يتصاعد الجدل حول إقفال مكاتب قنوات القنوات "الحوثية" التي تبثّ من لبنان، وفي السياق يُفتح ملف الوسائل الإعلامية التي تعمل في لبنان بشكل غير شرعي. وبالسؤال عن قناتي "المسيرة" و"الساحات" الحوثيتين، حمّل المجلس الوطني للإعلام وزارة الاتصالات مسؤولية منحهما التراخيص، فيما نفى مصدر في الوزارة الأمر، معتبراً أن صلاحية الوزارة تنص على تراخيص استخدام أجهزة لقنوات بعد أخذها إذن البث على الأراضي اللبنانية من وزارة الإعلام.
كالعادة، عوّل بعض اللبنانييّن وما يزالون على التسويات الوافدة من الخارج، وعلى الانفراجات الإقليميّة التي قد تسقط في أيّ لحظة علينا وتدفع بنا إلى الحوار، فقط الحوار، وتفرمل عجلة التوتّر و"النقار" في ما بيننا. ليس آخر هذه الانفراجات إعلان السعودية وإيران استئناف علاقاتهما الديبلوماسية بوساطة صينيّة، ما فتح باب التكهنات والتحليلات حول مدى تأثير هذا الاتفاق على لبنان الغارق منذ أكثر من 3 سنوات بكل أنواع الفشل على المستويات شتّى.
لم ينشغل أطراف الاتفاق الثلاثة حتماً كانشغالاتنا نحن، بسعر صرف الدولار، والمضاربين وجشع التجار وكهرباء الدولة والاشتراك وتسعير البضائع بالدولار على الرفوف في السوبرماركت وإضراب الأساتذة وإمكانية إنهاء العام الدراسي وغيرها.
ومنذ لحظات الإعلان الأولى، انهمك البعض بكيفيّة جني ثمار الاتفاق هذا، على قاعدة "اللي ما بينفع ما بضرّ"، متناسين أن ثمّة الكثير من النقاط الواجب تفكيكها وإيضاحها في الاتفاق. اتفق محلّلون واختلف آخرون حول الانعكاس المباشر والفوري لهذا الاتفاق، إلّا أن الحديث عن إغلاق قنوات الحوثيين التي تبث من لبنان استبق أي انعكاس، حيث أفادت المعلومات المتداولة أنّ "السلطات اللبنانية طلبت من قناتي "المسيرة" و"الساحات" إغلاق مكاتبهما في بيروت، وأعطت مهلة زمنية لذلك، وقد شارفت على الانتهاء".
ووفقاً للمعلومات المتداولة، فإن "قناة "الساحات" استكملت إغلاق مكتبها نهائياً، وغادر آخر العاملين من طاقمها الإداري والإعلامي، أمّا قناة "المسيرة" التي تُعدّ الناطق الإعلامي الرسمي باسم الحوثيين، فقد بدأت تقليص عملها وموظفيها في لبنان، ولم يبقَ سوى عدد قليل من العاملين، ويتوقع أن يتم إغلاق مكتب القناة خلال المهلة المحدّدة الباقية لها، نحو أسبوع.
في العام الماضي، طالبت الحكومة اليمنية، السلطات اللبنانية بالتحرّك لوقف بث قناتي "المسيرة" الفضائية و"الساحات" التابعتين لجماعة "الحوثي" في اليمن. جاء ذلك في كلمة لوزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك خلال أعمال الدورة الـ158 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري الذي عُقد في القاهرة.
وفي العام نفسه، طلب وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي من القوى الأمنية إجراء التحقيقات اللازمة حول القناتين بعد تلقيه رسالة من وزير خارجية اليمن تفيد بأن "الحوثيين يبثّون من لبنان هاتين القناتين دون تراخيص قانونية". وأرسل مولوي في ذلك الحين "كتابين إلى كل من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام لإجراء التحقيقات اللازمة وجمع المعلومات حول مشغلي القناتين ومتولي إدارتيهما وأماكن ووسائط بثّهما بغية اتخاذ الإجراءات الإدارية والفنية والقانونية اللازمة”.
مصادر إعلامية مطلّعة، نفت لـ"النهار" تلك المعلومات، قائلةً إن "الأمور في قناة المسيرة تسير بشكل طبيعي، ونشرات الأخبار وحتى البرامج تُبث في أوقاتها، حتى الآن، وكذلك الموظفون ملتزمون بدوام العمل كالمعتاد".
وأشارت إلى أن "كل ما تردّد عن إقفال القناة الأسبوع الماضي غير صحيح". وجزمت المصادر بأنّه "حتى اليوم، لا جديد ولا أحد بمكن أن يعرف ما قد يحصل في الأيام المقبلة أو يجزم بإمكانية وقف البث أو غيره".
رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ، قال لـ"النهار": "على ما أعتقد لم يصدر أي شيء رسمياً من طرف لبنان بعد، وسابقاً جاءت شكوى من الجامعة العربية ووزارة الخارجية اللبنانية وكذلك السفارة السعودية حول أداء مؤسسات إعلامية تابعة لليمن، وكان جوابنا أنّه بالنسبة لنا هذه المؤسسات غير موجودة لأنها لم تتقدّم بطلب للمجلس الوطني للإعلام، وبالتالي القرار حولها يعود للدولة".
وأضاف: "رأينا أن الحكومة غير قادرة على اتخاذ قرار بهذا الشأن، بحكم غياب الرؤية الواحدة والموحّدة على مستوى السلطات السياسية كافّة".
وإذ شدّد على أنّ "ما ينطبق على مؤسسات الإعلام المرئية اليمنيّة التي يقال إنّها تبثّ من لبنان، وأنا لا أعلم فعلياً من أين تبثّ، ينطبق على حوالي أكثر من 50 مؤسسة إعلامية مرئية تبث من لبنان خلافاً للقانون"، أشار إلى أن "هاتين الوسيلتين ليستا الوحيدتين، وهذه المسألة يعالجها مشروع القانون الإعلامي الموحّد الموجود في مجلس النواب لدى لجنة الإدارة والعدل والذي يمنح المجلس الوطني للإعلام سلطات تقريريّة بهذا الشأن".
"حتى الآن القانون لم يطبّق باعتبار أنّه لم يقرّ في الجمعية العامة لمجلس النواب". ينطلق محفوظ من هذه النقطة، متسائلاً عن كيفية تطبيق القانون المرئي والمسموع رقم 382/ 94 على المؤسسات المرئية اللبنانية الذي يلزمها برسوم مالية وبالابتعاد عن إثارة النعرات الطائفية، والتزام الموضوعية ونقل الخبر الصحيح والدقيق وعدم الإساءة للبلدان الصديقة للبنان وهذا القانون لا يطبّق على المؤسسات التي تبث من لبنان وتتبع للخارج".
كلام رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع شرّع باب الأسئلة عن الجهة التي تمنح هذه المؤسسات إذن البثّ.
"خلافاً للقانون تُعطى هذه المؤسسات عبر وزارة الاتصالات الحق بأن يكون لها مكتب تمثيلي وهذا الحق لا يعطيها الحق في أن تبثّ من لبنان. وهذه المسألة تحتاج إلى معالجة واسعة". يلقي محفوظ باللوم على وزارة الاتصالات في مسألة إعطاء إجازات لفتح مكاتب تمثيليّة، ويقول: "ما يحصل أن الشركات تُفتح في الخارج، وفي فترة من الفترات السابقة أعطيت إجازة لمؤسسة إعلامية بفتح مكتب تمثيلي وكانت تبثّ من الأردن بعد تدخّلات سياسيّة وغيرها، وبالتالي درج اعتماد هذه القاعدة المخالفة للقانون وأصبحت وزارة الاتصالات تعطي صفة مكاتب تمثيليّة وتحوّلت إلى قنوات تبثّ من لبنان خلافاً للقانون".
وأسف محفوظ لعدم تطبيق القانون في لبنان، وتحديداً في مجال الإعلام، عازياً الأسباب إلى انقسامات السلطة والتغطيات الطائفية للمؤسسات، مشيراً إلى استفادة الآخرين من هذا الواقع ومشدّداً على أنّ "الحفاظ على حرية الإعلام لا يحول دون تطبيق القوانين وتطبيقه يحتاج إلى إرادة واحدة ولكن الإرادة غائبة".
كلام رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، حملنا للاستيضاح من وزارة الاتصالات حول موضوع المكاتب التمثيليّة، فنفى مصدر في الوزارة لـ"النهار" ما قيل، مؤكداً أنّ "الكلام غير صحيح ولا أحد في "الاتصالات" منح المؤسستين المذكورتين تراخيص استخدام التجهيزات". وشدّد المصدر على أن "صلاحيات الوزارة تقتصر على إعطاء تراخيص لاستخدام التجهيزات بعد منح وزارة الإعلام إذناً بعملها على الأرض اللبنانية".
يُذكر أن سجلات وزارة الاتصالات، كما قال المصدر، لا تتضمّن اسمي القناتين، لكننا لسنا أكيدين من عدم وجود شركة مشغلة لهما أخذت الإذن.
قد يكون موضوع إقفال القنوات طُرح فعلياً في سياق بنود الاتفاق الذي حصل ضمن إطار التهدئة وعدم التعرّض للدولتين، إلّا أن إقفال هذه المكاتب التمثيلية، هل يعني وقف البثّ؟ وإن كانت وزارة الاتصالات، بحسب المصدر، لم تمنح ترخيص SNG، فأيّ ترخيص سيُسحب إذن؟ ثم ألا يمكن أن تبثّ هذه المحطات عبر قمر صناعي آخر؟