النهار

بين باسيل والقائد... مسار متعرّج بأفق مسدود
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
بين باسيل والقائد... مسار متعرّج بأفق مسدود
قائد الجيش ورئيس "التيار الوطني الحر". (تصميم ديما قصاص)
A+   A-

احتدمت رئاسياً، بين رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل وقائد الجيش العماد جوزاف عون، لكنها المرة الأولى التي يكون فيها موقف رسمي عالي اللهجة من التيار  الذي يعدّ نفسه خرج من رحم مؤسسة الجيش، وهي المؤسسة "المقدّسة" التي لا تُمسّ بالنسبة له.

 

فخلال مؤتمر صحافي، اتهم باسيل قائد الجيش عون بأنه "يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، ويأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع، ويتصرّف على هواه بالملايين في صندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش"، وهو الهجوم الأول المباشر بالاسم على قائد الجيش، بعدما كان تلميحاً أو بطريقة غير مباشرة، كما يُعدّ الاتهام الأخطر لقائد المؤسسة العسكرية بالفساد وخرق القوانين.

 

وفي عودة الى السنوات السابقة، لم تكن العلاقة بين باسيل وقائد الجيش في أحسن حالاتها، رغم أن القائد كان من اختيار الجنرال ميشال عون، الذي أصرّ على اسمه منذ توليه الرئاسة وأحرج بذلك ضبّاطاً موارنة آخرين، قدّموا تسريحهم من الجيش فور تعيين عون في مركزه.

ومنذ التعيين، اتسمت العلاقة بين الرجلين بالفتور، على الرغم من تدخّل رئيس الجمهورية في أكثر من مرة، إلّا أن الأمر توسع وكبر في عهد وزير الدفاع آنذاك يعقوب الصراف الذي وقعت قطيعة كبيرة بينه وبين قائد الجيش، وكانت المرة الأولى التي يجري فيها الكلام عن الأموال الخاصة، حين تحدث الصراف أكثر من مرة عن توظيف وشراء سيارات وتوزيع محروقات ومساعدات اجتماعية من دون شفافية، لم يوقع عليها.

وكان  مؤيّدون لقائد الجيش يرون فيه رسائل من باسيل، الذي أبدى امتعاضه من أولى التشكيلات العسكرية التي قام بها العماد عون ورفض مجاراته بعدد من الطلبات، وخصوصاً أن الصرّاف عضو مجلس مركزي في التيار الوطني الحر وليس فقط مقرباً من العماد ميشال عون، وبقيت العلاقة بين الوزير والقائد منقطعة من دون تنسيق حتى انتهاء ولاية الصراف بعد الانتخابات النيابية في عام 2018، إلّا أن وزير الدفاع الجديد الذي خلف الصراف أي النائب الياس بوصعب لم تكن معه العلاقة أفضل، بل ازداد الخلاف، وتطور الى مكان جرت فيه اتهامات مباشرة بالفساد، فيما اتهمت القيادة وزير الدفاع بأنه بامتناعه عن التوقيع على معاملات المؤسسة يوقعها ويوقع الدولة في خسائر كبيرة، وظلّت الأمور بهذا الاتجاه حتى حادثة قبرشمون في حزيران 2019.

ولم يعد الامتعاض والخلاف بالواسطة بين باسيل وقائد الجيش، بل انتقل مباشرة عبر رسائل واضحة بعدم رضى باسيل عن تصرّف وتحرّك الجيش تجاه الحادثة، وبدأت منذ ذلك الوقت المواجهة المفتوحة بين الرجلين، لكنها بقيت تحت السيطرة الى حد ما بحيث إن تدخلات رئيس الجمهورية ورعايته خفّفت الحدّة الى حين اندلاع حراك 17 تشرين 2019، هنا تطوّرت الأمور فبات باسيل يرى في عون قائد الانقلاب نظراً الى اعتراضه على طريقة عمل الجيش في تلك الفترة، وهنا خسر القائد رعاية الرئيس الذي بدأ يميل باتجاه باسيل، وأرسى حالة من التباعد.

رغم التباعد حافظ رئيس الجمهورية والعماد على علاقة "قدر المستطاع" لكن هذا الأمر لم يحصل مع باسيل الذي استمر في محاربته، وحتى محاولات وزيرة الدفاع زينة عكر لربط النزاع مع قائد الجيش نجحت في أولى أشهر تسلّمها للوزارة لتعود وتتدهور قبل نهاية ولايتها.

مع تشكيل الحكومة الأخيرة للعهد، رأى كثيرون أن اختيار رئيس الجمهورية وزيراً للدفاع من ضبّاط الجيش هو محاولة لكسر الخلافات التي وقعت بين وزارة الدفاع واليرزة وتهدئة الأمور مع قائد الجيش، كما قام بموازاة ذلك بلقاء صلحة أو مصارحة بين باسيل وقائد الجيش في القصر الجمهوري، إلّا أن جميعها لم تؤدّ الى أي مكان، وظل الخلاف كما هو.

ومع انتهاء العهد، والبدء بالكلام الجدّي مع تقدّم ملحوظ لقائد الجيش، ومحاولة تأمين مظلّة داخلية وخارجية له، انتقل باسيل الى مرحلة المواجهة المباشرة عبر إقفال كل الطرق التي يمكن أن توصله الى بعبدا، بدءاً من الخارج حيث لباسيل منفذ، إن كان في قطر أو في فرنسا، فاستعجل طلب اللقاءات في باريس ومن بعده الدوحة الذي سبقه إليها قائد الجيش، ليبلغ كل من يعنيه الأمر أنه لن يسير في هذا الخيار.

أما في الداخل ففتح الاشتباك على مسارين، الأول ضمن المؤسسة عبر وزير الدفاع موريس سليم، وبدأت بشكل مباشر عندما رفض سليم السير في التمديد لأعضاء المجلس العسكري وتفريغه، بما يؤثر سلباً على قائد الجيش بحرمانه من الفريق الميثاقي في القيادة، وبعدها عرقلة مشروع المرسوم الرامي الى منح الأسلاك العسكرية مساعدة اجتماعية أو متمّمات على الراتب، عبر اشتراط وزير الدفاع توقيع الوزراء الـ24 عليه، ولاحقاً بالخلاف على تعيينات المفتش العام للجيش والمدير العام للإدارة، وصولاً الى تلميح وزير الدفاع الى طلب إقالة قائد الجيش على الرغم من أنه تراجع عن التصريح لاحقاً بعد عاصفة من الانتقادات.

أما المسار الثاني فهو بالسياسة، فباسيل يعلم أن انتخاب جوزاف عون لن يتمّ إلا وفق تسوية سيكون ضلعها الأساس "حزب الله"، فبدأ بإقفال هذا الدرب عبر الانقسامات الداخلية وفي الإعلام لحشر الحزب، إما بالإقناع وإما بالابتزاز عبر التهديد والوعيد بفك التفاهم والذهاب نحو ممانعة سياسية كما صرّح في مؤتمره الصحافي.

انتقالاً الى الهجوم الإعلامي الأشرس، وهو المواجهة المباشرة، وهذا أيضاً ما ظهر في مؤتمره الصحافي، الذي اتخذ فيه طابعاً شخصياً فاجأ به زملاءه النواب أيضاً، الذين سربوا من أكثر من مكان امتعاضهم من هذا الأمر وخصوصاً أن عدداً لا بأس به منهم لديهم علاقات متينة مع القائد وهم ما زالوا يلتقونه دورياً، حتى إن بعضهم يفضّله رئاسياً على كثر يطرحهم باسيل بطروحاته "الوسطية".

ومن هنا، بدأ المقرّبون من التيار يحذرون من الاستمرار في الهجوم الممنهج على قائد الجيش، لأنه لا يعبّر عن روحية التيار من جهة وهذا ظهر جلياً في عدم تفاعل القاعدة العونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع الهجوم الكبير على القائد، ويمكن أن يؤدّي الى خلافات داخل صفوف التيار من جهة ثانية وهو ما تمثل بتقديم استقالات من الحزب الثلاثاء.

ويرى أحد القياديين القدامى في "التيار الوطني الحر" أن الهجوم على قائد الجيش عبر بوابة الأموال الخاصة خاطئ تماماً بحيث إن ما يُسمّى "أموالاً خاصة" في قيادة الجيش هو أموال العائدات التي يحصل عليها الجيش من نوادي الجيش وبيوت الجندي وأملاك الجيش المبنيّة وغير المبنيّة، وكل أنواع الهبات التي تصل الى الجيش، وهذه الأموال بموجب القانون توضع بالتصرف الحصري لقائد الجيش، وأيضاً بموجب القانون هذه الأموال غير خاضعة لقانون الشراء العام بحسب المادة 3 من هذا القانون كما لا تخضع لقانون المحاسبة العمومية بل لقانون الدفاع الوطني الذي يضعها حصراً عند قائد الجيش، لكن هذا لا يعني أنه يحق له التصرّف فيها مزاجياً، فهذه الأموال تُضبط بإيصالات، وتمسكها محاسبة قيادة الجيش بشكل دقيق جداً وتخضع لأكثر من توقيع من كبار الضباط وتخضع لجميع الآليات المحاسبية الموجودة في الجيش اللبناني، وتُنفق على الاستشفاء والطبابة، واليوم أصبحت تُنفق على النقل وصيانة الآليات، وذلك أن موازنة الجيش أُقرّت على أساس 1500 ليرة للدولار أما اليوم فالدولار تجاوز الـ60 ألف ليرة، فلولا هذه الأموال الخاصة لتوقفت كل مهمّات الجيش.

وفي رأيه، إن "المؤسسات الدولية تغدق على الجيش بالمساعدات، لأسباب منها معرفتها أنه المكان الوحيد الذي توجد فيه آليات شفافية ومحاسبة ومناقبية عسكرية كاملة".

ويضيف أنه في "كل جولة كان يقوم بها باسيل على المناطق كان يرافقه فيها عدد كبير من الجيش والآليات العسكرية، وهذه لو كانت من موازنة الجيش الرسمية، لانتهت هذه الموازنة بثلاث جولات، فعلى الأقل تكلف كل جولة أكثر من ملياري ليرة".

 

اقرأ في النهار Premium