النهار

اقتراح كردي لاستقبال النازحين السوريين... هل تشكّل المناطق الآمنة حلّاً للعودة؟
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
اقتراح كردي لاستقبال النازحين السوريين... هل تشكّل المناطق الآمنة حلّاً للعودة؟
النازحون السوريون.
A+   A-
غرقت قضية النازحين السوريين في وحول الفوضى اللبنانية، وانسحبت الحلول العشوائية الترقيعية التي تعتمدها الحكومة لمعالجة كافة الأزمات على هذا الملف أيضاً، فظهر مجلس الوزراء عارياً غير قادر على إيجاد خريطة طريق للخروج من الأزمة، وأقحم اللبنانيون والسوريون بمعركة تحريضية قد تجرّ تبعات لا تُحمد عُقباها، مع تصاعد خطاب الكراهية بين الجهتين.
 
يحتاج ملف النازحين السوريين إلى مقاربة منطقيّة تستند إلى أسس قانونية وسياسية وإنسانية، بعيداً من العشوائية في الترحيل، ودرءاً للمخاطر التي تُحيط بهذه العودة في بعض الحالات.
 
وفقاً للمسار التاريخي لهذا الملف، تفتقر السلطة السياسية في لبنان إلى خطّة واضحة من أجل إعادة النازحين إلى بلادهم بطريقة آمنة، وتكون المعالجات في أغلب الأحيان مبنية على ردّ فعل لا على مدماك استراتيجي، في ظلّ ممانعة النظام في سوريا لهذه العودة، وهو ما تؤكّدة مضمون الزيارات المتكرّرة واللقاءات مع رئيس النظام بشار الأسد، الذي - بحسب المعلومات - ينتظر "ثمن" هذه العودة.
 
لكن هذا الواقع لا يعني الاستسلام لمشيئة الأسد، فثمّة حلول يُمكن للبنان الركون إليها، يأتي في طليعتها تصنيف اللاجئين وإعادة أولئك الموالين للأسد؛ والمنظمات الأممية تمتلك هذه الـData.
 
في السياق، كان ثمّة طرح كردي، صدر عن الإدارة الذاتية المشتركة لشمال وشرق سوريا، لاستقبال النازحين السوريين من لبنان في تلك المناطق، مقابل ضمانات وحماية دولية لفتح ممرات إنسانية بين لبنان ومناطق شمال شرق سوريا. وفي وقت سابق، كان ثمّة طرح تركي مماثل لاستقبال السوريين في إدلب، حيث تُسيطر القوى الموالية لأنقرة.
 
إن هذه الطروحات التي تُشكّل مدخلاً مقبولاً لعودة النازحين، خصوصاً لأولئك الذين فقدوا ممتلكاتهم، إما بفعل دمار الحرب، وإمّا بسبب مصادرتها من قبل النظام السوري، تطرح تساؤلات عن سبب عدم تلقّفها. والجواب على ما يبدو يكمن في السياسة، إذ بحسب العديد من المتابعين للملف، تستوجب هذه الحلول شرطين أساسيين، الأول يكمن في الضمانة الأمنية الدولية لقوافل النازحين التي ستمر في مناطق خاضعة للنظام السوري و"حزب الله"، وهذا ليس متاحاً، والشرط الثاني توفير الحدّ الأدنى من البنى التحتية لتأمين مقوّمات العيش.
 
عوائق تمنع إنشاء مناطق آمنة في سوريا
الصحافية والكاتبة السورية المعارضة عالية منصور تُشير إلى أن "لا مناطق آمنة في سوريا اليوم، وكلّها معرّضة للقصف أو الاشتباكات، ولو أن الحرب توقّفت في بعض منها، لكن ما من ضمانة لانتهائها بشكل كلّي، كما أن ثمّة شروطاً تفرضها الأمم المتحدة لإنشاء هذه المناطق الآمنة، منها توقف القصف الجوّي، وبالتالي من المستبعد أن يكون المجتمع الدولي في صدد تنفيذ هذا المشروع".
 
وفي حديث لـ"النهار"، تلفت إلى عوائق عديدة تحول دون نجاح هذه الطروحات، "فالمناطق المطروحة في شمال وشرق سوريا بعيدة جغرافياً عن لبنان، والطريق ليست آمنة لأنّها تمر في مناطق حدودية مع لبنان خاضعة لنفوذ "حزب الله"، وأخرى داخلية سورية خاضعة للنظام السوري، وبالتالي ما من ضمانات أمنية لعدم توقيف هؤلاء اللاجئين المتوجّهين إلى تلك المناطق".
 
ورداً على سؤال عن احتمال توفير ضمانة أمنية روسية، خصوصاً أن موسكو كانت قد أطلقت خطةً لم تُنشر بنودها لإعادة النازحين إلى سوريا، تُذكّر منصور بالضمانات التي قدّمتها روسيا في درعا لإتمام مصالحات بين أهالي المحافظة المعارضين والنظام السوري، والاعتقالات التي تعرّض لها هؤلاء المعارضون بعد فترة وجيزة، ومنهم من قضى تحت التعذيب في سجون النظام. وتلفت إلى أن الخطة الروسية لا تتعدّى كونها مشروعاً لتأمين تمويل عملية إعادة الإعمار، وبالتالي ما من نيّة روسية حقيقية لإعادة النازحين.
 
أما بالنسبة إلى الحلول المتوافرة، فتقول منصور: "الخيار الأمثل يكمن في الحلّ السياسي في سوريا، عبر القرار الأممي 2254. لكننا إلى أن يتحقق هذا الهدف، المطلوب من الحكومة اللبنانية إيجاد خطّة منطقية للتخفيف من حدّة التوتّر والتصعيد من جهة، وحلّ أزمة اللاجئين السوريين من جهة أخرى". وبرأي منصور، "يُمكن أن تبدأ هذه الحلول عبر إعادة النازحين الموالين للنظام السوري، والذين لا يعانون أيّ مشكلات أمنية معه، وهم يزورون سوريا دوريّاً".
 
وتلفت إلى أن "80 في المئة من السوريين الموجودين في لبنان أبدوا استعدادهم للعودة، وفق مفوضّية اللاجئين، ممّا يعني أن المشكلة تكمن لدى الحكومة اللبنانية ونظام بشار الأسد وغياب الخطط. ومن مسؤولية الحكومة التواصل مع المجتمع الدولي، المشاركة بشكل فاعل في اللقاءات الإقليمية التي تُعقد لطرح هذا الملف ومعالجته، وآخرها كان في الأردن، بعيداً عن التحريض ضد السوريين أو تسليمهم للأجهزة الأمنية السورية".
 
هيومن رايتس ووتش: شروط السلامة غير متحققة
الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في "هيومن رايتس ووتش"، ناديا هاردمان، تلفت إلى أن "الحديث عن مناطق آمنة في سوريا غير ممكنٍ، خصوصاً في نطاق سيطرة النظام السوري، لأن شروط سلامة السوريين في هذه المواقع غير متحققة، إذ لا يُمكن ضمان أمنهم، ولا يُمكن مراقبة ما يحصل في هذه المناطق، وبالتالي مختلف شروط العودة الآمنة والكريمة غير مؤمّنة، مما يعني أن الأمم المتحدة لن تكون جزءاً من هذا المشروع، كما أن المناطق الآمنة "يُمكن أن تكون مخادعة"، وقد لا تؤمّن الحماية الحقيقية".
 
وفي حديث لـ"النهار"، تُشدّد هاردمان على أن "الترحيل الذي يحصل من لبنان إلى سوريا غير قانوني وفق القانون اللبناني والدولي، ولا يجب إجبار أيّ لاجئ على العودة إلى سوريا في ظلّ الخطر المحتمل الذي قد يتعرّض له، وبالتالي يجب وقف عمليات الترحيل، حتى تلك المرتبطة باللاجئين الموالين للأسد، ولا يُمكن أن ندعم أيّ عمليّة ترحيل قسريّ".
 
وتعترف هاردمان بالعبء الذي يشكّله اللاجئون على الدول المُضيفة. ولمعالجة هذه الأزمة، تؤكّد وجوب استمرار دعم الدول التي تستقبل اللاجئين من جهة، ووجوب مساهمة دول أخرى، منها أوروبية، في استقبالهم للتخفيف من وطأة الوجود السوري في لبنان وتركيا والأردن، لأنّه "من غير العادل" أن تتحمّل هذه الدول وحدها هذا العبء، ويبقى الترحيل إلى سوريا مرفوضاً في مختلف الأحوال، برأي هاردمان.
 
القيادي في الحزب الديموقراطي الكوردستاني  - سوريا، عبد الكريم دلو، ينفي نقلاً عن مصادر في مناطق شمال وشرق سوريا قدرة الإدارة الذاتية على استقبال أعداد من النازحين. وفي حديث لـ"النهار"، يُشير إلى أن "الإدارة قد تستثمر في هؤلاء النازحين كدرع بشريّة بمواجهة النظام السوري لا أكثر، لكن لا ضمانات أميركية لعودة أيّ نازح سوري إلى سوريا"، مع أخذ العلم بأن هذه المناطق تقع تحت النفوذ الأميركي.
 
لا يبدو من هذه الوقائع وجود منافذ يُمكن التسلّل منها لمعالجة موضوع النازحين السوريين في لبنان، ولا حلول وسط كاقتراح "القوات اللبنانية" إنشاء منطقة آمنة على الحدود بين لبنان وسوريا، في بعقة جغرافية تخضع لحماية دولية. وبالتالي، يبدو أن لا حلول في الأفق إلا بسقوط نظام بشار الأسد ورحيله، أو عبر توطينهم في دولة ثالثة، وهذا يتطلّب قوّة في الديبلوماسية ومشاركة فعلية للدولة اللبنانية في المؤتمرات أو اللقاءات التي تطرح ملف اللاجئين السوريين الشائك، خصوصاً أنه في المدى المنظور والبعيد يبدو ملفاً متفجّراً على أكثر من مستوى وفي أكثر من دولة. 
 
jadfayyad1147gmail.com

اقرأ في النهار Premium