النهار

نصرالله في خطابه الثاني بعد الاغتيال… هل ينفد "الصبر الاستراتيجي"؟
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
نصرالله في خطابه الثاني بعد الاغتيال… هل ينفد "الصبر الاستراتيجي"؟
كلمة السيد حسن نصرالله في الحفل التأبيني للقائد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية (حسام شبارو).
A+   A-
لا تعكس النبرة الهادئة التي تحدّث بها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مضمون خطابه، الذي يعتبر تصعيدياً أو الأخطر منذ بداية الحرب.

وفي هذا الإطار، يمكن الحديث عن عدد من النقاط التي يستحقّ التوقّف عندها، أوّلها حديثه مع الداخل مجدّداً، بعدما قال في أكثر من خطاب سابق إنّه على الحزب عدم الاكتراث للأصوات المعارِضة وعدم الرد عليها. أمّا اليوم، فأعاد حديثه نحو الداخل طالباً منه "عدم طعن المقاومة في ظهرها" أو عدم الهجوم على "حزب الله" والمشاركة في الحرب النفسية ضدّه، بما يدل على أهمية الجبهة الداخلية تبعاً للتطورات المتوقعة المقبلة، وبما يُحيّد أقلّه الجبهة الداخلية عنه. وفي الوقت عينه، منح نصرالله للداخل تطمينات بأنّه لن يستثمر في المعركة والانتصار على حساب الداخل، مذكّراً بتجارب الماضي بعد عامَي 2000 و2006، ومؤكداً أنّ التعاطي سيكون متشابهاً هذه المرة أيضاً.

كما حاول نصرالله التخفيف من حالات الهلع في الداخل، وخصوصاً تلك التي حصلت في الأيام الأخيرة، عبر التلميح ألّا ردّا قريباً، فهم يمارسون سياسة "الذبح بالقطنة"، أي التي تعتمد على الوقت الطويل، ولا شيء قريباً كما يجري الحديث حالياً.

أمّا الأخطر في حديثه، فكان عن "معركة كبيرة ودم غالٍ وعزيز واستهداف خطير للقائد فؤاد شكر، ولا يُمكن أيّاً تكن العواقب أن تمرّ المقاومة على الاغتيالات هكذا". وأضاف: "نتحدّث اليوم بمسؤولية وعن مستقبل سنصنعه معًا بصبرنا وتحمّلنا وتوكلنا على الله ودماء شهدائنا".

وهذا الحديث يدلّ بما لا يقبل الشك عن ردّ لا يمكن الاستعاضة عنه والاستعداد لتحمُّل مسؤوليته مهما كلّف الأمر، طالباً من الناس التحمّل والصبر "لأنّنا نصنع المستقبل".

ولتأكيده على الرد وعدم القبول بأيّ وساطة، أشار إلى إقفال قنوات التواصل مع المسؤولين اللبنانيين والجهات الدولية التي تطالبه بسقف لعملية الرد، مؤكداً أنّه لا "يُمكن أن نُطالب أحداً بأن نتصرّف مع العدوان كما لو أنه ضمن سياق المعركة القائم منذ 10 أشهر، والإسرائيلي هو الذي اختار التصعيد مع لبنان وإيران"، مشيراً إلى أنّه في المرات السابقة التزم الحزب الحدّ الأدنى من الرد ومن الضوابط، لكن هذه المرة الأمر مختلف وسيكون تفلّتاً من أيّ ضوابط تم رسمها سابقاً أو قبلها "حزب الله" نتيجة تدخّلات أو مفاوضات معينة.

ووضع نصرالله بنك أهداف كبيراً وردعياً لمحاولة تفادي فلتان الأمور في أي ردّ إسرائيلي، ففصّل عدد المصانع والشركات والمراكز الحيوية في الشمال الإسرائيلي، مؤكداً أنّه يستطيع تدميرها بنحو نصف ساعة، وبالتالي فإنّ أيّ ردّ إسرائيلي على الردّ سيتجاوز الأهداف العسكرية التي عادة يتعامل معها إلى أوسع وأشمل.

لكنّه في المقابل خفّف من أهمية الرد الإسرائيلي الكبير، وذلك في حديثه عن أنّه لو أرادت إسرائيل الحرب الشاملة فهي لا تحتاج لذرائع، وكان بإمكانها استغلال ما جرى اليوم أو العمليات السابقة لشنّ حرب على لبنان، لكنّها لم تفعل. كما شدّد نصرالله على أنّ إسرائيل بحاجة الى حسابات كبيرة ومعقّدة لشن حرب واسعة على لبنان.

في المحصلة، ثمة من يرى أن كلمة نصرالله تندرج في سياق الصبر الاستراتيجي، وأن المحور يتعامل بشيء من برودة الأعصاب في انتخاب الرد على اغتيال هنية وشكر. ويبقى أن الباب ليس مغلقاً تماماً أمام ناقلي الرسائل التفاوضية وسقفه حتى الساعة وقف الحرب على غزة وضمان بقاء حماس على قيد الحياة، ثمناً لعدم الرد النوعي على عمليتي الاغتيال.

اقرأ في النهار Premium