اعتبر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الرّاعي في قداس "بيت عنيا" عقب خلوة روحيّة للنوّاب المسيحيّين بحضور 53 نائباً أنّ "السياسة التي تمارس السلطة بطريقةٍ خاطئة هي غير قادرة على الاعتناء بالآخرين، فتسحق الفقراء وتستغل الأرض وتواجه النزاعات ولا تعرف كيف تحاور"، مؤكّداً أنّ "السياسة السيئة تستعمل كلّ الوسائل للوصول إلى مصالحها ولا تعرف كيف تحاور".
وسأل: "بماذا جعلتم الشعب يتقدّم، أيّ قوى إيجابية حرّرتم؟ ماذا أنتجتم في المسؤولية؟ ماذا فعلتم لانتخاب رئيس للجمهورية؟".
ولفت إلى أنّ "البابا فرنسيس يقول إنّ السياسة التي تسعى الى خلق مساحة شخصية وفئوية هي سيئة أمّا السياسة التي تضع خطة لمستقبل الأجيال فهي صالحة".
وتغيّب عن الخلوة كلّ من النواب: سينتيا زرازير - ميشال معوض - بولا يعقوبيان - ملحم خلف - نجاة صليبا - أسعد درغام - الياس بو صعب - جهاد بقرادوني - سامر التوم - ميشال الدويهي - ميشال الياس المر.
بعد الخلوة، كان قداس إلهي وألقى البطريرك الراعي عظة تطرق فيها الى الأوضاع الداخلية ومما جاء فيها: "في هذا الأسبوع المقدّس الذي نستذكر فيه آلام الربّ يسوع وموته فدىً عن خطايانا، وقيامته من الموت لتقديسنا، شئنا في منتصفه إقامة هذه الرياضة الروحيّة، آملين أن نحمل معنا ثمار موت يسوع على الصليب: فداء خطايانا، ووحدتنا بالمسيح.
في حديث لقداسة البابا فرنسيس مع فريق من طلّاب العلوم السياسيّة، في 18 آذار الماضي، تكلّم عن السياسيّ الصالح، والسياسيّ السيّئ، انطلاقاً من وجهين يذكرهما الكتاب المقدّس في عهده القديم. الوجه الأوّل هو آحاب الملك الذي أراد استملاك كرم نابوت ليوسّع حديقته.
فرفض نابوت التخلّي عن ميراث أجداده، ما جعل الملك يحزن ويمتنع عن تناول العشاء. فوجدت زوجته الحيلة لقتل نابوت.
الوجه الثاني، هو يوسف بن يعقوب الذي باعه إخوته عبداً لحسدهم منه لتجّار في طريقهم إلى مصر (…).
يستنتج قداسة البابا من هذين الوجهين الروحانيّة التي ينبغي أن تغذّي العمل السياسيّ، ويختصرها بمظهرين: المحبّة التي تضع السياسيّ في موقع أقرب من كلّ إنسان ولا سيّما من هم الأضعف والأفقر؛ وتضعه في موقع الاهتمام بمستقبل أفضل للأجيال الطالعة. إنّ السياسة التي تسعى إلى خلق مساحة شخصيّة وفئويّة أوسع هي سياسة سيّئة، أمّا تلك التي تسعى إلى وضع أسس لمستقبل الأجيال فهي سياسة صالحة، وفقاً للقاعدة الذهبيّة: "الوقت يفوق المساحة".
على ضوء هذين الوجهين وفي ختام هذه الخلوة الروحيّة، فليطرح كلّ واحد منا، بل كل سياسيّ صالح هذه الأسئلة على نفسه:
– بماذا جعلت الشعب يتقدّم؟
– أيّ طابع تركت في حياة المجتمع؟
– أي روابط حقيقيّة بنيت؟
– أي قوى إيجابيّة حرّرت؟
– كم سلاماً اجتماعياً زرعت؟
- ماذا أنتجت في المسؤوليّة التي أُسندت إليّ؟ (البابا فرنسيس: "كلّنا إخوة"، 197).
– ماذا فعلت لتسهيل انتخاب رئيس الجمهوريّة، وإحياء المؤسّسات الدستوريّة بعد خمسة أشهر من الفراغ الرئاسيّ ودمار شعبنا؟
في زمننا العصيب الذي يحتاج إلى شهود أبطال للحقيقة والعدالة ولسموّ الله فوق أي اعتبار نختم بطلب شفاعة القدّيس توماس مور، المستشار البريطاني (Chancellor) الذي أعدمه الملك هنري الثامن لرفضه التوقيع على الإعلان بانفصال كنيسة بريطانيا عن سلطة بابا روما والإقرار بالملك هنري الثامن رئيساً أعلى عليها. وذلك بسبب رفض البابا إبطال زواجه ليتزوّج عشيقته وليكون له منها وريث. فكان أن اتّهم توماس مور بالخيانة وألقي في السجن ولاقى العذاب. ثمّ أصدر الملك حكماً بقطع رأسه. ولـمّا صعد على المنصّة قال كلمته الأخيرة الشهيرة: "ها أنا ذا أموت في سبيل الكنيسة، خادم الملك الأمين، ولكن خادم الله أوّلًا". كان ذلك في 6 تمّوز 1535. طوّبته الكنيسة سنة 1885، ورفعته قدّيساً على مذابحها سنة 1935. وفي عام 2000 بمناسبة اليوبيل العام أعلنه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني شفيعاً لمسؤولي الحكومات ولرجال السياسة.
نلتمس من الله شفاعته ليستنير بمثله كلّ من يتعاطى الشأن السياسي لمجد الله الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، الآن وإلى الأبد، آمين".