النهار

في الذكرى السنوية لاستشهاده، زين في كلماته الأخيرة: "انتبهي للأولاد"...
المصدر: "النهار"
في الذكرى السنوية لاستشهاده، زين في كلماته الأخيرة: "انتبهي للأولاد"...
أولاد الشهيد قمر وأمير.
A+   A-
قمر (6 سنوات) وشقيقها أمير (4 سنوات ونصف) يقفان أمام صورة عملاقة تحمل اسم والدهما العريف الشهيد زين العابدين شمص، إلى جانب ورود ملأت الدار.
أم وأب وزوجة وسواهم من أفراد العائلة، يستقبلون ضيوفهم في الذكرى الأولى لاستشهاده، حيث أهدته عائلته والمؤسسة العسكرية الصلوات، وتجديد العهد بإكمال مسيرته التي استشهد من أجلها، في 3 حزيران عام 2022، بعد تعرضه لإطلاق نار أثناء تنفيذه عملية دهم للمطلوب ع.ز " أبو سلّة" في محلة الشراونة – بعلبك، والذي يعد من أكبر تجار المخدرات في لبنان.
 
ومذاك تتخذ جهود الجيش ومديرية المخابرات في حربهما على المخدرات والجريمة اتجاهاً استراتيجياً جديداً من خلال عمليات استباقية متواصلة نفذت في بعلبك - الهرمل، خصوصا في دويلة "الشراونة" ومحيطها.
 
 
وكانت تلك العمليات النوعية إيذاناً بقرار حاسم وحازم لإنهاء ظاهرة الفوضى الأمنية في المنطقة، وصولاً إلى المنطقة الحدودية في البقاع الشمالي، التي شكلت ملاذاً و"دويلة" خارج سلطة الدولة. وقد أسفرت العمليات النوعية المباغتة عن تفكيك عصابات عدة، وسقط عدد من المطلوبين ما بين قتيل وجريح وموقوف وفارٍ، وهي مستمرة حتى اليوم رغم سقوط ثلاثة شهداء آخرين، في شباط الفائت، إثر اشتباكات مع مطلوبين في بلدة حورتعلا - شرق بعلبك وهم المعاون أول الشهيد حسن خليل شريف، الرقيب الشهيد جورج فيليب أبو شعيا، والرقيب الشهيد بول أنطوان الجردي.
 
داخل منزل العائلة في بلدة بوداي - غرب بعلبك، الأب عجاج شمص يقول لـ"النهار": "إنه القدر وشهادة زين، كغيره من شهداء المؤسسة العسكرية لها قدسيتها الوطنية، ولطالما حافظت عليها لتبقى خارج الاستعراض الإعلامي وغيره، لكن ما يختلف عن زملائه اليوم، ان دماءه شكلت امتداداً لحرب مؤسسته على المخدرات، المستمرة منذ استشهاده وقد أسفرت عن توقيفات لأكبر الرؤوس وتهاوت حصون دويلتهم، كما كان وعد قائد الجيش العماد جوزف عون خلال زيارته منزلي لتقديم التعازي".
 
 
وفي كلمة وجهها إلى المؤسسة العسكرية قال: "أشكر المؤسسة العسكرية التي لم تقصّر معنا أبداً، الله يحميها ويقوّيها، وكما كانت السند الدائم بكل ما احتجنا إليه، اقول لها اليوم باسم زيّن وزملائه الشهداء، مع كل شهيد يسقط لا يزداد زملاؤه إلا إصراراً ولا يزيدنا كعائلات شهداء إلا قوة وصبراً، ولكن ما يطيّب جرحنا اليوم، هو استمرارها في معركتها هذه، وضرب جميع أوكار هؤلاء المجرمين للنيل منهم والقضاء عليهم".
 
واكد والد الشهيد ومن دون أنْ يُطفئ وجع الفراق جذوة نبرته: "سقط منا شهيد، أثناء حمايته لأطفال قاتله فهذه أخلاق العسكر، ومن حقنا الأخذ بالثأر، لكننا رفضنا اتباع المنظومة العشائرية، زين خدم 10 سنوات تحت القانون بإخلاص ومناقبية وانضباط بشهادة مؤسسته، وكنت قبله في السلك العسكري، زين "مش غالي عا وطنه، وابني التاني فدا وطنه" - في إشارة منه إلى الأخ الأكبر للشهيد المنتمي للمؤسسة العسكرية أيضا-، لكن في انتظار تحقيق العدالة على الأرض من خلال توقيف قاتله يبقى الجيش هو الأمل، ومن دون جيش لا دولة".
 
بالحديث الى ظروف استشهاده قال: "كان في البلدة يساعد أقاربه، وطُلب منه الالتحاق بمركزه، لأعلم لاحقاً باستشهاده، رفاقه أخبرونا كيف كان يقاتل ببسالة، بالرغم من إصابته ثلاث إصابات، وكان شديد الحماسة والاندفاع ودخل مكان تواجد أبو سلة، ولكن الأخير غدر به بطلق ناري في رأسه خلال عملية توقيفه واحتمائه بأطفاله وزوجته، وكان بعض الرفاق يطلب منه توخي الحذر من دون أن يستمع لأحد".
 
 
لم يتسنّ للشهيد زين إبن الـ28 عاماً، أن يعطي ولديه حنان الأبوة، حيث تحوّل إلى أحدوثة يرويها الأهل لطفليه ليقول أمير: "أريد أن أكون أسداً مثل بابا، يقضي على الأشرار"، بينما قمر، التي تحتضن آخر دمية من والدها، لا يمكنها إلا أن تصف أنها تفتقده "راح عالسما"، لتحضن الزوجة حنان طفليها وتمسّد رأسيهما، وتقول: "لقد حمّلني مسؤولية صعبة، والله يقدرّني على تحمّلها، وعندما يكبر ولداه سيكونان فخورين بأبيهما الشهيد، ولن أعيق" أمير" إذا أراد أن يسير في طريق والده".
ولا تنسى اتصاله الأخير ليطمئن إلى العائلة، ويقول لها آخر كلماته: "انتبهي للأولاد".
 
والدته التي رضخت لقدرها قالت: "ابني كان محبوباً ومحترماً، ولم يؤذِ أحداً أبداً، وشهيداً مثل آلاف الشهداء والجرحى في الجيش، العسكري دمه على كفه الله يرضى عليه".
وتابعت: "الكل يعطي صفات جميلة لمن يموت، لكن ابني كان فعلآ آدمياً، و"إذا راح زين ورفاقه في ألف بطل بدافع عن حق زين ولبنان"، وأقول للعماد جوزف عون، "كلنا وراك" وخاصة نحنا أهل الشهداء، لكن لن يهدأ بالي حتى يتم توقيف القاتل".
 
وتحكي شقيقته الكبرى" خديجة" عن شقيقها الأصغر في العائلة والأقرب إلى قلبها، تلفت إلى أنه كان شجاعاً صبوح الوجه يغمر كل من يراه ببسمته البريئة وخفة الدم، يخاف على الجميع، ذكريات كثيرة تجمعها وأخوتها به.
 
ربما لا تفي قصة الألم التي يعيشها أهالي الشهداء، فهم شهود على أن أهل هذه المنطقة يؤمنون بالمؤسسة العسكرية التي أعطوها خيرة شبابهم حال منازل لبنانية كثيرة، لكن فخرهم هو أن شهادة أحبابهم توثّق التاريخ وتقدّم التضحيات لعودة المنطقة إلى سيطرة الدولة بعد سنوات من الفوضى الأمنية، وتضع أمام المؤسسة مسؤولية كبرى لإعادة ما تبقى خارج سيطرتها، لأن ما يحدث اليوم في بعلبك وغير بعلبك حوادث أمنية تهدد وجودية البلد ككل.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium