النهار

ظاهرة الخطف مقابل فدية ماليّة: 6 أسئلة مشروعة وساحة مشرّعة تفضح انهيار الدولة
ليلي جرجس
المصدر: النهار
ظاهرة الخطف مقابل فدية ماليّة: 6 أسئلة مشروعة وساحة مشرّعة تفضح انهيار الدولة
باسكال سليمان.
A+   A-
بدأت الاعترافات تتكشف رويداً رويداً خلال التحقيقات لمعرفة الدوافع الحقيقة وراء جريمة قتل منسّق "القوات اللبنانية" في منطقة جبيل #باسكال_سليمان، وأظهرت آخر التطورات الأمنية أن الموقوفين هم من أفراد عصابة متخصّصة بسرقة السيارات، وأدرجت عملية خطف سليمان في نطاق السرقة، حيث أكّد الموقوفون أنّهم لا يعرفون هويّة المخطوف.
 
وفي انتظار انتهاء التحقيقات والكشف عن الرواية الكاملة لهذه الجريمة النكراء، تعود إلى العلن ظاهرة الخطف والسرقات والقتل التي تفضح عمل عصابات عديدة توغلت في لبنان وبدأت تنشط بشكل كبير بعد الأزمة الاقتصادية والفوضى الحاصلة.
 
فرضيات كثيرة ستبقى مطروحة إلى حين انتفائها بشكل تام بعد انتهاء التحقيقات وإقفال الملفّ، هل نحن أمام جريمة مزدوجة سياسية ومادية؟ هل تكون الرواية الأمنية الوحيدة أم نحن أمام خيوط أخرى قد تكشف فرضية أكبر وأخطر؟ وأثناء انتظار فكّ لغز هذه الجريمة، لا يمكن التغاضي عن ظاهرة مقلقة نشطت بعد الأزمة الاقتصادية وما زالت تواصل عملياتها في مختلف المناطق.
 
يؤكّد العارفون في منطقة البقاع والمناطق الأخرى الحدودية أنّه في الماضي كانت العصابات تنشط داخل الأراضي اللبنانية ويكون معظم أفرادها لبنانيين. وأدّت الحملة الأمنية التي شهدتها المنطقة ومنها بعلبك إلى هروب البعض وتوقيف البعض الآخر ووفاة قسم آخر. ونتيجة ذلك تمركزت هذه العصابات في الحدود الشماليّة من الداخل السوري، وأخذت تتحرك من سوريا إلى لبنان والعكس.
 
ويُعرف عن هذه العصابات أنها تنشط في مختلف أنواع التهريب، جزء منها مرتبط بعمليات سرقة السيارات التي تعتبر الأكثر رواجاً حتى اليوم، ويتمّ سرقتها داخل الأراضي اللبنانية وتوصيلها إلى الحدود ومن ثمّ تسليمها إلى جهة أخرى في سوريا تتولى مهمّة بيعها ونقلها.
 
كما تنشط عصابات أخرى في المخدرات وتهريب المازوت وسلع غذائية وأسلحة، وما يُسهّل عمليات التهريب، الحدود المشرّعة والمفتوحة، بالإضافة إلى وجود لبنانيين في مناطق سورية حدودية ما يساعد على التهريب أكثر.
 
ومن المهمّ أن نعرف أنه يستحيل إنشاء عصابة من دون أن يكون فيها لبنانيون وسوريون لتسهيل العملية، وغالباً ما يكون المنفّذون سوريين وإنّما يحرّكهم رأس، مدبّر لبنانيّ أو لبنانيّ- سوريّ.
 
 
في العودة إلى ما جرى مع #باسكال سليمان، يبرز السؤال الأهم: هل وقع فعلاً ضحية عصابة خطف مقابل فدية؟
كشف الخبير الإحصائيّ في الدولية للمعلومات محمّد شمس الدين لـ"النهار" أنّه بحسب الأرقام نشهد زيادة في جرائم الخطف مقابل فدية مالية منذ بداية العام الجديد حتى شهر آذار، حيث سجّلت 8 حالات مقابل تسجيل 3 حالات في الفترة نفسها من العام الماضي.
 
في حين نشهد تراجعاً في عدد السيارات المسروقة حيث بلغ عن 179 سيارة منذ بداية العام حتى شهر آذار مقارنة بـ285 في الفترة نفسها من العام الماضي.
ويرى شمس الدين أنّ سرقة السيارات غالباً ما تكون من قبل أفراد ويتمّ بيع قطع السيارات في المخيمات أو تهريبها عبر الحدود أو من خلال Valet Parking الذين يستغلون عملهم لصبّ نسخة عن مفاتيح السيارة لسرقتها لاحقاً. بينما جرائم الخطف مقابل فدية تكون من خلال عصابة منظمة وتتطلّب مراقبة ومتابعة الشخص المخطوف وتنقلاته قبل الإقدام على خطفه والتنسيق بين مجموعة العصابة، حيث كلّ شخص يتولى مهمّة معيّنة سواء بنقله أو بخطفه وصولاً إلى حجزه في مكان خاص للاتصال بعائلته وطلب الفدية".
 
ويشير إلى أنّ غالبية سرقة السيارات تكون من قبل أفراد، وفي حالات نادرة تكون من قبل مجموعة نصبت كميناً لسيارة فخمة جداً وتمّت مراقبتها في وقت سابق. أمّا في ما خصّ حالات الخطف مقابل فدية مالية فهي نشطت منذ الأزمة الاقتصادية في لبنان أي بعد العام 2019، أي عند انهيار الدولة وانتشار الفوضى، وغالباً ما يعود المخطوف إلى عائلته بعد التفاوض مع الجهة الخاطفة على المبلغ. كما أنّ معظم حالات الخطف تُعالج حبيّاً بين الطرفين من دون إدخال أيّ جهة أمنية في الموضوع، ونادراً ما يُقتل المخطوف في مثل هذه الحالات".
 
ويرفض شمس الدين الخوض في تحليل جريمة قتل منسّق "القوات اللبنانية" في منطقة جبيل #باسكال سليمان، ولا يمكن جزم أيّ فرضية بشكل مطلق حتى الآن، لكنّه يعتبر أنّ "الجريمة أكبر من مجرّد سرقة سيارة".
 
 
قراءة أمنية لظاهرة الخطف
 
لا يُخفي العميد المتقاعد قائد الشرطة القضائية السابق أنور يحيى في حديثه لـ"النهار" أنّه لطالما شهد لبنان عمليات خطف لأسباب عديدة منها مادية ومنها سياسية ومنها جنسية شخصية، و"انطلاقاً من خبرتنا في هذا الموضوع غالباً ما تكون عمليات الخطف بهدف فدية مالية، وأتذكر جيّداً أنّه بعد أقلّ من شهر على تسلّمي الشرطة القضائية في العام 2005، خُطف طفل يدعى كريم صائم الدهر (يبلغ من العمر 9 سنوات) في منطقة الرملة البيضاء، وكان متوجّهاً مع السائق إلى مدرسته وقد أُعيد بعد 24 ساعة على خطفه ولاحقاً أوقف الخاطف. وكشفت التحقيقات أنّ السائق كان متورّطاً مع خاطفي الطفل بهدف الحصول على فدية مالية. وأحد المخطوفين كان مطلوباً بتهمة المخدرات.
 
كذلك في العام 2009، خُطف الطفل جهاد الخنسا بالقرب من محطة المقداد في الغبيري خلال ذهابه إلى المدرسة وخبأه الخاطفون في منطقة عاليه. وبعد التحقيقات توقف الفاعلون وتبيّن أن رئيس العصابة ارتكب جرائم قتل بحق شقيقيه بسبب حاجته إلى المال كونه يتعاطى المخدرات. وحُرّر الطفل المخطوف من منطقة عاليه".
 
ويرى يحيى أنّ الخطف لأسباب مالية يمكن أن تتولّاها أيّ عصابة من خلال التحضير للخطف والتجهيز لهذه العملية بهدف الحصول على المال.
 
وعن حقيقة ما حصل مع #باسكال سليمان، يشدّد يحيى على أهمية عدم استباق التحقيق لمعرفة ما إذا كانت خلفيات الخطف سياسية أم مالية.
 
 
ويورد يحيى الأسئلة الستّة التي يجب أن نطرحها عند حدوث عمليّة الخطف وهي:
 
1- من المخطوف؟
2- من الخاطف؟
3- كيف تمّت عمليّة الخطف؟
4- أين حصلت عمليّة الخطف؟
5- متى حصلت عمليّة الخطف؟ (توقيت الحادث)
6- لماذا؟ هل سبب الخطف هو ابتزاز طائفيّ؟ أو سياسيّ؟ أو  ماديّ؟

ويشير إلى أهمية أن يرافق القاضي المشرف على التحقيقات مسار التحقيق على الأرض، وأن يعلن لعائلة الضحية وللناس تفاصيل الحادثة بكل شفافية مفنداً أسباب الجريمة وماذا حصل ونتيجة تقرير الطبّ الشرعيّ، وألّا تنحصر هذه المهمة بالضابطة العدلية.
 
وعن العوامل المسؤولة عن زيادة ظاهرة الخطف مقابل فدية، يؤكد العميد المتقاعد أن السبب الأول يتمثل بوجود بيئة مناسبة لإجراء عملية الخطف والتي تكشف ضعف هيبة الدولة. و"نعرف جيّداً أن الجهاز الأمني بمختلف قطاعاته يعاني من أزمة مالية صعبة بعد انهيار الليرة اللبنانية. وهذه المشكلة تقلّل من جهوزية الأجهزة الأمنية والعسكرية ويسعى القادة الأمنيين والعسكريين لتأمين أعلى جهوزية للقوى للقيام بمهامها المكلفة بها قانوناً للحفاظ على الأمن والسلامة العامة.
 
ونعني بالضابطة الإدارية الدوريات التي كانت تقوم بها سيارات الشرطة في الشوارع والمناطق لضمان السلم ومنع حصول السرقات والتعديات، وبالتالي منع حدوث الجريمة. ودور الأجهزة الأمنية بالتعاون مع الجيش وقائيّ، وهذا أهمّ جانب لمنع حصول حوادث الخطف وغيرها. لذلك يعتبر تكثيف الوجود الأمني ضرورياً لمنع حوادث الخطف والسرقات، بالإضافة إلى الاستعلام الدقيق على سكان حيّ معيّن، والتعاون مع مختلف القادة والإدارات للحدّ من تنامي هذه الظاهرة من خلال عودة هيبة الدولة بكلّ أجهزتها وتحسين رواتب العناصر وتأمين كلّ متطلّباتهم".
 
في المقلب الآخر، يوضح يحيى أنّ معظم عمليات الخطف تكون مقابل فدية مالية، ولكن هناك دوافع أخرى تكون مرتبطة ببعض حوادث الخطف، "في العام 2009 خُطف رئيس التجارة والصناعة في مدينة طرابلس عبدالله غندور وعثرنا على جثته في قلعة المسيلحة في البترون. وبعد توقيف الجاني تبيّن أنّ هناك أسباباً ماليةً لأنّ من ارتكب عملية الخطف والقتل هو لبنانيّ متعاون مع أشخاص عراقيين كانت تربطهم علاقة تجارية مع المغدور".
 
في حين تلعب بعض الأسباب الأخرى مثل الدافع الشخصيّ كالقتل من أجل الخيانة الزوجية، أو جنسية مثل جريمة القتل حيث "تتآمر الزوجة مع عشيقها لخطف زوجها كما جرى في بلدة البساتين قضاء عاليه مؤخراً، أو جريمة سياسية. ونتذكرّ جيداً على سبيل المثال الجريمة التي حصلت مع رمزي عيراني في العام 2002، والعثور عليه في صندوق سيّارته. وكان الهدف من عملية القتل سياسية وليست مادّية".
 
وفي النهاية، تطرح جريمة قتل سليمان كل الأسئلة التي أثيرت حول خلفيات الجريمة والتي تعتبر مشروعة إلى حين حسم الفرضية النهائية.

اقرأ في النهار Premium