من المسلّم به أن إنجاز استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية لا يمر إلّا بالتواصل بين المكونات السياسية وحتى الدينية، لأن أيّ طرف غير قادر وحده على إيصال مرشّحه والتعطيل على ما يبدو سيستمر، ومن المستحيل استعادة تجربة 1970 الديمقراطية، حينما وصل سليمان فرنجية "الجد" إلى قصر بعبدا بفارق صوت واحد عن الياس سركيس، من دون أيّ تسوية سبقت جلسة الانتخاب، لسبب أساسي، أنّ مرحلة ما بعد الدوحة فرضت وجود تفاهمات على التسويات قبل إنجاز الاستحقاقات.
من هنا، تختلف الآراء بشأن الحوار الذي كان يريد أن يدعو إليه الرئيس نبيه بري بشأن الاتفاق على رئيس وحلّ أزمة الرئاسة، بين من يرى أن لا سبيل للحلول إلا بالجلوس معاً والاتفاق، وبين من يسأل عن الجدية أو النتائج الذي أنتجها الحوار مع "الحزب"، غير الخضوع له والدخول في مساومات أدت إلى ما أدت إليه اليوم من انهيار وسيطرة للحزب على مقدرات الدولة. علماً أن أصحاب هذه النظرية يريدون من أي حوار مع الحزب أن يتسم بالتوازن، فلا يذهب إلى الجلوس معه على الطاولة من دون الاتفاق المسبق على مشروع واضح وهدف واحد مبني على أرضية ثابتة، وهذا لا يتوفر بوجود تشتت بين القوى المعارِضة.
من هنا، يُطرح السؤال بشأن مدى الايجابية التي يُمكن أن يعكسها الحوار الثنائي ومردوده على المستوى السياسي.
في هذا السياق، تتجه الأنظار نحو المعارضة وكيفية مشاركتها في هذا الحوار. استطاع هذا الفريق تجميع نفسه بالحد الأدنى، فاتفق على ترشيح ميشال معوّض من دون أن يؤمّن له الأكثرية، بانتظار انضمام النواب المستقلين والتغييريين إلى صفوفهم. موقفه الموحّد نسبياً يمنحه تقدّماً في أي حوار يخوضه، في حال تشبّث به وبخطوطه العريضة وبعناوينه، أما تشرذمه أمام فريق "حزب الله" وحلفائه، فسيُضعفه، خصوصاً إذا ما اجتمع الأخير على مواصفات ومرشّح.
حوار ولكن؟
في هذا السياق، يُشير عضو كتلة "الكتائب اللبنانية" النائب الياس حنكش إلى أن "الحوار لا يُضرّ في حال كان من خلال المؤسسات، وقد يُساعد في مكان ما على إيجاد المخارج للأزمات في ظل الاصطفافات الحاصلة، لكنه بالتأكيد لا يحل محل المسار الدستوري للعملية الانتخابية".
وفي حديث لـ"النهار"، يشدّد على وجوب "توحّد الفريق المُعارض على العناوين العريضة التي يتفق عليها أساساً اليوم، والتي انبثق عنها ترشيح معوّض، أبرزها "مهام" رئيس الجمهورية المقبل، فنحن لا نريد رئيساً لإدارة الأزمة أو تأجيلها، بل رئيساً سيادياً يواجه بجرأة المشكلات، وأيّ خيار آخر سيعني إمعاناً في النزيف الحاصل".
لكنّه في الوقت نفسه، يؤكّد أن "لا حوار من أجل الحوار"، مذكّراً بتجارب الحوارات السابقة منذ العام 2006، والتي باءت بالفشل أو لم يلتزم بها الأفرقاء، مشدّداً على وجوب أن تكون كافة الأطراف ملتزمة بحوار جدّي للوصول إلى نتيجة، منها "حزب الله"، الذي ترتبط أهدافه ومصالحه بمصالح إيران بشكل أساس.
ماذا يريد الحزب من الحوار؟
المحلل السياسي والصحافي قاسم قصير يلفت إلى أن "حزب الله" مؤيّد لفكرة الحوار، وهو كان قد دعم الرئيس نبيه برّي في دعوته، ويرى من خلال مشاركة الحزب في أي حوار، في حال حصل، وكأنه يقول "فلنتفاوض"، مشيراً إلى أنّه "لن يُشارك لفرض أي خيار، خصوصاً وأنّه لم يتبنّ ترشيح أي اسم بعد".
ويستبعد قصير في حديث مع "النهار" انتظار "حزب الله" لتنظيم صفوف فريقه والتوجّه نحو الحوار بقرار جامع، أو حتى فكرة الحوار بين جبهتين، "حزب الله" وحلفاؤه بوجه المعارضة، لا بل يُذكّر أن "فريق 8 آذار مقسوم، وبالتالي لا مشكلة للحزب بحوار يُشارك فيه كل طرف سياسي انطلاقاً من موقعه، رغم محاولاته ترتيب العلاقة بين حليفه جبران باسيل وسليمان فرنجية".
ويُشير قصير إلى أن "الحوار قد يكون جامعاً، وقد يكون ثنائياً، وفي هذا السياق، فإن ثمّة جهوداً يخوضها الرئيس برّي إلى جانب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لاستمزاج الآراء".
"حزب الله" يريد فرض خياره بالحوار
الناشط السياسي توفيق هندي يرى أن "نتيجة الحوار مع "حزب الله" واضحة المعالم، ولن تكون سوى ما يُريد الحزب فرضه، لأن موازين القوى الأمنية والعسكرية تلعب لصالحه، ما يعني أنّه سيفرض مرشّحه على باقي الأطراف من خلال هذا الحوار".
وفي حديث لـ"النهار"، يعتبر هندي أن "لا قدرة للفريق السيادي على فرض شروطه على "حزب الله" ولو أن الموقف موحّد نسبياً في الحين، مع العلم أن بعضاً من فريق السياديين مشتّت بين نواب مستقلين وآخرين تغييريين". كما يرى أن "جزءاً ممن يسمّون أنفسهم "سياديين"، قد يشكلون معبراً لوصول مرشّح الحزب إلى رئاسة الجمهورية"، مذكّراً بسيناريو العام 2016.
وإذ يُشير إلى أن الحوار يعني "مساكنة" الحزب، يؤكّد هندي أن "فريق المعارضة لا يقوى على منع "حزب الله" من إيصال مرشّحه إلى سدّة الرئاسة"، مشدّداً على وجوب تجمّع الأطراف السيادية والإصلاحية، وطرح طريق "خلاص لبنان" من خلال التأكيد على تنفيذ القرارات الدولية، والمطالبة بوضع لبنان تحت الانتداب الدولي.
بالمحصّلة، لا مفرّ من الحوار، بغض النظر عن الصيغة، وإلّا فالشغور والتعطيل سيستمران إلى ما لا نهاية، لأن فرض الخيارات من خلال عملية دستورية ديموقراطية ليس سيناريو لبنانياً، ولن يكون في المدى المنظور، خصوصاً وان الاستحقاق مرتبط بعوامل إقليمية ودولية، سيكون لها ثقلها من خلال حلفائها في الداخل، والمشهد السياسي اعتاد على التفاهمات قبل إنجاز الاستحقاقات، تحت عنوان "الديموقراطية التوافقية".
إلّا أن أمام الفريق المُعارض لـ"حزب الله" وسياساته مهمّة توحيد الموقف لتقوية الموقع والمناعة وفرض الشروط، وإلّا سنكون أمام خسارة مراكمات العمل السياسي الذي بدأ منذ الانتخابات النيابية وما قبلها، وعودة البلاد إلى "مظلّة حزب الله".