انتقل مسار العملية الانتخابية الرئاسية في الشهر الثاني من العام الجديد إلى مرحلة جديدة مختلفة عن مسار العملية السابقة الذي تنافس فيه ميشال معوض مع الورقة البيضاء أو مع أسماء أخرى بأصوات هزيلة، وهي مرحلة عدّ الأصوات لكل مرشح، وقد بدأ هذا الأمر بعد تخلي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن دعم معوض، وبالتالي التعجيل في انسحابه من المعركة لفقدانه أدوات المنافسة، بالإضافة إلى إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن لا أوراق بيض ولا فقدان للنصاب في الجلسات المقبلة، بما يعني بصريح العبارة ألّا جلسات مقبلة قريبة أو متتابعة كما كان يحدث في السابق.
ترافق هذا الأمر مع صدور إحصاءات من هنا وهناك، تؤكد تأمين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية 65 صوتاً، وهو بانتظار غطاء سعودي ما، أو غض نظر سعودي ليذهب فرنجية إلى مجلس النواب لإلقاء خطاب القسم.
واللافت في "البوانتاجات" التي يجري التسويق لها، أن من ضمن الأصوات المؤمّنة لفرنجية هي الأغلبية المطلقة من النواب السنّة الـ27 باستثناء النائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي، والنواب التغييريين الأربعة (ابراهيم منيمنة، وضاح الصادق، حليمة قعقور، ياسين ياسين)، وبالتالي سيحصل فرنجية على تأييد 21 نائباً سنّياً أو 20 إذا استثنينا أسامة سعد، وهو رقم مرتفع يشكل أساساً قوياً بالأرقام وبالمعني السياسي.
في السنوات الماضية كان "تيار المستقبل" هو الممثل الأبرز للسنّة في لبنان ويستحوذ على العدد الأكبر من نوابهم، لكن الأمر اختلف في الوقت الحاضر. ويمكن تقسيم النواب السنّة في برلمان 2022 إلى 3 مجموعات أساسية، يشكل تكتل "الاعتدال الوطني" الذي يضم 5 نواب سنّة من أصل 6 أوسع وأبرز مجموعة ضمنهم، علماً بأنهم يلتقون في الملف الرئاسي مع عدد من نواب بيروت وصيدا، ما يرفع عددهم إلى نحو 10، كما يمكن وضع 7 نواب سنّة في سلة "الثنائي الشيعي" وهم: طه ناجي، وجهاد الصمد، وحسن مراد، وعدنان طرابلسي، وينال الصلح، وملحم الحجيري، وقاسم هاشم، ويمكن إضافة النائب محمد يحيى كونه أقرب إلى النظام السوري و"حزب الله" منه إلى "التيار الوطني الحر" ورئيسه جبران باسيل.
ويبقى 4 نواب من ضمن تكتل نواب التغيير.
أما النواب الباقون فهم ينقسمون بين "كتلة تجدّد" (ريفي ومخزومي)، واللقاء الديموقراطي (بلال عبدالله)، ومستقلين كأسامة سعد، وايهاب مطر وبلال الحشيمي وفيصل كرامي.
ووفقاً لهذا التقسيم، يظهر أن وضع نحو 20 اسماً في خانة فرنجية بعيد عن الواقع، فإذا سلّمنا أن النائب حسن مراد سيصوّت لفرنجية، رغم أنه يتحدث في مجالسه الداخلية عن عدم التصويت، نظراً لخلافات سابقة مع فرنجية، وعلاقات سيئة مع والده النائب والوزير السابق عبد الرحيم مراد، وتسليمنا أيضاً بتصويت فيصل كرامي على الرغم من إعلانه في بكركي أنه مع التوافق وليس مع مرشح الـ65 صوتاً، تبقى معضلة النواب السنّة الآخرين، أو ما يُصطلح على تسميتهم بقدامى "المستقبل"، الذين يشكلون تحالفاً مع نواب بيروت وصيدا يعرف في مجلس النواب حديثاً بكتلة "لبنان الجديد" التي توسعت في الجلسة الأخيرة ونالت 12 صوتاً، فهذه الكتلة تجمع إضافة إلى نواب الشمال، نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت، ونائب صيدا المقرب من التغييريين عبد الرحمن البزري، والنائب المقرب من رئيس جمعية بيروت للتنمية أحمد هاشمية، نبيل بدر، ومن الصعب جداً أن يكون فرنجية جامعاً لها، لعدد من الأسباب الموضوعية، أهمها مظلة سعودية غير مؤمنة حتى الساعة، وتدخل مباشر من الرئيس سعد الحريري يبدو أنه حتى اللحظة أيضاً غير موجود.
ولكن مع توضّح الاصطفافات، أصبحت هذه الكتلة السنية التي لا زالت حتى الساعة تلعب في الوسط بمثابة بيضة "قبان" وضرورة لكل مرشح لتأمين الفوز. وفي هذا الإطار، رفض أكثر من نائب تحديد موقفه المباشر من المجريات الرئاسية حالياً، بحيث أكدوا أنهم ينتظرون التطورات، وخصوصاً رغم كل الكلام أنه لن يكون هناك جلسات ستشهد معارك وانتخابات، وهم كغيرهم من الكتل يشاركون في الاتصالات، ويعملون للوصول إلى مرشح تجمع عليه أكثرية الكتل، ولكن في حال الوصول إلى الانتخابات سيكون لهم موقف، وهنا يجزمون أنه لم يتم اتخاذ أي قرار بالنسبة لدعم سليمان فرنجية كما قيل، إنما سيكون هناك تشاور مكثف للاتفاق على الاسم مع الإقرار بصعوبة تأمين هذا التوافق الواسع على اسم سليمان فرنجية"، وبالنسبة لاسم قائد الجيش جوزف عون، فأشاروا إلى أنه إذا كان هناك التفاف من غالبية الكتل حول اسمه، سنكون إلى جانبه، ولكن أيضاً لا قرار متخذاً حتى الساعة.