مشوار طويل سلكه قانون الإعلام في لبنان، ولا يزال، فالخواتيم السعيدة لم تُكتب بعد.
13 عاماً، ولا تزال الاقتراحات تتوالى والتعديلات تضاف داخل لجان نيابية وضمن لجان فرعية أيضاً، من دون أن تتحوّل أيّ مسوّدة، حتى الآن، قانوناً نهائياً.
وعلى الرغم من التطوّر السريع الذي شهده قطاع الإعلام والتواصل ككل، فإن الحاجة التي باتت أكثر من ملحّة وضرورية لتنظيم الإعلام في لبنان، لم تحتّم أمام المسؤولين والمعنيين، التعجيل في إقرار قانون واحد موحّد، حتى باتت "الفوضى الإعلامية"، في الكثير من الأحيان، تحكم وتضرب المهنية والاحترافية.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، "النهار" تسلّط الضوء على المسار القانوني الطويل لقانون الإعلام، والمراحل التي مرّ بها.
جردة "غير مشرّفة"
عام 2010، كانت البداية. في 26 تشرين الثاني من ذاك العام، بادرت مؤسسة "مهارات"، بالتعاون مع النائب غسّان مخيبر، إلى تقديم اقتراح قانون جديد للإعلام، وسجل تحت الرقم 2010/441، "إيماناً منها بضرورة الحفاظ على الدور الريادي للإعلام اللبناني وما يتطلبه من تحديث لقوانين الإعلام الحاليّة". كانت النية جيدة، والأهم أن الهدف تضمّن يومها إصلاحات عديدة في أبواب ثمانية متمثلة "بضرورة تنظيم وسائل الإعلام، وبينها المطبوعات الدورية وغير الدورية والإعلام التلفزيوني والإذاعي والإعلام الإلكتروني والرسائل الرقمية".
لكن النقاشات التي خيضت داخل اللجان النيابية غيرّت المسار المطلوب، وأزاحت الاقتراح عن جوهره الإصلاحي.
فبعد ستة أعوام، أي في كانون الأول 2016، أنهت لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، آنذاك، برئاسة النائب حسن فضل الله، مناقشة الاقتراح عبر إعلان فضل الله انتهاء مناقشة الاقتراح في مؤتمر صحافي، سارعت مؤسسة "مهارات" الى إعلان "عدم رضاها عن المسوّدة الأخيرة للاقتراح".
وبعد لجنة الإعلام... أحيل الاقتراح على لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب جورج عدوان. فكانت فرصة لـ"مهارات" بأن توجّه رسالة مفصّلة الى اللجنة بشخص رئيسها، لتدوين ملاحظاتها على المسوّدة. كان ذلك في 3 أيلول 2018.
يومها، تضمّنت الملاحظات الأحكام الأساسية التي بُني عليها الاقتراح لناحية تكريس مبادئ تنظم وسائل الإعلام وتضمن حرية العاملين في القطاع، وخصوصاً "لناحية القيود غير المبرّرة لإصدار الصحف الورقية والمطبوعات الأخرى، فضلاً عن غياب أي حوافز لدعم الصحافة الورقية، الى جانب ملاحظات عديدة على تشكيل المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وعدم التعريف الواضح والقانوني للإعلام الإلكتروني".
بناءً على ذلك، طلب عدوان من مؤسسة "مهارات" وضع ملاحظاتها مادة بمادة على اقتراح القانون. وهذا ما كان. وقد أرسلت "مهارات" تعليقاتها، في 15 تشرين الأول 2018.
... بعدها، لم يتم التواصل... وبقيت الاقتراحات والملاحظات نائمة في الأدارج. كان لا بد من الانتظار نحو عام، حين صرّح عدوان في 1 آذار 2019، بأن لجنة الإدارة ستنهي مناقشاتها وستحيل الاقتراح على الهيئة العامة لمجلس النواب قبل نهاية عام 2019.
... وكان ما كان. "ولعت" الثورة. وكانت "مهارات" لا تزال تنتظر الرد على ملاحظاتها. لكن المفاجأة كانت أن تشكلت لجنة فرعية من قضاة، لبلورة اقتراح القانون. وسُرّبت النسخة التي عملت عليها اللجنة. على الفور، تداعى عدد من الجمعيات التي تُعنى بحقوق الإنسان وحق التعبير على إصدار موقف موحد من "النسخة المسرّبة" التي تضمّنت موادّ كثيرة تحدّ من حرية التعبير وتضع قيوداً إضافية على تنظيم قطاع الإعلام.
ومن هذه الجمعيات، مؤسسة "مهارات" التي عادت وذكّرت بملاحظاتها المكتوبة والمرسلة الى عدوان، من دون أن تتمكن من الحصول على النسخة النهائية رغم طلبها من رئيس اللجنة نفسه.
هي جردة "غير مشرّفة" لما مرّ به القانون المنتظر.
مستفيدون وجدوى
بعد الـ2019، دخلت البلاد في مهب الأزمات المتتالية، صحّياً، مالياً، سياسياً... بات إقرار قانون الإعلام في أدنى الأولويات. لاحقاً، سعى رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسين الحاج حسن الى تنظيم الإعلام الالكتروني، لكنه وقع في فخ "التوجيه وإعطاء التعليمات حول تنظيم الإعلام".
بعده، حاولت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد تقديم رؤيتها "لقانون عصري للإعلام"، فطارت الوزيرة والحكومة معاً.
واليوم، هل من جديد سُجّل، وهل من خرق؟
يكشف المستشار القانوني لمؤسسة "مهارات" المحامي طوني مخايل لـ"النهار" أن "لا خرق حالياً. نحن بتنا متأخّرين جداً عن الواقع الإعلامي المتطور جداً. لقد اختلفت المعادلة عن عام 2010، لأن التطورات الإعلامية أكثر من متزايدة يومياً".
كل وزير إعلام جديد يأتي ويعد بتقديم رؤيته لتنظيم الإعلام، والنتيجة، الى الآن، مزيد من الاقتراحات ولا قانون.
يعلق مخايل: "اليوم، علينا أن نسأل ما الجدوى من تنظيم الإعلام؟ ولا سيما مع اندماج وسائل الإعلام والتواصل. لم يعد جائزاً الحديث عن تنظيم الإعلام التقليدي، بل تنظيم الواقع الرقمي ككل، من ضمن قانون تشريعي وبرنامج دعم وحوافز يمكن أن تقرّه الحكومة، بمعزل عن القانون. هذه هي الرؤية العصرية التي يُفترض أن يُبنى عليها أي قانون للإعلام".
وإذ يأسف لـ"كوننا لا نزال نناقش مسائل تقليدية تخطّاها الزمن، كالترخيص الذي يُفترض أن يلغى"، يسأل: "هل من مستفيد من عدم تنظيم الواقع الإعلامي؟ لقد لمسنا عبر الأعوام أن لا نيّة جدّية لإنهاء الأمر، ولا سيما أن أعضاء اللجان النيابية هم من مشارب مختلفة وتوجهات سياسية، بعضها يؤيّد تقييد الإعلام ببعض القيود، والبعض الآخر يريد حرّية أكبر".
13 عاماً ولا خرق، فأيّ نيّة جدّية لإقرار قانون تنظيمي فعلي؟ لا بل إن الصيغة الحالية التي يُعمل عليها داخل اللجان، هي أبعد ما يكون عن احترام الحريات الإعلامية، إذ فيها تعداد للائحة طويلة من العقوبات بحق الصحافيين، من ضمنها عقوبة السجن، وهي تضع جرائم القدح والذم والتشهير ضمن القانون الجزائي، فيما يسعى عدد من الجمعيات الى جعل هذه الجرائم ملحقة بالقانون المدني لا الجزائي، من أجل فضاء أوسع للحرّيات.
كل هذه المؤشرات تزيد المخاوف من التقييد ولا تبدّدها... لكن ربما لم يقتنع المسؤولون بعد بأن التقييد لم يكن مقبولاً يوماً في لبنان، وليس المطلوب اليوم سوى التنظيم، ومن أهل الاختصاص أنفسهم... لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والمسؤول، أيّ مسؤول، لا يمكن أن ينتج قانون إعلام حر... هذا ما أثبتته التجارب في لبنان، أقلّه على مدى 13 عاماً...!