24 ساعة كانت كافية لهزّ الاستقرار في البلد وعودة شبح مشاهد الحرب الأهلية، على إثر عملية خطف منسق منطقة جبيل في "القوات اللبنانية" باسكال سليمان على طريق حاقل خلال عودته من مناسبة عزاء في جرد جبيل، في منطقة يُفترض أقله أنها خاضعة لشرعية الدولة خلافاً لمناطق اخرى.
استهداف قياديين للقوات اللبنانية ليس الأول من نوعه، اذ تم في آب الفائت اغتيال القيادي الياس الحصروني الملقلب بـ"الحنتوش" في بلدته عين إبل، ووجهت القوات اللبنانية الاتهامات بمقتله إلى "حزب الله".
مصادر أمنية أشارت لـ"النهار" إلى أن "عدد الموقوفين السوريين في قضية خطف باسكال سليمان إلى تزايد نتيجة التحقيقات، وتأكد ضلوع أربعة منهم على الأقل"، وقالت: "لا يزال العمل منصباً على تحليل داتا الاتصالات ورصد كاميرات المراقبة للتقدّم في التحقيقات".
وأفادت مصادر أمنية أخرى "النهار" أن الجيش اللبناني أوقف أربعة سوريين حتى الآن في حادث خطف المسؤول القواتي #باسكال سليمان، ويجري مقاطعة المعلومات التي أدلوا بها في التحقيق الأوّلي تمهيداً لتوضيح ملابسات القضية ولمعرفة مكان وجود المخطوف والعمل على تحريره من الخاطفين، وذلك بعدما اعترفوا بضلوعهم ومشاركتهم في عملية الخطف.
كما أفادت معلومات "النهار" أن "لبنانيين أوقفوا نتيجة توسع التحقيق في اختطاف باسكال سليمان، ولكنهم ليسوا ضالعين في الخطف".
وكان الجيش قد أوقف تسعة أشخاص منذ ليل أمس من التابعية السورية، واستبقى واحداً منهم موقوفاً، لتتمكن مخابرات الجيش من توقيف ثلاثة آخرين اليوم متورطين في هذه العملية.
في السياق، ذكرت مصادر قضائية أن التحقيق توصّل إلى تحديد مكان وجود الخاطفين في منطقة القصر على الحدود اللبنانية السورية.
ويبدو أن أكثر من مجموعة من الأشخاص شاركت في التخطيط لهذه العملية، إذ تم نقل سليمان إلى منطقة حدودية، وتسلمته المجموعة الأخرى.
وجغرافياً، تتداخل بلدة القصر بين لبنان وسوريا، وتقع أقصى شمال شرق لبنان عند الحدود اللبنانية السورية، وتبعد عن الهرمل 12 كيلومتراً وعن العاصمة بيروت 160 كيلومتراً، ومنازلها داخل الأراضي اللبنانية فيما أراضيها الزراعية داخل سوريا.
وتعتبر هذه البلدة نقطة وصل بين محافظة البقاع وبعلبك الهرمل ومحافظتي عكار والشمال.
المعلومات بشأن القيادي باسكال سليمان حتى الساعة متضاربة، ولا صحة أبدا عن تحريره من قبل مخابرات الجيش كما يُروج، ولم تتلق معراب حتى الساعة أي معلومات تتعلق بتحريره، بل هناك جهود مستمرة ومضنية من قبل الأجهزة الأمنية ووحدات الجيش لمعرفة مكان وجوده كما ذكرت مصادر معراب لـ"النهار".
"النهار" التي تواكب مسألة اختطاف سليمان منذ يوم أمس، تحدثت اليوم من جبيل إلى النائب غادة أيوب الموجودة مع المتظاهرين على الطريق، فدعت "ما تبقى من الدولة اللبنانية لأن تعمل على حفظ الأمن والأمان للبنانيين لئلا يشعر المواطن اللبناني بعدم الانتماء". وقالت: "إن الجهات الأمنية أبلغتهم أنه حتى الساعة تم توقيف عدد من أفراد العصابة، من دون تحرير سليمان".
ورداً على سؤال، أكدت أنه "لا نستطيع أن ننفي أو نؤكد ما اذا كان الاختطاف سياسياً، ربما لأن العناية الالهية تدخلت، وكان باسكال سليمان لدى اختطافه يتصل على هاتفه مع شخص آخر فغيرت العصابة خطتها وحولت هدف الاختطاف".
النائب زياد الحواط تحدث بدوره لـ"النهار"، واكد أن الاتصالات مع الأجهزة الأمنية ايجابية لكن ما نريده عودة باسكال سليمان إلى أهله. وقال: "من حق اللبنانيين العيش بكرامة، وبأمان وباستقرار، وضرب الاستقرار وخطف الناس من منازلها في وضح النهار بدون حسيب أو رقيب أمر غير مقبول، فإما أن تقوم الدولة اللبنانية بمسؤولياتها وتحمي المواطنين في قراهم أو نحن لدينا كل القدرات للقيام بذلك. إنما ما زلنا ننادي بالالتزام بالدستور والمؤسسات والأجهزة الأمنية، التي نوجه لها كل التقدير والشكر على الجهود التي تقوم بها منذ اختطاف باسكال سليمان الى اليوم، على أمل الوصول إلى نهايات سعيدة".
وردا على سؤال، قال الحواط: "لا نستبعد أن يكون الخطف سياسيا، ننتظر معطيات الأجهزة الأمنية وما يمكن أن تضعنا فيه من معلومات بشأن عملية الخطف. ووننتظر تحرك القضاء. آمالنا معقودة على الأجهزة الأمنية لتحريره، وبعد التحرير كلام آخر لما بات يشكله اللجوء السوري من خطر، الذي يجب معالجته بشكل سريع. واذا لم يُحرر سيكون هناك مسؤولية كبيرة علينا سنبدأ بحماية أنفسنا وعائلاتنا وأولادنا. اليوم باسكال سليمان غدا أي مواطن في أي ضيعة لبنانية أخرى".
هذا، وتداعى منذ يوم أمس شباب القوات اللبنانية إلى جبيل وقطعوا الأوتوستراد بالاتجاهين.
وتسبّب قطع الطريق بزحمة سير خانقة منذ ساعات الصباح الأولى.
وأثارت القضية مواقف سياسية وحزبية وشعبية مندّدة، واستدعت حضوراً لرئيس "القوات اللبنانية" سمير #جعجع إلى منسقيّة جبيل ليل أمس للوقوف عند آخر التطورات.
وفي آخر المعطيات، أعلنت قيادة الجيش أنّه "على أثر خطف المواطن باسكال سليمان بتاريخ 7/4/2024، تمكّنت مديرية المخابرات، بعد متابعة أمنية، من توقيف عدد من السوريين المشاركين في عملية الخطف، وتجري المتابعة لتحديد مكان المخطوف ودوافع العملية".
من جهته، دان الحزب التقدمي الاشتراكي عملية الخطف، مطالباً "الأجهزة الأمنية بذل كل الجهود لكشف ملابسات هذه الحادثة وخلفياتها، وتأمين عودته سالماً، وأن تتم محاسبة المرتكبين والمتورطين، وإحقاق القانون درءاً لمزيد من الاحتقان والتوترات".
كما استنكرت مصلحة الأساتذة الجامعيين في "القوات اللبنانية" عملية الاختطاف "الآثمة والمجرمة لمنسق منطقة جبيل باسكال سليمان يوم الأحد"، طالبةً من "الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني ملاحقة الخاطفين المجرمين وتحريره، كما سوق هؤلاء إلى القضاء المختص بعد توقيفهم من أجل إنزال أشد العقوبات بهم حرصاً على أمن البلاد وصوناً للقانون والمؤسسات".
ودعت المصلحة "جميع الجامعات في قضاء جبيل إلى التوقف عن التدريس اليوم الإثنين"، مؤكدةً على "تضامنها مع الدكتورة ميشلين وهبة زوجة باسكال ومع الدكتور جيلبير سليمان شقيق باسكال".
وفي المواقف أيضاً، دعا نقيب صيادلة لبنان الدكتور جو سلوم، في بيان، "صيدليات قضاء جبيل الى مشاركة أهالي المنطقة وقفتهم التضامنية بالطريقة التي يرونها الامثل".
وأكّد أنّ "الصيادلة كانوا الى جانب الاهالي في كل الاستحقاقات، سيّما الأوقات العصيبة من كورونا الى التدهور في الواقع الاقتصادي والصحي"، داعياً "القوى الامنيّة الى كشف ملابسات الحادث المؤلم واجراء كل ما يلزم حفاظاً على لبنان الدولة والقانون والعيش المشترك".
وتسود حالة من الغضب والحذر في جبيل بانتظار جلاء مصير سليمان.