النهار

"حزب الله" يسعى لبسط نفوذه شمالاً... أهداف سياسية خلف ستارة المساعدات الاجتماعية
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
"حزب الله" يسعى لبسط نفوذه شمالاً... أهداف سياسية خلف ستارة المساعدات الاجتماعية
جمهور "حزب الله" في الضاحية (تعبيرية- حسام شبارو).
A+   A-
لافتاً كان تقديم "حزب الله" المساعدات لأهالي المبنى الذي سقط قبل أيام في منطقة ضهر المغر في طرابلس، لكنه لا ينفصل عن مسار تقديم الخدمات في الشمال، بدأ مع دخول المازوت الإيراني الأسواق اللبنانية، واستمر مع منح المساعدات مباشرة وبطريقة غير مباشرة لأهالي المنطقة، وكان الهدف من خلفها دخول الحزب منطقتي عكّار وطرابلس.

لا يخفي "حزب الله" نيّاته "التوسّعية" في المناطق التي لا نفوذ له فيها، ويستغل الظروف السياسية والاقتصادية للتغلغل بين أهالي هذه المناطق، والتجارب كفيلة لتأكيد الواقع الذي يترجمه الحزب على الأرض. ففي منطقة الشوف مثلاً، حاول من خلال الوزير السابق وئام وهاب والتمويل الذي خصّصه له والنفوذ الواسع الذي منحه إياه في الدولة استقطاب الأهالي وتقليب جزء من الرأي العام ضد الحزب "التقدمي الاشتراكي" ورئيسه وليد جنبلاط، وكذلك الأمر في بيروت، من خلال بعض الشخصيات المحسوبة على الأحباش وجمعية المشاريع الإسلامية.

وينسحب الأمر على غير مكان يوجد فيه الحزب للسيطرة على الأرض وبسط النفوذ، ففي سوريا، ومحافظة السويداء خاصة، شكّل الحزب بالتعاون مع الجماعات الإيرانية تنظيمات أهلية محلية وقدّم لها الدعم المادي والمعنوي، ومنحها نفوذاً رسمياً من خلال بطاقات أمنية، فاستقطب الأهالي وخرق المنطقة التي احتفظت بخصوصيتها المتمايزة عن النظام السوري طيلة سنوات الحرب.

يعلم "حزب الله" أن جمهور هذه المناطق يرفض وجوده نسبةً للخلافات والاختلافات العميقة التي تخطّت السياسة، وتُرجمت بـ7 أيار 2008 واشتباكات خلدة وإشكال شويّا وصولاً إلى الطيونة، لذلك يسعى إلى دخولها من باب الشخصيات التي تشكّل "مفاتيح" فيها، وذلك من خلال ضخ المال واستغلال الأحوال المعيشية الصعبة من جهة، والاستثمار في كل فراغ سياسي أو حالة سياسية معارضة للطرف الأقوى في هذه المناطق من جهة أخرى.

انطلاقاً مما ذُكر، حاول الحزب من خلال توزيع المحروقات الإيرانية في مختلف المناطق بأسعار أقل من أسعار السوق، ومن خلال توزيع المساعدات المالية والعينية والطبية، كما عبر استخدام نفوذه في الدولة، دخول هذه المناطق التي ترفض وجوده المباشر، واستثمر في شخصيات وأحزاب وجمعيات خيرية قريبة من خطّه، ومن الخط السوري في لبنان خاصة.

غالباً ما يجد الحزب بيئة حاضنة له لدى المكوّنات الأخرى التي يتشكل منها البلد. فلدى المسيحيين وجد "التيار الوطني الحرّ" الذي وقّع معه وثيقة تفاهم مار مخايل، وأنتج غطاءً لسلاح الحزب ومشروعه في لبنان مقابل تغطية الحزب على ممارسات حليفه في السلطة. وكذلك الأمر لدى الدروز، حيث ينشط من خلال حلفائه ببعض التقديمات المالية والاجتماعية.
ويواصل الحزب تحقيق اختراقات في ساحات لبنان المختلفة، من هنا، نشّط حركته في الشمال، بدءاً بعكّار وطرابلس، وخصوصاً عقب انفجار التليل إلى حادثة ضهر المغر، محاولاً استغلال العامل الإنساني للدخول إلى حيث لا يجب أو حيث "ليس مرغوباً فيه"، ما يطرح علامات استفهام حول أسباب هذا التدخّل وهذه السياسة المستجدّة.

عضو المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان أمين بشير يشير إلى أن "دخول "حزب الله" مناطق الشمال بدأ عندما وزّع المازوت على اتحادات البلديات وبأسعار تشجيعية، فاستفادت كل البلديات وأخذت حاجاتها أكثر من مرّة، واستمر مع توزيع المساعدات العينية (مواد غذائية خاصة) وتلك الطبية، وجاء ذلك بعد رفض عدد من الأهالي تقاضي الأموال مباشرةً، الذي كان قد ظهر بمثابة شراء ذمم، خصوصاً في فترة ما قبل الانتخابات".

وفي حديث لموقع "النهار"، يلفت إلى أن "الحزب كان حاضراً عند انفجار التليل، فدفع 25 مليون ليرة لأهالي كل ضحية، و9 ملايين ليرة تقريباً لكل جريح، وكذلك الأمر مع سقوط المبنى في ضهر المغر، إذ استقدم المساعدات ووزّعها"، علماً بأن بعض الأهالي رفض هذه المساعدات ليقينه بخلفياتها السياسية.

ويذكر بشير أن "وجود الحزب يتجلّى أيضاً في تقديم الخدمات لأهالي المنطقة، فيكون بمثابة "ظهر لمن لا ظهر له"، وتتدخّل الشخصيات والأحزاب المحسوبة عليه في هذه المناطق من خلال نفوذها لحل الإشكالات وإخراج الشباب من المخافر والسجون، وتقديم كل أنواع الخدمات الأمنية".

وعن الشخصيات المقرّبة من الحزب، يقول بشير إن "هذه الشخصيات والأحزاب كانت نفسها مقربة من سوريا أثناء وجود الأخيرة في لبنان، وهم أصدقاء دمشق اليوم، منهم نواب، كالنائبين طه ناجي وفيصل كرامي على سبيل المثال لا الحصر، وحزبا "البعث و"السوري القومي الاجتماعي"، وحتى إن كتلة "الاعتدال الوطني" التي تمثّل نواب عكّار، متواطئة بشكل أو بآخر، ويظهر ذلك من خلال رفضها طرح القضايا التي يرفضها الحزب، كالمسّ بسلاحه"، وفي هذا الإطار، يستطرد بشير ويشير إلى أن "وصول بعض هذه الشخصيات إلى مجلس النواب كان نتيجة عمل الحزب في هذه المناطق واستقطاب أهلها"، ما يعني أن الهدف سياسي انتخابي.

الحدود والأراضي
الهدف، بالنسبة للحزب، قد يعتقد البعض أنه إنساني أو ينحصر باللعبة السياسية فقط، لكن من يتابع استراتيجية الحزب منذ زمن، فهو لطالما حاول شراء الأراضي لربط المناطق الشيعية بضعها ببعض، كما يقول مصدر سياسي شمالي مطلع.
ففي الشمال مناطق حدودية يقطنها الشيعة، على سبيل المثال، بلدة قرحا في وادي خالد، وبلدة حبشيت في منطقة جرد القيطع. الأهمية الاستراتيجية لهاتين البلدتين إمكان ربطهما مباشرة بمناطق نفوذ "حزب الله" في الهرمل.
فمنطقة قرحا، الملاصقة للحدود السورية، يمكن وصلها جغرافياً بمنطقة الهرمل عبر منطقة بيت جعفر الحدودية، وهي منطقة لبنانية شيعية على الحدود الشمالية الشرقية.
ويمكن تنفيذ خط وصل بين حبشيت والهرمل عبر منطقة بلدات فنيدق، القموعة، مرجحين، الهرمل، علماً بأن حبشيت تبعد عن الهرمل مسافة لا تتعدّى نصف ساعة.
وفي الإطار يمكن التذكير، ألم يحاول "حزب الله" شراء خط الأراضي بين عمشيت وبعلبك لربط المناطق الشيعية الموجودة في عمشيت بالبقاع؟
ألم يربط مناطقة الموجودة بجرود جبيل بالبقاع أيضاً؟

وغير بعيد عن ربط جبيل بالبقاع، ثمة معلومات عن عمليات شراء أراضٍ على خط الضاحية – بعبدا – عاليه في المتن الجنوبي، وفي خراج الشويفات لربطها بالأوزاعي، وكذلك في خلدة، إضافة إلى معلومات مماثلة في منطقة الجية وجدرا ووادي الزينة في إقليم الخروب، ومثل ذلك على الخط الممتد من بعبدا صعوداً باتجاه كيفون والقماطية، حيث برز اسم رجل الأعمال الإيراني علي كرمشهاني في هذه العمليات، إضافة الى عمليات شراء محدودة في سوق الغرب تمّت بأسماء مستعارة.

وعلى سبيل التذكير أيضاً، أفلم يحاول الحزب ربط البقاع بالجنوب من خلال شراء الأراضي في المناطق الممتدة من مشغرة إلى جرجوع، وهو عمل على شق طريق تربط مشغرة بإقليم التفاح عبر كفرحونة وسهل الميدنة.
ألم يشكل شراء الحزب لأراض شاسعة في منطقة سوق الخان الواقعة بين حاصبيا الدرزية والهبارية السنية، وسيلة دعم لإنشاء خط ربط الجنوب بالبقاع من دون المرور بمنطقة حاصبيا ذات الأغلبية الدرزية؟
ألم يعمل الحزب على إقامة مجمعات سكانية كبيرة لعناصره وعائلاتهم على شكل قرى صغيرة بهدف تأمين التواصل بين قضاء النبطية وقرى شيعية أخرى في راشيا والبقاع الغربي من جهة، وتكسر التواصل الدرزي بين الشوف وحاصبيا من جهة أخرى؟
ألم يبنِ الحزب وحدات سكنية في قلب القطاع الغربي لعدد من المتشيّعين التابعين له في بلدة يارين السنية، معظمهم من آل الأسعد؟

ألم يبرز اسم رجل الأعمال علي تاج الدين، الذي يقال إنه اشترى مليوناً ومئتي ألف متر مربع في محيط بلدتي السريرة والقطراني في قضاء جزين، وأنه يعمل على إقامة تجمعات سكانية شيعية هناك، وأنه اشترى في برغز على خط مركبا – الريحان مساحات أخرى من آل شمس في حاصبيا، بغرض بناء مجمعات سكنية؟

هذا غيض من فيض عن استراتيجية الحزب الجغرافية السياسية. وانطلاقاً من هنا، الاحتمال ليس ببعيد أن يكون "حزب الله" يعمل على تعزيز الرابط الجغرافي بين المناطق الشمالية الشيعية وتلك الموجودة في الهرمل، للتوسّع نحو الشمال، ومنها إلى العائلات الشمالية في عكار وطرابلس، وإقامة نفوذ سياسي أكثر اتساعاً فيها، مع العلم بأن أحداً لا يمكن أن ينسى الجولات الأمنية في الشمال ودور الحزب في دعم العديد من المنظمات وقادة المحاور.

من هنا، يلفت بشير إلى أن "حزب الله" فرض سيطرته على الحدود الشمالية مع سوريا وخاصة وادي خالد، وتحديداً بعد معارك القصير في عام 2013، وبالتالي، فإن عمليات التهريب التي تجري على الحدود (وهي موجودة وشاحنة التليل أبرز مثال)، تكون بموافقة الحزب وبالتنسيق معه.

الفئات المغرّر بها
أما عن الفئات التي يستقطبها الحزب من خلال نشاطه، فيوضح بشير أن "الفئات المثقفة التي تتمتع بنسبة وعي عالية لا تُستدرج، لكن الفئات المهمّشة الفقيرة التي تعاني القلّة ولا خيار لها تستفيد من تقديمات الحزب وجمعياته، وفي هذا الإطار، جدير بالذكر تراجع شد العصب الطائفي والمذهبي في المنطقة، كما تراجع ضخ المال من خلال المتموّلين، ويعود ذلك إلى غياب تيار "المستقبل" عن الساحة".

ويرى بشير أن "لتمدّد "حزب الله" مستقبلاً في المنطقة ما دامت التقديمات موجودة والدولة غائبة، ولا شك في أن الأمر مرتبط بالإقليم، فرفع العقوبات عن إيران والحزب سيمكّن الأخير من زيادة تقديماته، فيما زيادة الضوابط المالية على هذا المحور ستنعكس تراجعاً في الخدمات نسبةً للضغوط الاقتصادية عليه".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium