إنه الملف الرئاسي الذي يحرك بعض الأقطاب السياسيين، لكنه لا يتحرك قيد انملة نحو التقدم. وما لفت في الأيام الأخيرة، الزيارة التي قام بها وفد من "حزب الله" لبكركي ولقاؤه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
ولئن كانت الزيارة ذات طابع شكلي – بروتوكولي خلال فترة الأعياد، إلا ان الفراغ الرئاسي الذي يطوي شهره الثاني جعل منها ذات بُعد اكبر، وان كانت النتائج او الانعكاسات العملية غير واضحة المعالم حتى الآن.
قد يكون ما اعطى الزيارة مدلولا اكبر من العامل الشكلي هي المواقف المتراكمة للبطريرك الراعي الذي ينتظم في التعبير عنها دوريا في عظاته الأسبوعية، من انتقاده الكبير للتعطيل الرئاسي وتحميل المسؤولية مباشرة للنواب المعطلين، الى إعادة طرح الحياد والتشديد على كيانية لبنان وصولا الى دعوته الى التدويل للخروج من الازمة غير المسبوقة.
ولعل الطرف الأول الذي تُوجَّه اليه الأنظار، بعد الزيارة، هي الأحزاب المسيحية المنقسمة بدورها حول الملف الرئاسي، فأي قراءة لهذه الأحزاب يمكن ان تعطى لتقارب بكركي – الضاحية، هذا اذا كانت الزيارة بالفعل تحمل تقاربا ما او احتمال فتح كوة في جدار الشغور الرئاسي؟!
قطيعة... وعناوين ثلاثة
ينطلق "التيار الوطني الحر" من قاعدة مفادها ان الحوار المباشر مفيد. يقول النائب آلان عون لـ"النهار": "من الجيد ان اللقاء المباشر بين الطرفين قد تمّ، أي ان يسمع حزب الله الحديث المباشر من البطريرك بدل الاعلام، اذ لا يجوز ان يستمر التخاطب عبر المنابر الإعلامية، فعلى الأقل ان يتوافر حد ادنى من التواصل بين الجميع".
وإذ يلفت الى ان "حزب الله طرف أساسي في البلد، فان بكركي مرجعية وطنية ولها دور سياسي، وان كانت لا تحلّ مكان الأحزاب او الكتل المسيحية"، يرى عون ان "الحل الأساسي لا يمكن الا ان يمر عبر المؤسسات والسلطات الدستورية في البلاد، وان بكركي واعية لهذا الامر، لا بل هي تدعو اليه دوما لانهاء الاستحقاق".
عون يعتبر ان "البطريرك أب لجميع المرشحين ولا يحاول احد ان يستدرجه كي يكون طرفا بين المرشحين"، وفي رأيه ان الزيارة "كسرت الجليد لان القطيعة، أي قطيعة هي مضرة، ولا سبيل الا الحوار المباشر، انما لا يمكن تحميل الموضوع اكثر".
اللافت ان كل الأطراف السياسية، وتحديدا المسيحية، لا ترى نفسها معنية بالكلام المباشر الذي توجهه بكركي للمعطلين على الخط الرئاسي، وكأن الامر خارج ملعبها السياسي. اذ قبل وفد "حزب الله"، كانت ثمة زيارة لافتة أيضا لرئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، ولعل الكلام المباشر نفسه قد سمعه باسيل، من البطريرك، كما "حزب الله".
من هنا، لا تحمّل "القوات اللبنانية" الزيارة ابعادا كثيرة. يقول رئيس جهاز الاعلام والتواصل في حزب "القوات" شارل جبور لـ"النهار": "حزب الله مارس القطيعة لبكركي منذ اعوام طويلة، وهذه الزيارات بروتوكولية لا اكثر ولا اقل، اذ هناك خلافات جوهرية بين الطرفين".
ويشرح: "لبكركي ثلاثة عناوين أساسية: أولها، الدولة السيدة التي تحتكر وحدها السلاح وتطبق دستورها وقوانينها، فيما حزب الله لديه سلاح فوق الدولة ويمنع الانتظام المؤسساتي. ثانيها، بكركي تطرح حياد لبنان، وهو جزء لا يتجزأ من الميثاق التاريخي الذي انطلق في العام 1943، لاسيما ان البلاد لم تنهض الا بفعل الحياد، فالدولة اللبنانية انطلقت مع الحياد. ثالثها، طرح مؤتمر دولي يحدد الازمة اللبنانية في جوهرها وعمقها من خلال تطبيق القرارات الدولية، لانه، وفق بكركي، لا إرادة محلية لتطبيق الدستور اللبناني والتزامه. من هنا، فان الخيارات خلافية بالعمق، ولا امل على هذا المستوى، وستبقى الامور على ما هي".
"التعطيل من حارة حريك"
لا تخفي "القوات" ان "الزيارة تندرج ضمن الرسائل المتبادلة بين الحليفين المتخاصمين رئاسيا". يعلّق جبور: "حلفهما، أي باسيل وحزب الله، هو واحد في الفساد وتغطية السلاح. من هنا، فان حزب الله يقول للنائب باسيل انه يستطيع ان يفتح قنوات سياسية ومسيحية بمعزل عنه، والنائب باسيل أيضا. ولكن المشكلة الأساس ان الاستحقاق الرئاسي معطل من حارة حريك تحديدا، اذ ان حزب الله يعطل النصاب ولا يذهب الى تبني رئيس للجمهورية ويرفض التزام الدستور وآليات الانتخاب وهو يتذرع بالحوار من اجل تغطية تجاوزه في عدم انتخاب رئيس، لان انتخاب رئيس يتم عبر جولات انتخابية مفتوحة لا عبر حوارات عقيمة ونتائجها معروفة منذ عام 2005".
ولا يبدو هامش الامل اكبر عند الكتائب. يقول النائب الياس حنكش لـ"النهار": "نتمنى ان يكون حزب الله قد سمع كل ما يثيره البطريرك الراعي في عظاته، ان كان عن السلاح او التعطيل في عملية انتخاب رئيس لان المعطلين ثلاثة: حركة امل، حزب الله والتيار الوطني".
اما اذا كانت الزيارة قد تمهد لفتح كوة ما، فلا يرى حنكش ان ثمة "آذانا صاغية حتى الان لكلام بكركي، ان في مسألة الحياد، او في موضوع التدويل او رفض الشغور الرئاسي. وهذا الامر يخيفنا صراحة، لان صرخة بكركي لطالما كانت تُسمع وتترجم بحكم الوقع الكبير لها".
ويؤكد ان "الكتائب لا ترفض أي دعوة للحوار بالمطلق، الا انها في الوقت نفسه ترفض الانتقائية في مواضيع الحوار. اليوم، الملف الطارئ هو انتخاب رئيس يشكل مفتاح الحل الذي يضع لبنان على السكة الصحيحة. ومن بعده، على الرئيس الجديد ان يفتح الورشة الحقيقية لأسس الدولة السيدة الحرة المستقلة ومعالجة كل الملفات الخلافية الجوهرية بدءا من موضوع السلاح وغيره".
"النهار" اتصلت مرارا بأكثر من مسؤول في تيار "المردة"، لكنها لم تلقَ جوابا حول الموضوع.
... يبقى، ان وضع البلاد كله على المحك، فهل تفتح السنة الجديدة أفق الحل الجذري، ام ان سياسة الترقيع ستظل هي السائدة؟!