حسم الجيش خياراته في إعادة حفظ الأمن ومحاربة ظاهرة التفلت الأمني في بعلبك، من عمليات خطف وسرقة وتجارة المخدرات وصناعتها التي نشطت في الآونة الاخيرة. وقد تمكن من عدم الوقوع في فخ العشائرية في منطقة بعلبك التي لطالما سعى فيها للحفاظ على توازنه مع العشائر التي لديها العديد من أبنائها المطلوبين (والقليل منهم الذين تجرؤوا على الدولة وأجهزتها الأمنية وأزهقوا هيبتها) لتتمكن بعلبك الهرمل من الحفاظ على أمنها الهش في المدى الطويل، إذ سادت نظرة بأن الجيش ينفذ إعدامات ميدانية مع مطلوبي المنطقة الذين ينتظرون إقرار قانون العفو العام منذ سنوات.
خطوته الجدية المستمرة لملاحقة المطلوبين لليوم الرابع على التوالي والتي دفعت بالمطلوبين للفرار إلى أوكار مجهولة قوبلت بتأييد مطلق من عشائر المنطقة كافة وأهلها ووجهائها (باستثناء آل زعيتر الذين تحفظوا على الكثير من إجراءات الجيش في معظم مناطق تواجدهم أثناء مطاردة الجيش مطلوبين من العائلة) رداً على التهديدات الأمنية المتعاظمة في المنطقة، وبهدف فرض سيادة القانون من خلال تنفيذ المزيد من المداهمات التي يسقط فيها يومياً جرحى من طرفي الجيش والمطلوبين.
وقد نجحت العملية في تفكيك عدد من معامل إنتاج المخدرات، بالإضافة الى تفكيكه ومصادرته عدداً كبيراً من تسجيلات الكاميرات المنتشرة في المحلة، وقد تمكن من خلالها المطلوبون من مراقبة الجيش ودورياته التي ستظهر العديد من الأمور التوضيحية المؤكدة لحركة المطلوبين وما تسببوا به والحد من عمليات بيع المخدرات وتصنيعها.
يرى البعض أن هذا العمل الأمني ليس سوى حل قصير الأمد يسلط الضوء على غياب مجهود طويل الأمد من أجل إعادة بناء الثقة بالمؤسسة العسكرية لدى أهالي المطلوبين الذين يتسترون ضمن أحياء وبيئة شكلت لبعضهم حاضنة واتخذوا منها حصنا لهم ولنشاطاتهم ليعبثوا بأمن المنطقة وأهلها للحفاظ على ثرواتهم التي جمعت.
وهم لم يعبؤوا بحياة الآخرين إن كان من خلال عمليات الخطف والتشليح وتجارة المخدرات وغيرها من أعمال مخلة بالأمن من دون الأخذ بالاعتبار حجم تأثير الأمر السلبي على المنطقة والسياحة فيها وما خلفته من انهيار اقتصادي و تهديد للأمن الإجتماعي.
خفف الجيش من إجراءاته الصارمة التي شهدتها بعض القرى والأحياء طوال الأيام الثلاثة الأخيرة إن كان في محلة الشراونة في بعلبك أو في عدد من القرى التي جرت فيها مطاردات لعدد من هؤلاء المطلوبين حيث يواجه الجيش مهمة شاقة للحفاظ على نوع من التوازن بين عمله على مكافحة المخدرات من تصنيعها وتجارتها من جهة وقد نجح في تفكيك عدد كبير من مصانع المخدرات والتي باتت الهدف الرئيسي لمهامه، وبين الإعدامات الميدانية التي تسيطر عند كل عملية دهم لمطلوبي المنطقة نظرا للاشتباكات المسلحة بين الطرفين التي لا مفر من حصولها.
ويملك الجيش مطلق الحرية في التضييق على المطلوبين لأنهم اليوم من الواضح لايحظون بالدعم من أي قوة حزبية في المنطقة، لاسيما مع عدم حصر تجارة المخدرات وبيعها في الأسواق الخارجية عبر تهريبها بل باتت تطال فئة شبابية صغيرة من المواطنين والسوريين المقيمين داخل مختلف الأراضي اللبنانية، وهي ما دفعت الى ازدياد عمليات السلب لاستبدال متعاطيها مسروقاتهم ببضع غرامات إضافة إلى انهيار أسر هؤلاء ورفع مستوى أعداد الجريمة داخل المنطقة.
كذلك ركز الجيش، إلى جانب ملاحقة مروجي المخدرات والعاملين فيها، على ملاحقة مطلوبين خطيرين ينشطون في أعمال الخطف والسلب بقوة السلاح والسرقة وغيرها.
وفي آخر حصيلة عمليات دهم صباح اليوم في محلة الشراونة، دارت اشتباكات مع عدد من المطلوبين أسفرت عن توقيف أحدهم إثر إصابته بطلق ناري نقل إلى مستشفى الريان للمعالجة، فيما تم ضبط مصنع اضافي للمخدرات وكمية من الحبوب المخدرة المصنعة ومصادرة أسلحة.
وهو ما يدل على أن هؤلاء المطلوبين امام مرحلة جديدة من المواجهة مع الجيش، وإن طالت ضمن اجراءات امنية ذات اهداف واضحة وبعيدا عن حملات كان دوما طابعها إعلامي.
الحادثة الاخيرة التي ترافقت مع دهم الجيش بحثاً عن مطلوبين والتي أدت إلى سقوط شهيد من الجيش اللبناني وعدد من الجرحى، لاقت اعتراضاً من عشيرة آل زعيتر على بعض التدابير التي تتعرض لها البلدات ومنازل الغير المعنيين بالمطلوبين والأحداث.
وكانت زيارة وفد من عشائر المنطقة ويضم فاعليات وشباب من آل زعيتر على رأسهم الشيخ شوقي زعيتر الى مكتب الوكيل الشرعي للإمام الخميني في لبنان وعضو شورى "حزب الله" الشيخ محمد يزبك ومطالبة الأخير الجيش بحصر الاجراءات ضد المطلوبين وعدم تضييق الخناق على ذويهم وما ينتمون إليه من عائلات وعشائر.
ويعتقد أن الأمر دفع الى تغيير نمط الاجراءات الأمنية المتخذة التي ساهمت في فك الطوق الامني المتخذ، خصوصاً وأن المطلوبين أنفسهم كانوا تمكنوا من الفرار الى جهات مجهولة.
يعود هذا العداء المتنامي وفقاً لأحد وجهاء العشائر بين الجيش والمطلوبين ونشوء علاقة ملتبسة تاريخياً بين الدولة والعشائر في المنطقة إلى سياسات الدولة التهميشية للمنطقة التي أفهمت الأهالي خصوصاً العشائر منها أن الدولة مارست وجودها في المنطقة من خلال التهميش والإفقار وإبقائها خارج مظلة القانون عبر غياب الإنماء.
وعن القانون؟ فقد عرفت بعلبك - الهرمل ذات الأغلبية العشائرية القانون فقط عبر القبضة الحديدية لمخابرات الجيش في ظل غياب السلطة المتواجدة في ضربات خاطفة وقاسية جعلت العشيرة الملجأ الآمن لأبنائها الذين عملوا على تأمين مصدر رزقهم الوحيد من تجارة المخدرات والسلاح والتهريب والربا وعمليات الخطف مقابل فدية مالية والسلب من خلال انشاء شبكات مشتركة ساعدت بعضها البعض إلى ان كبرت وأصبحت تفرض الخوات أيضا على التجار في بعلبك وقراها.
في المقابل، يأمل أهالي بعلبك الذين يتحضرون لإقامة مهرجانات بعلبك الدولية داخل قلعتها الاثرية خلال الشهر المقبل وما لها من دور سياحي واقتصادي ايجابي أن تساهم حملة الجيش هذه تعزير الأمن فيها.