شدد السفير السعودي وليد البخاري على "القيمة الأخلاقية" خلف اتفاق الطائف الذي عالج واحدة من أهم القضايا المطروحة منذ ما يزيد عن مئة سنة، من العام 1920 أي إعلان لبنان الكبير، ولم تنتهِ عام 1943، تاريه إعلان استقلال لبنان، مستشهداً بجورج نقاش بأن "نفيان لا يصنعان أمة"، ليوضح أن هذه القيمة الأخلاقية هي صياغة هوية محددة لانتماء عربي، كينونة الانتماء والوجود الواحد.
وتحدّث البخاري عن رسالة المملكة السعودية في لبنان لجهة حرصها على السلم الأهلي وفق مقتضيات العيش المشترك، وعن أنها الضامن للجميع ومظلة للجميع وعلى تواصل مع الجميع فلا يطغى طرف على آخر.
في زيارته، وازن السفير السعودي بين جميع المكونات السياسية والاجتماعية البقاعية، فزار صباحاً أزهر البقاع في مجدل عنجر، بحضور النائبين بلال الحشيمي وحسن مراد، مدير مؤسسات الأزهر الشيخ علي غزاوي، مدير الأوقاف الإسلامية في البقاع الشيخ محمد عبد الرحمن وائمة وشخصيات سنية، فيما لفت غياب منسق تيار "المستقبل" في البقاع الأوسط رئيس بلدية مجدل عنجر سعيد ياسين وشخصيات سنية محسوبة على "المستقبل" عن لقاء الأزهر. وظهراً التقى في مطرانية سيدة النجاة للروم الملكيين الكاثوليك بزحلة مجلس أساقفة زحلة والبقاع، مطران الروم الملكيين الكاثوليك ابرهيم ابرهيم، مطران الموارنة جوزف معوض، متروبوليت الارثوذكس انطونيوس الصوري، متروبوليت السريان الارثوذكس بولس سفر والمعتمد البطريركي لدى روسيا المتروبوليت نيفن صيقلي بحضور نقيب الأطباء يوسف بخاش ولفيف من الكهنة، كما جال في أرجاء المطرانية مكتبة وكاتدرائيتها ومتحفها.
في لقاءات السياسيين، زار النائب حسن مراد في دار الحنان في المنارة، النائب والوزير السابق جمال الجراح في دارته في المرج، النائب ياسين ياسين في مركز البقاع الصحي الاجتماعي الذي كانت قد بنته مؤسسة رفيق الحريري قبل أن تنتقل ملكيته لياسين غروب، كما التقى النائب بلال الحشيمي في مدرسة إبن رشد التي يملكها الاخير على وقع إنشاد التلامذة النشيدين اللبناني والسعودي، قبل أن يجمع السفير السعودي نواب زحلة والبقاع الغربي على مائدة الغداء في كازينو عرابي في وادي البردوني، مستثنياً من الدعوة نائب "حزب الله" رامي ابو حمدان. كما على جدول لقاءات البخاري زيارة لكل من رئيسة "الكتلة الشعبية" ميريام سكاف والنائب والوزير السابق محسن دلول. علماً أن السفير اكتفى بالاستماع للكلمات، وباستثناء كلمة له في أزهر البقاع، لم يُدل بتصريح علنيّ أمام وسائل الاعلام، بل آثر فتح باب النقاش خلف الابواب المغلقة.
كما خصّ البخاري، في لقاءاته البقاعية، المجتمع المدني بلقائين واحد في فندق "ديلورا" في شتورا مع أفراد فاعلين من المجتمع المدني في الطائفة السنية في البقاع من المشاركين في مبادرة "جسور"، والثاني مع العشائر العربية بلقائه رئيس بلدية شهابية الفاعور غازي النمر للبحث في مشروع إقامة مدرسة.
الهمّ المعيشي لم يغب عن الكلمات التي ألقيت ترحيباً بسفير المملكة السعودية وهو أكد أكثر من مرة أنه، خلافاً لكل ما يشاع، فإن السعودية لن تتخلى عن لبنان ولا عن الإنسان اللبناني، وشدّد أمام ممثلي المجتمع المدني على العنصر الانتاجي في الاقتصاد اللبناني، داعياً إلى عدم الانزلاق إلى اليأس بما يؤدي إلى مشاريع غير محمودة.
وقال إن رؤية المملكة 2023 تشمل كل الجوار، والشرق الأوسط، وإن المملكة لا تفرض على أي مكوّن خيارات سياسية لكنها تبحث عن شركاء استراتيجيين، وهي لا تتعامل إلا مع منطق الدولة لا الدويلة، وتتطلع إلى خروج قيادات لبنانية تنفذ ما تلتزم به شفهياً.
وقد أعرب البخاري في كلمة في أزهر البقاع عن الأمل بأن تتمخض الاستحقاقات المقبلة عن "قيادات وازنة، قيادات سيادية إنقاذية تتصف بالاعتدال وبالنهج الانقاذي للبنان، وتقدم سياسات ضامنة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بلبنان. ونحن والأصدقاء المعنيون بالشأن اللبناني نتحمل المسؤولية المشتركة تجاه الحفاظ على أمن لبنان واستقراره".
في موضوع التصدير إلى السعودية، كرّر البخاري الجواب نفسه في كل محطة أثير فيها الموضوع، قائلاً إن آلية المعالجة منصوص عليها في متن قرار المملكة. وأكد أن السعودية، من خلال مطالبتها بإجراءات امنية وقضائية وسياسية لوقف تهريب المخدرات من لبنان، إنّما تريد مصلحة لبنان أولاً لأن تهريب المخدرات يعني تبييض الأموال في جرم دولي، وتعرض لبنان ليكون موئلاً للمافيات. وشدد على أن تطبيق الإصلاحات والإجراءات على الحدود يفتح للبنان باب التصدير ليس فقط إلى دول مجلس التعاون الخليجي بل إلى الاتحاد الاوروبي أيضاً.
وقال في أزهر البقاع، حيث كان وفد من أصحاب الشاحنات المبردة حاضراً: "سوف تتم إعادة النظر بالقرار في وقت قريب عندما يتم تشكيل حكومة، ويكون هناك آلية لطرح المعايير ومعالجة المواضيع، وسيتم البت بالسياسات بشكل عام".
يُغادر السفير السعودي إلى مقرّ إقامته محمّلاً بالدروع التذكارية، وبكتاب "زمان يا زحلة" وعلم المدينة وقد قدّمهما له المطران ابرهيم، فيما بادله البخاري بهدية كتاب "علاقة البطريركة المارونية بالمملكة العربية السعودية"، وُزّعت نسخ منه على الحاضرين في لقاء سيدة النجاة، كما حمل البخاري معه مطالب محدّدة منها دعم المدارس العائدة للطائفة السنية، توحيد وجمع الصف السنّي ودعم مستشفى تل شيحا في زحلة. أما عن عنوان اليوم البقاعي الطويل للبخاري فقد آثر الأخير كلمة "المحبة".