"أفضّل أن أتنقّل سيراً على الأقدام أو أن أتواصل مع معارفي في حال كانوا ذاهبين إلى المكان الذي أريد التوجّه إليه"، تقول الشابّة اللبنانيّة كارن، التي تفاجأت اليوم كغيرها بعد ارتفاع تعرفة "السرفيس" إلى نحو 50 ألف ليرة لبنانية كحدّ أدنى.
مسلسل المعاناة يستمرّ فصولاً بعدما طالت الأزمة الاقتصادية جوانب الحياة اليوميّة كافة. وما زاد من استياء اللبنانيّين هو تزامن رفع التعرفة مع انخفاض سعر المحروقات في الأسبوعين الماضيين.
تركت كارن عملها منذ فترة بسبب تدنّي قيمة راتبها أمام تحليق سعر صرف الدولار، وهي الآن تبحث عن عمل جديد. اختارت أن تبدأ التدريب في مجال اختصاصها الجامعي، وهو أمرٌ يحتاج لـ"نفس طويل" لأنه من دون مردود مادّي. "كانت الـ50 ألف سابقاً تكفي عائلة ليوم كامل، أما اليوم فباتت لا تغطّي تنقّلات فردٍ واحد"، بحسب ما تقول.
يقتصر خروج كثيرين من المنزل على الضروريّات، فتكلفة التنقّلات أصبحت تشكّل عبئاً ثقيلًا على كواهلهم. ترى كارن أنّ بعض سائقي سيّارات الأجرة يستغلّون الأزمة ويبتزّون الركّاب، فـ"المرّة الماضية اتّفقتُ مع أحد السائقين على أن ينقلني من "الطيونة" إلى "الحمراء" مقابل 70 ألف ليرة، لكنّه عند وصولنا إلى منتصف الطريق هدّدني بطردي من السيارة في حال لم أدفع له 100 ألف". وهنا تتخوّف كارن ممّا يقوم به بعض السائقين الذين لا يلتزمون بالتسعيرة، وهي متأكّدة من أنّهم لن يرضوا بتعرفة الـ50 ألف بل سيُطالبون بأكثر من ذلك.
بدوره، يُشير بلال، وهو سائق سيّارة أجرة منذ أكثر من ستّ سنوات، إلى أنّ التعرفة مهما ارتفعت "تبقى مجحفة" بحقّ السائقين. لبلال عائلة وأولاد وغلاء المعيشة يزيد الموضوع تعقيداً مع كلّ يوم جديد. يعتبر أنّ أساس المشكلة يكمن في تدنّي قيمة بدلات النقل خصوصاً للعاملين في القطاع العام. "أعترف بوجود بعض السائقين الذين يستغلّون الأزمة لتقاضي بدلات نقل خياليّة، خصوصاً خلال هذا الموسم السياحيّ".
يشتكي بلال من ارتفاع تكلفة قطع السيّارات التي تُسَعَّر بـ"الفريش دولار" في وقتٍ يتقاضى السائقون بدلات النقل بالعملة الوطنيّة. لهذا السائق عتب كبير على اتّحادات ونقابات قطاع النقل البرّي في لبنان الّذين يتحمّلون مسؤولية كبيرة في ظروف السائقين الصعبة. ويضيف: "كان الاتحاد يدعو السّائقين إلى التظاهر والمطالبة بحقوقنا، لكنّه سرعان ما نتفاجأ بإلغاء التظاهر، لا أدري ماذا كان يحدث تحت الطّاولة".
تغيب الحلول الرسميّة عن ملف ارتفاع تكلفة النقل، فكلّ جهة ترمي المسؤوليّة على الأخرى. يقول بسام طليس، رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البرّي في لبنان، إنّ وزارة النقل والأشغال العامّة تتحمّل المسؤوليّة، وهناك غياب لأيّ تسعيرة رسميّة. هذا ما يدفع بالسّائقين إلى التّسعير كما يريدون، والمواطن هو من يدفع الثمن.
تواصل طليس مع وزير النقل والأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال علي حميّة، الّذي قال إنّه لا يدري على أيّ سعر صرف، وعلى أيّ سعر للمحروقات يجب أن تصدر التسعيرة.
في المقابل، يوضح الوزير علي حميّة أنّ تحديد التسعيرة يرتبط بأمرين، أوّلهما سعر المحروقات، وثانيهما سعر قطع الغيار لسيارات سائقي الأجرة. ويُشدّد على أنّ وزارته غير معنيّة بالسّعرين، ويقول: "أنا مستعدّ من الغد أن أحدّد تسعيرة موحّدة في حال ثبات سعر صرف الدولار والمحروقات". حميّة على يقين بأنّه في حال تحديد هذه التسعيرة في الوضع الحالي، فلن يلتزم بها أحد.
ويعتبر حميّة أن الباصات الـ50 التي وصلت إلى لبنان كهبة من فرنسا، تشكّل حلّاً جزئياً لأزمة النقل. وقد تمّ إعداد دفتر الشروط، وستعمل هذه الباصات بالشراكة مع القطاع الخاص لتأمين عمّال بصفة سائق.
قارب فصل الصّيف النهاية، وشتاء رمادي بانتظار اللبنانيين؛ فمع عودة الطلّاب إلى مقاعدهم الدراسية مع نهاية هذا الشّهر، وانتهاء الموسم السياحيّ الذي يستفيد منه البعض، ستعلو صرخات النجاة.
الحلول مفقودة، والمشهد على حاله، والجهات الرسميّة تبرع في رمي المسؤوليّات من طرف إلى آخر. ليس من باب التهويل، إلّا أنّه فعلاً "الله يعينك يا لبناني".