فؤاد بوغادر
يطلّ 4 آب على اللبنانيين للمرّة الثانية على التّوالي. أبشع ما في الذكرى أنّ التحقيقات لا تزال على حالها، وأهالي الضحايا من مكانٍ إلى آخر، آملين في الوصول إلى "طرف خيط" يشفي القليل من غليلهم. فاقمت الأزمة الإقتصادية وهموم الحياة اليوميّة صعوبة ذكرى هذا العام. يتوجّه آلاف اللبنانيّين إلى محيط مرفأ بيروت اليوم الخميس، البعض سيصرخ ويعبّر عما بداخله، والبعض الآخر سيتذكّر ما مرّ به في اليوم المشؤوم، وآخرون قرّروا إثامة مبادرات لتخليد هذه الذكرى الأليمة.
أسّست منصّة "نقِد" الإعلامية مبادرة توثيقية تحت إسم "ذاكرة 232" لما حدث في هذا اليوم. يتم ذلك من خلال لصق روابط (QR Codes) على جدران المباني المحيطة بمرفأ بيروت. يمكن للناس من خلالها مسح الرابط لتظهر أمامهم فيديوات للمبنى وما أحاط به قبل وأثناء الانفجار، وتسجيلات صوتية، وضحايا هذا المبنى. أطلِقَ هذا الاسم على المبادرة نسبةً لعدد الضحايا الذين سقطوا، بينما لا تزال الأرقام متفاوتة بين مختلف المصادر.
"نقد بوليتيكس" هي منصّة إعلامية بديلة أنشئت بواسطة شباب وشابّات من مختلف الجامعات اللبنانية، بعد تفجير 4 آب والأحداث التي لحقت به. تهدف إلى خلق وعي سياسي لدى الشباب اللبناني بعيداً عن المال والتبعيّة السياسية.
تؤمن المنصّة بحتميّة إعادة إعمار بيروت بعد تدميرها، إلّا أنّها مُصرّة على ضرورة التنبّه لعدم نسيان التفجير خصوصًا مع غياب العدالة للضحايا وأهاليهم. "صحيح أنّ بيروت عادت جميلة وأعيد إعمار معظم المباني، إلّا أنّه من الضروري التذكير بأن شيئاً كبيراً حدث هنا"، يقول أنطوني بركات، الشريك المؤسس في "نقد".
هناك هدفان للمبادرة، الأول هو التوثيق للحفاظ على الذكرى الجماعيّة، والثاني للتذكير بأنّ هذه المعاناة يعيشها اللبنانيون بشكل يوميّ. ويضيف بركات: "نريد للناس أن يروا ماذا حصل خلف هذه الجدران الملوّنة".
تندرج هذه المبادرة ضمن غيرها من تلك التي أطلقتها جمعيّات لعدم طمس الحقيقة. يأتي ذلك مع بدء انهيار أهراءات المرفأ وتصويب الاتهامات على السلطة. فقد زادت هذه المبادرات من إصرار اللبنانيّين على ملاحقة الحقيقة وعدم الاستسلام للّذين يحاولون محوها.
لا جهات مانحة خلف هذه المبادرة، بل تمّت بتمويل ذاتي من أعضاء المنصّة، ومعظمهم من المتطوّعين. تواصل الأعضاء مع أهالي المناطق التي تضرّرت لجمع المعلومات، وأهالي الضحايا الذين أصبحوا على إطّلاع تام على مجريات التحقيق. احتاجت "ذاكرة 232" إلى جهد عملي من الأعضاء أكثر من الحاجة إلى تغطية ماديّة، وتقتصر التكاليف على طبع الروابط ولصقها.
تسعى المنصة إلى عدم حصر نشاطاتها بالرابع من آب فقط، بل إلى مبادرة أخرى في المرحلة المقبلة تحت إسم "الذاكرة 10452". تهدف إلى الإضاءة على ما سبّب تدمير مساحات لبنان كالكسّارات والسدود واستغلال الأملاك البحرية.
رغم كل المحاولات التي تجريها السلطة لمحو ذاكرة 4 آب، لا تزال المبادرات الفردية والجماعيّة تعمل للحفاظ عليها. ومع اقتراب ذاكرة التفجير، تعلو أصوات الموتى الأحياء، وتصرخ أصداؤهم بحثًا عن الحقيقة. وليبقَ تفجير بيروت شاهدًا على سلسلة من جرائم السلطة التي تقتل اللبنانيّين بكل ما لديها من سطوة عليهم.