السبت - 29 حزيران 2024

إعلان

فورة لبنانية مؤيّدة لإردوغان من بيروت إلى الشمال... التفتيش عن "قائد"؟

المصدر: "النهار"
جاد ح. فياض
جاد ح. فياض
رجل يبيع أعلام تركيا.
رجل يبيع أعلام تركيا.
A+ A-
علامات استفهام تُطرح حول الوجود التركي ونفوذ أنقرة في لبنان، خاصةً بعد الاحتفالات التي شهدتها عدة مناطق لبنانية بما فيها العاصمة بيروت والشمال على إثر فوز الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان بولاية رئاسية جديدة، وكأن أنصار إردوغان موجودون وبكثرة، وثمّة تنظيمات ترعى نشاطهم. علماً أنه كان قد حُكي عن منتديات تستقطب الشباب وتؤطّرهم في سياق مجموعات موالية لأنقرة.

يتواجد أنصار تركيا في الشمال اللبناني بشكل خاص، وبالتحديد في محافظتي طرابلس وعكّار، ومنهم من يحمل الجنسية التركية ويوالي إردوغان، وهذا ما أظهرته أرقام الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إذ اقترع نحو 3000 شخص، وصبّ أكثر من 95 في المئة من الأصوات في صالح إردوغان، ولم تتعدّ نسبة مؤيّدي المعارضة الـ4,02 في المئة.
 
السلاح التركي موجود في الشمال
في مرحلة سابقة، أثيرت تساؤلات حول المشروع السياسي الذي يحمله المقرّبون من تركيا في لبنان، وما إذا كانت أنقرة تزاحم في نفوذها في شرق المتوسط النفوذ الإيراني، علماً أن ثمّة تواجداً تركياً عسكرياً وسياسياً في سوريا على سبيل المثال. كما أثيرت مخاوف من احتمال تسليح مجموعات لبنانية في لبنان بهدف إنشاء قوّة أمنية عسكرية.
 
وفي الإطار نفسه، فإن ثمّة معلومات أكيدة توافرت لـ"النهار" عن انتشار سلاح تركي المنشأ في الشمال، وبالتحديد مسدسات تركية زهيدة السعر، تبلغ كلفة المسدس الواحد نحو 200 دولار، لكن لا معلومات حول الجهة التي توزّع هذه الأسلحة، وما إذا كانوا تجّار سلاح عاديين أو مجموعات مرتبطة بتركيا. ثم إن السلاح منتشر بشكل واسع في صفوف أبناء الشمال.
 
هل من علاقة بين ريفي وتركيا؟
النائب السابق مصطفى علّوش يُشير إلى أن "حالة الدعم لتركيا انتشرت بشكل واسع في مناطق الشمال بعد انطلاق الثورة السورية، على إثر المواقف التي اتخذها إردوغان من النظام السوري، وهي مشابهة لمواقفهم لجهة مواجهة بشار الأسد ودعم المعارضة، وعزّز غياب الخيارات السياسية على الساحة السنّية من التوجّه نحو هذا النوع من التأييد".

وفي حديث لـ"النهار"، يلفت علّوش إلى أن "الوجود التركي يتمثّل في عدد من المواطنين الذين يحملون جنسيات تركية، بالإضافة إلى الجماعة الاسلامية التي تعد إردوغان أحد أبناء فكرها، لكن وعلى أرض الواقع، فإن الحضور ضعيف نسبياً، موجود في عكّار وطرابلس أكثر من باقي المناطق، وتجمّعاتهم "بتعمل عجقة ناس" في بعض الأحيان".

وعن علاقة شخصيات سياسية في المنطقة بتركيا، وبشكل خاص النائب أشرف ريفي، يقول علّوش "كان ثمّة اعتقاد واسع الانتشار حول قرب اللواء ريفي من تركيا ودعمها له، لكن وانطلاقاً من معرفتي الوثيقة به، أؤكّد ألا علاقة بين الطرفين". ويؤكد علوش أن موضوع المساعدات التركية هي عينية وتشمل المنح الجامعية، ولا عمليات تسليح يقف وراءها إردوغان.

ولا يرى علّوش أي مصلحة تركية لتعزيز النفوذ في لبنان، ويعتبر أن إردوغان يُحاول تصوير نفسه كقائد للمسلمين والسنّة في العالم، ولكن ميادين اهتمام تركيا تكمن في سوريا والعراق، حيث تتواجد شمالاً، ولا نيّة لمدّ تركي لمواجهة المد الإيراني في لبنان.
 
هل من مشروع سياسي تركي في الشمال؟
الكاتب السياسي والمتخصّص في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد الأيوبي يوضح أن "العديد من العائلات الشمالية تتمتّع بأصول تركية، وتمكّنت من استعادة جنسيتها الأم مع ترسيخ حكم إردوغان في العقدين الأخيرين، وهي موجودة في عكّار والمناطق التركمانية، وتربطهم بأنقرة اللغة والتاريخ والانتماء والجذور".

وفي حديث لـ"النهار"، يلفت إلى أن "جزءاً آخر يؤيّد تركيا وإردوغان، يتمثّل بالجماعة الإسلامية التي تأثّرت بالسياسات "الإردوغانية"، فالأمين العام للجماعة محمد طقوش يحمل الجنسية التركية، وعمل مع الجماعة انتخابياً لصالح الرئيس التركي الحالي، كما أن ثمّة مجموعات أخرى تؤيّد تركيا".

لكن الأيوبي يُشير إلى تناقض "كبير" بين شعارات المجموعات المؤيّدة لتركيا في لبنان وحقيقة واقعها، ويقول إن "حزب "التنمية والعدالة" التركي (وهو حزب إردوغان) خرج من مدرسة فكر الإخوان المسلمين وأسّس مدرسته الجديدة، فأرسى معادلات المهادنة مع الجيش واستعادة الحرية السياسية، وهي مبادئ تتناقض مع أفكار الإخوان التي تتبعها بعض الجماعات المحسوبة على تركيا في لبنان".

ويرى أن "فكر الجماعات الإسلامية اللبنانية قديم وجامد، لم يتطوّر ولم يستفد من التجربة التركية، ولهذا السبب تفشل هذه الجماعات في استقطاب أعداد كبيرة من الناس إلى صفوفها، وتفشل في الاستحقاقات، والانتخابات النيابية مثال، بعكس تجربة إردوغان التي تشهد نجاحاً في تركيا، وآخرها الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".

وفي السياق نفسه، يُضيف: "لا يُصرف وجود مؤيّدي تركيا في لبنان سياسياً، ولا مشروع تركياً للبنان أساساً، فأنقرة مهتمة بالشأن اللبناني على الصعيد الاجتماعي لدعم الناس المقرّبين منها، لكنها لا تتدخّل في السياسة ولم نلحظ دوراً لها في الانتخابات النيابية الأخيرة، والمساعدات التي تقدمها أساساً متواضعة وليست عسكرية، لأن لا مصلحة لتركيا بجماعات مسلّحة موالية لبنانية".
 
تفتيش عن مرجعية سياسية؟
نائب رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" كمال معوّض يرى في "إحباط البيئة السنّية الشمالية على إثر غياب المرجعيات داخلياً وخارجياً سبباً في التوجّه نحو وتركيا"، ويوضح أن "دعم إردوغان نتيجة واقعية لغياب الرئيس سعد الحريري والسعودية عن الساحة السنّية وانحسار دور مصر بعدما كانت في القيادة بعهد جمال عبد الناصر".
 
وفي حديث لـ"النهار"، يرد أيضاً هذا التأييد الشمالي لتركيا إلى "التغييب الذي تعاني منه منطقة الشمال منذ زمن"، ويعود بالتاريخ إلى حقبتي الانتداب الفرنسي والاستقلال والعقود التي تلت، ليقول إن "أهالي طرابلس وعكّار شعروا بضياع حقهم في الإنماء المتوازن والنضال السياسي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن كتب التاريخ لا تتطرّق إلى شهداء طرابلس الـ13 بوجه القوات الفرنسية في معركة الاستقلال".
 
أما وعلى المقلب التركي، يعتبر معوّض أن "إردوغان يطمح لإعادة وهج السلطنة العثمانية سياسياً وجغرافياً، وتركيا تبحث عن موطئ قدم لها في مناطق عدّة، منها لبنان"، ويأخذ ليبياً مثلاً ليُشير إلى توسّع النفوذ التركي، ويلفت إلى أن "لأنقرة مصالح اقتصادية عدّة في لبنان، أكان لجهة مرفأ طرابلس أو الشركات التجارية التي تعمل على خط لبنان - تركيا".
 
مزاحمة النفوذ الإيراني؟
رئيس المجلس المدني لإنماء عكار حامد زكريا يرد التأييد لتركيا إلى "العاطفة"، ويقسم مؤيّدي إردوغان في لبنان إلى قسمين، القسم الأول "مؤيّد سياسي مُؤمن بالسياسات المعتمدة التي تؤكّد على مكافحة الفساد وتعزيز الازدهار واستقلالية تركيا ومعاداتها للأنظمة القمعية، ومنها النظام السوري، والقسم الثاني مؤيّد ديني يعتبر إردوغان قائداً سنياً".

لكنه وفي حديث لـ"النهار"، ينفي أن يكون لتركيا نفوذ سياسي، ويعتبر أن لبنان "ساحة نفوذ إيراني، والشمال ليس خارج هذه القاعدة، ومن المعروف أن المربعات الأمنية في طرابلس وعكّار تابعة لسرايا المقاومة (الجناح العسكري السنّي لـ"حزب الله")، ولا تواجد عسكرياً لتركيا ولا توزيع للسلاح".

ويعود لربط العلاقة بين أبناء الشمال وتركيا بالمساعدات التي تقدّمها الأخيرة، والتي كانت عبارة عن ترميم بعض المدارس والمساجد، وبعض المساعدات العينية التي تصل إلى القرى التركمانية، لكنه يُشير إلى أن "المساعدات "خجولة" وغير كافية، ويدفع نقصها أهالي هذه المناطق إلى طلب المساعدة من جمعيات أخرى".
 
ورداً على سؤال عن أفق تنظيم حركات سياسية مؤيّدة لتركيا في لبنان، يلفت زكريا إلى أن ثمّة جمعيات تُعنى بالعلاقة مع أنقرة، كالجمعية التركية اللبنانية، لكن لا تنظيمات سياسية فعلية، ولا نوايا لتأطير مؤيّدي تركيا في إطار أحزاب أو تنظيمات سياسية، خصوصاً وأن تركيا لن تدعم هذا التوجّه في حال لم يكن ثمّة أرضية مؤاتية.

وينفي زكريا فرضية تعزيز النفوذ التركي في لبنان بهدف مواجهة النفوذ الإيراني، ويُشير إلى أن "من رفض الوصاية السورية ويرفض النفوذ الإيراني لا يُمكنه أن يقبل بنفوذ خارجي بديل، لا من تركيا ولا أي دولة أخرى"، ويوضح أن "أنقرة ليست في وارد مواجهة إيران في لبنان، خصوصاً في سياق سياستها الخارجية لجهة تصفير المشكلات، علماً ألا مقارنة بين النفوذ الإيراني والنفوذ التركي".

 
ما هي طبيعة المساعدات؟
وفي هذا السياق، ثمّة مصادر شمالية وأهلية تتحدّث لـ"النهار" عن تفاصيل المساعدات، وتُشير إلى أن تركيا تدعم مجموعات كـ"راحمون"، "تيكا"، "حراس المدينة" وغيرهم وتمدهم بالمال، وبعض المساعدات غير متواضعة، ومنها ما هو متعلّق بالشق الاستشفائي المكلف حالياً.
 
كما أن المساعدات غير محصورة في مناطق الشمال، وتوافرت معلومات لـ"النهار" عن مبالغ مالية تقدّمها جماعات مقرّبة من تركيا تنشط في منطقة الفاكهة البقاعية إلى بعض الأسر التي تلتزم الدين الإسلامي، وللفتيات اللواتي يرتدين الحجاب، لكن هذه المبالغ متواضعة جداً مقارنةً بغيرها ولا تتعدّى المليون ليرة.
 
 في المحصّلة، قد يكون ثمّة نشاط سياسي اجتماعي تركي لافت شمالاً لكنّه متواضع، ويبقى في إطاره الاجتماعي أو المعيشي وليس في الأفق ما يشير إلى وجود إرادة لتوسّعه، غير أنّ السؤال الأهم أن التحركات الأخيرة التي شهدناها أخيراً لم تبق في الدائرة الشمالية بل ظهرت في بيروت ايضاً، وهو ما يعتبره مرجع سنّي رفيع في مجالسنا بأنه تفتيش عن مرجعية ضائعة.
 
ويصف المشهد على الشكل الآتي، مجتمع سُنّي مفتت لا قائد له، مشروع شمولي يقوده "حزب الله" في المنطقة ولبنان، يحاول إخضاع كل المكونات والطوائف له، ومن يشكك بهذا الكلام يمكنه مراجعة أصوات المقترعين السُنّة لـ"حزب الله" في الانتخابات النيابية الأخيرة، في ظل سقوط الرهان على المملكة العربية السعودية لرعاية سُنّة، فكان من الطبيعي أن يفتش أهل السنّة عن قائد ومرجعية تشكل مظلّة لهم في مواجهة مشاريع تفتيتهم وتفتيت لبنان، فرأينا الفورة اللبنانية في التعبير عن تأييد رجب طيب إردوغان. ويضيف المرجع السني: "علّ في الداخل والإقليم هناك من يتلقف ما جرى، ويصوّب البوصلة".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم