رولان خاطر
لا أمن ولا أمان. باختصار هذه حالة اللبنانيين اليوم. يخبرك الكبار في ضيعنا، أنّ البلد لم يشهد مثيلاً لما يعيشه اللبنانيّون اليوم من فلتان وعدم استقرار. يأسفون لأنّنا ندفع ثمن مزرعة بدل أن ندفع ثمن دولة.
التعدّي على المواطنين وأسلوب التشليح بات يتنقّل في أكثر من منطقة، منها ما يحصل في وضح النهار، ومنها ليلًا، كالذي يحصل في بلاد البترون مؤخّراً، حيث تزداد وتيرة السرقات بشكل قياسيّ، منها يطال المنتوجات الزراعية والمحصول، ومنها يأخذ منحًى مختلفاً، إذ، تكرّرت عمليات التشليح المسلّح والخطف في الآونة الأخيرة بقصد السرقة، وما حدث قبل أيّام جليّ، حيث تعرّض الشاب غ. ع. لعملية خطف من قبل 3 مسلّحين، بينما كان متوجّهًا بسيارته "الجيب" ليلًا من البترون في اتّجاه سلعاتا، على الطريق البحرية، فقاموا بخطفه نحو المنصف على ساحل جبيل، ثمّ تمّ تركُه بعد سلبه هاتفه الخلويّ، وما يحمله من أموال وأغراض، إضافة إلى "الجيب". علماً أنّ الخاطفين مرّوا على حاجز الجيش اللبنانيّ في المدفون.
وتكرّرت الحادثة مع الشاب ج. ب. ف، الذي كان آتياً على طريق تولا - الدوق في وسط بلاد البترون في اتّجاه البترون، فأوقفه 4 مسلحين ملثّمين، وأخذوا منه كلّ ما يحمل، وهاتفه الخلويّ، وانطلقوا في سيارته، جيب الشيروكي.
بحسب الأهالي، تزداد السرقات في الآونة الأخيرة، بعد أن تحوّلت البترون إلى حجّ للسيّاح، وإلى منطقة سياحيّة بامتياز. كما أنّ غياب عدد من الأهالي عن بيوتهم خلال الأسبوع أو في فصل الشتاء يسهّل السرقة، في ظلّ وجود غرباء لبنانيين وغير لبنانيين في المنطقة.
وفي ظلّ انهيار الدولة وخربان البلد، القوى المحلّية في البترون، المتمثّلة بالشرطة البلدية، حضورها ضعيف، وتعجز عن فرض الحماية والأمن، لأسباب، منها قلّة عديد الشرطة، إلى الحالة المادية التي يعاني منها معظم بلديات لبنان، وأحياناً، أسباب شخصية، إلاّ أنّه بحسب ما علمت "النهار"، فإنّ القائمقاميّة حريصة على تحقيق خرق في هذه الأزمة، وإنهاء الحالة المتفلّتة، التي عادة ما يكون وراءها غرباء عن المنطقة، ولبنانيون حتى، وفي السياق، تُعقد اجتماعات متتالية مع القوى الأمنيّة المعنيّة ومع الضباط، وهناك جهود استقصائية تقوم بها شعبة المعلومات لمعرفة هوية المعتدين وقطّاع الطرق، والجيش يقوم بدوريات، خصوصاً أنّ المعلومات تقول إنّهم قد يكونون عصابات منظّمة تترصّد الناس بهدف التشليح والسرقة وزرع الخوف.
"الأرض السايبة بتعلّم الناس الحرام". يقول حنّا بيطار رئيس هيئة الطوارئ الشعبية في البترون. وهي هيئة مطلبيّة اجتماعية من أجل تنمية مستدامة، وهي المساعد الأيمن للمؤسسات الرسمية في المنطقة.
يشرح البيطار لـ"النهار" أنّه وجّه كتاباً رسميّاً منذ فترة يطلب فيه فتح باب التطوّع المجانيّ لشباب القرى في اتّحاد البلديات ليقوموا بحراسة قراهم في فترة الليل. هذه المبادرة الذاتية، كان هدفها إضفاء شرعية على عمل الحراسة الذي يقومون به، لتفادي أيّ اتّهامات بأنّنا نسعى إلى الأمن الذاتيّ.
وفي ظلّ تفاقم الأمور معيشيًّا وأمنيًّا، وغياب الدولة، ما الذي يمنع العصابات المسلّحة من نصب الكمائن في جرد البترون وعلى طرقاتها؟ وهل يعقل أن تبقى المنطقة غير مراقبة وسط وجود كبير للغرباء فيها؟ في وقت، وفي محطّات كثيرة، رصد أهالي القرى والبلدات مرور العديد من الغرباء في سيارات بزجاج داكن في بلداتهم.
تمّ تقديم الطلب الى القائمقام، واتّحاد البلديّات، يقول بيطار، اللَّذَين أيّدا الفكرة، لنعرف لاحقًا أنّ المشروع رُفض.
لكنّ بيطار يشدّد على أهمية هذا المشروع، ويكشف أنّه أُعيد إلى البحث مجدّداً اليوم، في ظلّ تفاقم الأزمة، إذ لا خيار آخر، وسط الضعف الكبير الذي يصيب البلديات وأجهزة الدولة. علماً أنّه استنادًا لآراء بعض الضبّاط المتقاعدين، تمّ وضع آلية لتفعيل هذه الحماية الذاتية لتكون بإشراف الدولة والشرعية، فقد تمّ اقتراح إنشاء مقرّ مركزيّ في اتّحاد البلديات، مهمّته أن يكون على تواصل على مدار الساعة مع شباب المنطقة، وعند حصول أيّ اعتداء يقوم هذا المقرّ بالاتّصال فوراً بالقوى الأمنيّة في المنطقة لتتولّى هي مهامها.
وواضح اليوم أنّ مواطني البترون في خطر. لهذا، تتوالى الاتّصالات واللقاءات لوضع حدّ لمظاهر التفلّت الحاصل والتي سببها أساساً مظاهر غريبة عن بلاد البترون. وبالانتظار، يعتبر الأهالي، أنّه لا بدّ من الابتعاد عن النكد السياسي أو العائليّ إذا وجد، ووضع الخلافات الحزبية الضيّقة جانباً، كذلك الخلافات الشخصية والفئوية، لأنّ المواطن البترونيّ بات مهدّدًا بلقمة عيشه وبأمنه، ما يتطلّب تضافر الجميع، مواطنون وسلطة محليّة لمواجهة الخطر المحدق بالبترون وشعبها.