يتحضّر لبنان في الثامن من شباط ليوم إضراب شامل على كامل الأراضي اللبنانية، والمطلب الأساسيّ هو انتخاب رئيس للجمهورية سريعاً من أجل انتظام عمل المؤسّسات والولوج إلى معالجة الأمور، وفقاً للدستور، لأنّ الأوضاع استفحلت وتجب معالجتها بسرعة.
سيشارك في الإضراب قطاع النقل البريّ، وسائر الاتحادات في المصالح المستقلّة العامة والخاصّة، والمستشفيات الحكومية، وهيئة التنسيق النقابية، والمعلّمون، ونقابات المهن الحرة، على أن لا تشهد الوقفة قطع طرقات.
في محطات قليلة، كان للحركة العماليّة وللنقابات دورٌ في إحداث تغيير أو تصويب خلل، لكنها لم تفلت من لعنة النفوذ الحزبيّ والطائفيّ وآفة المحاصصة أيضاً. والاتحاد العمالي العام كأساس للحركة العمالية شكّل مراراً وسيلةً أو قميصَ عثمان لقوى 8 آذار، لتحقيق مكاسب تحت عنوان حقوق العمّال والدّفاع عنهم، ولإيصال رسائل سياسيّة أو استغلال ورقة الشارع للضغط باتجاهات مختلفة في السياسة، بل تحوّل هذا الاتحاد في عدّة محطات إلى أداة طيّعة لدى هذه القوى تُستخدم غبّ الطلب، خصوصاً أنّ من تولّوا رئاسته تاريخيّاً كانوا من الحزبيّين أو مناصرين لخطّ الثامن من آذار.
وأبرز محطتين متناقضتين تجلّت فيهما نجوميّة الاتحاد العمالي العام كانتا يوم 7 أيار 2008 لدوره المشبوه في تلك الأحداث؛ وفي العام 1992، يوم قررّ رئيسه آنذاك أنطوان بشارة، بالرغم ممّا قيل عن ضغوط سورية، واستدعائه إلى دمشق، تنفيذَ الإضراب وإسقاط حكومة عمر كرامي، بسبب عجزها عن معالجة الأزمة الاقتصادية آنذاك؛ واتُّهم وقتذاك الرئيس الشهيد رفيق الحريري بتحريك الأرض لإسقاط حكومة كرامي ليتولّى هو رئاسة الحكومة، وهو ما نفاه الحريري لاحقاً بشكل قاطع.
اليوم، تتضاعف حدّة الأزمة يوماً بعد يوم: دولار يحلّق من دون سقف، قطاعات على شفير الانهيار كالنقل البريّ، السائقين العموميين، الضمان، قطاع الدواء... وأمس، سمعنا بوجود اتجاه لرفع الدعم عن الأدوية السرطانية. ثمة قطاع تربويّ يتداعى، وقطاع عام يتهاوى، والإضرابات بالجملة، والحوارات عقيمة، والسلطة التنفيذية باردة، لا قدرة لديها على ابتكار الحلول وتنفيذ المعالجات!
من هنا، من الطبيعي في مكان أن يتحرّك الاتحاد العماليّ العام كمرجع نقابيّ يدافع عن حقوق الناس ومطالبهم المعيشية، فأعلن عن يوم إضراب شامل في الثامن من الجاري لتوجيه رسائل إلى السلطة، مفادها ضرورة تحمّل مسؤوليّاتها تجاه الأزمة المتفاقمة التي تجتاح البلد والناس، عبر انتخابٍ سريع لرئيس الجمهورية.
في الشكل، الدّعوة محقّة لكنها في الجوهر تبعث خوفاً كبيراً من أن تكون عنواناً لحقٍّ يُراد به باطل، وحرفاً للحراك عن سلوكه الاجتماعيّ والمعيشيّ، وتحويله إلى غطاء لإرادة مخفيّة تريد أن تمرّر ما تراه ضرورة للمرحلة المقبلة.
من هنا، يأمل مراقبون في ألّا يتحوّل الاتحاد العمالي العام، الذي يرأسه بشارة الأسمر، إلى صندوق بريد، أو وسيلة من الوسائل التي يعتمدها الثنائي الشيعيّ للضغط على الفريق المعارض عبر العناوين المعيشية في الشّارع في محاولة لإجباره على إتمام الاستحقاق الرئاسيّ بمرشّح يرضى عنه، تحت شعار الضرورات الاجتماعية والاقتصادية والمالية تبيح المحظورات.
وإذا كان الهدف من التحرّك "الضغط" "لإعادة تشكيل السّلطة بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية"، فهل سنرى الاتحاد العمالي العام، وكلّ مكوناته، ينفّذ وقفة احتجاجيّة أمام مجلس النواب؟
هل سيُطالب الثنائيَ الشيعيَ بعدم الاقتراع بورقة بيضاء وتعطيل النصاب في الدورة الثانية؟
كذلك، لا يستبعد مراقبون أن يكون التحرّك حمّال أوجه:
أولاً: لإظهار قدرة "المحور الممانع" على أنّه يمتلك القوة السياسية والعسكرية والشعبية؛ وهو قادر ميدانياً، وعبر الاحتجاجات والطرق السلمية؛ إذا ما اقتضت الحاجة أن يفرض معادلات محميّة بهيبة السلاح من دون استخدامه.
ثانياً: رسالة إلى كلّ من لمّح أخيراً إلى أنّ الأوان حان للخروج عن سطوة "حزب الله" وإسقاط قبضته الممسكة بمؤسّسات الدولة والنظام، وأنّ المواجهة مع "الحزب" لن تكون بالعمل اليسير، وتغيير موازين القوى التي عمل على فرضها طوال سنوات خطٌ أحمر.
ثالثاً: إنّ أيّ انتفاضة في الشارع تحمل عناوين غير معيشيّة وغير اجتماعيّة، ستُواجه بشارع مضادّ.
وفيما تُطرح تساؤلات بشأن نجاح الإضراب، يبقى هذا كلّه في إطار المخاوف والتحليلات بانتظار يوم 8 شباط، والشعارات التي سيحملها المعتصمون على الطرقات؛ فهل سيدعون إلى انتخاب رئيس بـ"التوافق"؟ عندها بالتحديد ستصل الرسالة.