"إنّ السجون الذاتية أبشع من أكثر الزنزانات صلابة". استخدم بيتر فايس هذه الحكمة للدلالة على أنّ القيود الأكثر عذاباً هي في النفس والتي تقيّد عمق الإنسان وكينونته. وفي أيّ زيارة لسجن رومية، أكثر السجون شهرة في لبنان، لا بدّ من أن تستذكرها بعد الاطّلاع على معاناة السجناء هناك وحالهم، وعبرهم على حال الدولة المهترئة وعلى نوعية مسؤوليها، "قفرٌ" لا ضمير فيه.
تتكاثر بين الحين والآخر الانتقادات والتكهنات حول نظام السجون اللبناني، خصوصاً بعد التجاوزات في حقّ المحكومين والمسجونين. وفي ظلّ تعطّل العمل القضائي تراكمت المحاكم بالملفات والقضايا العالقة، لتكتظّ السجون وتتخطّى قدرتها الاستيعابية، خاصةً أنّ المباني ليست مؤهلة لاستيعاب هذه الكمية الهائلة من السجناء.
وفي هذا الإطار، تُطرح في كلّ فترة مسألة تخفيض السنة السجنيّة إلى 6 أشهر. تقدم به سابقاً اللواء أشرف ريفي وفق معايير محدّدة، ولم يُقرّ. واليوم قُدّم الاقتراح من قبل النائب في كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم، لكنّه أحيل إلى لجنة فرعية بعد عدم الموافقة عليه من قبل عدد من النواب.
ويعلّل هاشم في حديث خاص لـ"النهار" أنّ ما دفعه إلى ذلك هو أزمة السجون ومعاناة السجناء، في الأخصّ تعرّضهم للكثير من الإهانات وغياب الخدمات اللوجستية والصحية، حتى وصلت الأزمة إلى الخدمات الغذائية، وكلّ ذلك بسبب الاكتظاظ الذي جعل الأمور في غير نصابها.
بدورها، عبّرت نائبة جمعية لجان أهالي الموقوفين رائدة الصلح أنّ كلّ من يرفض القانون من زاوية سياسية أو من زاوية "دستورية التشريع" في هذه المرحلة، يجب عليه أيضاً أن ينظر إلى الناحية الإنسانية ويتخطّى المصالح السياسية، وأضافت: "خلال سنة ونصف توفي ما يقارب 30 سجيناً في ظروف مختلفة منها مرضية أو عبر الانتحار". وأشارت إلى أنّ الحلّ العمليّ يكمن في طيّ صفحات الماضي من خلال عفو عام شامل يغلق كافة الملفّات ويشمل الجميع.
عليان
يشرح المحامي حسين عليان أنّ الغاية من فرض عقوبة السجن هو تصحيح السلوك الإجرامي لدى الأشخاص الخارجين عن القانون وإعادتهم إلى الحياة الطبيعية المدنية مثل أيّ مواطن، فمن المفترض أن يكون السجن مرحلة إعادة تأهيل الشخص وإعادة انطلاقه إلى داخل المجتمع، لكن للأسف في مجتمعاتنا هذه السياسة غير معمّمة.
وأشار إلى أنّ هناك أعباءَ تترتب على عاتق الدولة أيضاً، وانطلاقاً من هنا ندخل في إيجابيات تخفيض السنة السجنية من 9 إلى 6 أشهر في ظلّ هذه الأوضاع، خاصّة الاقتصادية والسياسية والتخبّط الحاصل، وهذا من شأنه أن يقلّل الاكتظاظ وحالات الوفيات وطبعاً أن يحصل السجين على أقلّ حقوقه، أي تأمين الغذاء والطبابة.
وبحسب مطّلعين على ملفّ السجون، إنّ تصحيح القوانين أمر ضروريّ وهامّ في سبيل مواكبة الحداثة والاستدامة التي من شأنها التركيز على الإنسان في المجتمع وحقوق الإنسان.
ويرون إيجابيات في تخفيض السنة السجنية إلى 6 أشهر، أبرزها:
التخفيف من أزمة الاكتظاظ في السجون.
التخفيف من الأمراض وعدوى الفيروسات، وحتّى المشاكل النفسية لدى المساجين.
التخفيف من ميزانية الدولة التي هي في حالة ضعف نتيجة الأزمة المالية، المخصّصة للسجون، وهو أمر يساعد على حلّ أزمة توفير المستلزمات الطبية والاستشفائية والدوائية للمساجين.
يساعد على حلّ أزمة المأكل والمشرب وتوفير نوعية جيّدة داخل السجون.
يساعد في تحريك المسار القضائيّ المتوقّف منذ فترة والذي يطال ملفّات وقضايا بسيطة، فتتحرّر أحكام عدّة ويتمّ إخراج الحالات البسيطة والتوقيفات، أو الذين أنهوا مدّة محكوميّاتهم.
ويمكن استثناء من يستفيدون من القانون المتّهمون بالاعتداء على أمن الدولة والجيش والانخراط بمنظمات إرهابية.
طبعاً لا يخلو الأمر من السلبيات أيضاً ومنها ارتفاع نسبة الجريمة على أنواعها نتيجة اعتبار المرتكب أنّ أيّ عقوبة صادرة في حقّه مدّتها ستنخفض إلى النصف، مما يتطلّب من المشرعين وضع استثناءات لهذا القانون، كاعتباره قابلاً للتنفيذ ضمن فترة معيّنة وتاريخاً محدّداً ربما إلى حين الانتهاء من الأزمة المالية والاقتصادية، وحسن إدارة ملفّ السجون، وحلّ مشاكل الاكتظاظ وتسريع المحاكمات.