلة، أعربوا عن مخاوفهم من أن تكون تلك الأصوات آتية من عمليات حفر يقوم بها "حزب الله"... وقرر الجيش أخذ الشكاوى بجدية، فقام على مدى أسابيع، بعمليات حفر عميقة في 42 نقطة حول مستشفى نهاريا، لفحص إن كانت هناك أنفاق فعلاً، وخلص الخبراء في سلاح الهندسة والجبهة الداخلية إلى أنه "لا توجد أنفاق". وقال الناطق بلسان الجيش إنه "على رغم هذه النتيجة القاطعة، قرر الإبقاء على الحفر لاستخدامها إذا ما تغيّرت الظروف".
وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، إن هناك مخاوف بشأن تهديد أنفاق "حزب الله" مرة أخرى. ولفتت إلى أن "حزب الله" يتمتع بخبرة واسعة في حفر الأنفاق تحت الأرض، مشيرة إلى أنه "تم اكتشاف أن أنفاق (حماس) أكبر بكثير وأكثر اتساعاً مما كان يُعتقد سابقاً. فهل من الممكن أن يكون تهديد أنفاق حزب الله أكبر ممّا كان يُعتقد سابقاً؟". وأفادت بأن "هذا هو السؤال الذي أثير بعد الكشف عن نفق عملاق لحماس بالقرب من معبر إيريز، الذي كان واسعاً بما يكفي لمرور سيارة عبر أجزاء منه. وبينما عُثر على 1500 عمود نفق، يبدو أن هناك آلافاً أخرى. فماذا عن لبنان اليوم؟".
ونقلت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن مركز "ألما" أيضاً وجود "أنفاق متفجّرة"، وهي محفورة تحت نقاط استراتيجيّة، مغلقة ومتروكة من دون أيّ نشاط يمكن اكتشافه لسنوات، وهي مليئة بالمتفجّرات الّتي يمكن إشعالها في اللحظة المناسبة لإحداث زلزال وانهيارات أرضيّة وطوفان مدمّر ومرعب من التربة والصخور".
ولفتت إلى أنّه "في الأسابيع الّتي تلت 7 تشرين الأوّل الماضي، قصف الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان بقنابل الفوسفور الأبيض. كان أحد الأهداف هو إشعال النار في غابات الصنوبر للكشف عن مخارج تحت الأرض، وقد صُوّر عشرة على الأقل وقُصفت، ممّا أدّى في أسوأ الأحوال، إلى ضغط زائد وانهيار أرضي على بعد بضعة أمتار".
لا يعلّق "حزب الله" أو المقرّبون منه على الحديث عن شبكة الأنفاق ومداها وأماكن وجودها، فيما يستبعد الخبراء العسكريون أن تمتد هذه الأنفاق الى عشرات الكيلومترات في إسرائيل والوصول الى نهاريا كما زعمت إسرائيل، إذ إن الطبيعة الجغرافية مختلفة جداً عن غزة والأمور بحاجة الى تقنيات كبيرة والأرض الضخرية بحاجة الى معدات ثقيلة جداً تعمل ومن الصعب إخفاؤها وعدم اكتشافها مهما كانت عميقة، بوجود التقنيات الإسرائيلية الحديثة.
ويؤكدون أن ربط حديث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عن الهجوم على الجليل بالأنفاق مبالغ فيه وغير واقعي، فطبيعة الأرض وامتداد الحدود وطبيعتها تسمح للحزب باختراقات وتسلل من دون الحاجة إلى أنفاق.