لم يكن اللبنانيون يحتاجون كلام قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، أمس الأول، على أنّ "لدى "حزب الله" أكثر من مئة ألف صاروخ جاهزة لفتح باب جهنّم على إسرائيل"، لمعرفة عمق الروابط بين إيران و"حزب الله"، أو لمعرفة أهداف المشروع الإيراني في السيطرة على دول الشرق الأوسط بما فيها لبنان.
كثيرة هي التصريحات الإيرانية التي تؤكّد أنّ لبنان يشكّل خطّ الدفاع الأول عن إيران.
ففي 2 كانون الثاني 2021، أكّد قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده أن "كلّ ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية تمّ بدعم إيران، وهما الخط الأمامي في أيّ حرب مقبلة ضد طهران، ويمتلكان تكنولوجيا صناعة الصواريخ".
وفي كانون الأول 2019، أعلن مستشار قائد الحرس الثوري اللواء مرتضى قرباني أنّه "في حال ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، فسنسوي تل أبيب بالتراب، انطلاقاً من لبنان".
ولم ينسَ اللبنانيون أنّ بيروت عاصمة من عواصم إيران الأربعة. وكيف ينسون كلام قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على إثر فوز "حزب الله" "بـ74 مقعداً في البرلمان اللبناني في العام 2016، حين اعتبر أنّ الحزب تحوّل من "حزب مقاومة إلى حكومة مقاومة في لبنان". يُضاف إلى كلّ هذا كلام السيد حسن نصر الله على أنّه جنديّ في ولاية الفقيه.
بغض النظر عمّا إذا كان الكلام الإيراني يعرّض لبنان لخطر الصواريخ الإسرائيلية، فإنه يطرح دور "حزب الله" في توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي تحويل لبنان إلى ساحة نفوذ إيرانيّة.
منذ تأسيسه في العام 1982، رسّخ "حزب الله" مكانة إيران كلاعب رئيسيّ في لبنان ومنه في المنطقة، في مواجهة ما كان يعتبره نفوذاً إسرائيلياً وأميركياً في هذا البلد؛ فبدأ بتفجير مقرّ قوات المارينز ومقر السفارة الأميركية وخطف الرهائن بين عامي 1982 و1992. وقد أعادت واشنطن العام الفائت فتح ملف خاطفي الرهائن الأميركيين في بيروت، الذين كان من أبرزهم: وليام باكلي، تيري أندرسون، بيتر كلبورن، ويليام هيغينز، وغيرهم.
في فترة الثمانينيات، خاض الحزب معارك داخليّة عُرفت بحرب الأخوة للسيطرة على القرار الشيعي.
مع بداية التسعينيات، بدأ الانخراط في العمل السياسيّ الفعلي في لبنان، إن عبر الترشّح إلى الانتخابات أو عبر المشاركة في السلطة التنفيذيّة.
في العام 2005، وجّهت إلى "حزب الله" اتهامات سياسية، لتقول المحكمة الدولية لاحقاً كلمتها في مقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري، إضافة إلى اغتيالات أخرى. اتهمت عناصر من "حزب الله" بالتخطيط وتنفيذ اغتيال رئيس وزراء لبنان.
في الـ2006، شنّت اسرائيل حرب تموز رداً على خطفه جنوداً إسرائيليين. وفي الـ2008، حوّل الحزب سلاحه إلى بيروت، فخرّب أحياءها وقتل مواطنيها، وأنتج ما عُرف لاحقاً باتفاق الدوحة، الذي أرسى المثالثة في الحكم، علماً بأنّه مع الانسحاب السوري في العام 2005، ورث الحزب نقاط سوريا الاستراتيجية في لبنان، جغرافياً وعسكرياً.
وفي حين طبع هذه الفترة عدم الاستقرار، استخدم الحزب في الـ2009 الترهيب والترغيب، وبدأ بتفكيك ما عُرف بحركة 14 آذار والأحزاب السيادية المنضوية تحت لوائها.
ومع وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، كرّس "حزب الله" نفوذه الواسع على قرارات الدولة كافة. أعلن حسن نصرالله ارتباطه الوثيق بإيران تمويلاً وتدريباً ومشروعاً استراتيجياً، وأُطلق يد إيران وتحوّلت الساحة اللبنانية لصندوق بريد إلى خصوم إيران الإقليميين وأعدائها، وباتت صواريخ الحزب مربوطة مباشرة بالمصالح الاستراتيجية الإيرانية.
ماذا أعطى الحزب لإيران؟
المحلل الاستراتيجي الجنرال خليل الحلو يوضح لـ"النهار" بأنّ "حزب الله" الذي هو جزء لا يتجزأ من الحرس الثوري الإيراني ويأتمر بأوامره، وضع إيران على خريطة أزمة المنطقة، وعلى خريطة القضية الفلسطينية. وخط التماس الموجود في لبنان مع إسرائيل هو في الواقع خطّ التماس بين إيران وإسرائيل. وبالتالي، جيوبوليتيكياً، أعطى الحزب لإيران وجوداً مباشراً على الحدود الإسرائيلية، وسيطرة في شرق المتوسط، وعلى مرافئ بحريّة مهمّة مثل مرفأ بيروت وصور وصيدا وحتى طرابلس".
من خلال تمدّد الحزب في لبنان وسوريا وصولاً إلى العراق واليمن، تعزّز إيران موقعها باعتمادها على أكبر قوة إقليمية لها، ممّا يجعلها لاعباً أساسياً قادراً على فرض شروطه في أيّ مفاوضات لأيّ حلّ يأتي إلى المنطقة. وهذا يعني أن أيّ حلّ في سوريا أو في العراق أو في اليمن أو في فلسطين أو لبنان، سيكون لإيران كلمة ونفوذ فيه.
لكن الحلو يرى أن الحلول مفقودة اليوم، فالرعاية الدولية غير متوفّرة، والإرادة الإقليمية غير موجودة، ومنطق المواجهة بين القوى الإقليمية موجود، ولا طرح جدياً لأيّ حلول ممكنة. وفي منطق المواجهة، يعمل كلّ طرف على تقوية قدراته؛ لذلك، يشكّل "حزب الله" لإيران الأداة الأثمن لتوسيع نفوذ سياستها ومشروعها في المنطقة".
وبعد إفساحه المجال لإيران لتكون قوة على الحدود اللبنانية - الإسرائيليّة وعلى شرق المتوسط، يُعطي الحزب لإيران مساحة كبيرة في داخل القرار اللبناني بشكل غير مباشر، عبر سيطرته على القرار السياسيّ بشكل كبير.
هذه السيطرة، بالنسبة للحلو، تحدّ من فاعليّة القوى المسلحة اللبنانية الشرعية، من دون أن تفرض سيطرة على قرارها العسكري. ويؤكد الحلو أن لا سيطرة للحزب على القوى الشرعية اللبنانية، إنّما سيطرته تكمن على القرار السياسي الذي يخضع له الجيش. مع العلم أنّ الحلو يؤمن بأن السلطة السياسية لا تستطيع أن تستخدم الجيش وفق أجندتها بسبب سيطرة "حزب الله"، وهذا عامل جيّد ومؤثر، ويعطي الجيش هامش مناورة وقدرات بعيداً من سيطرة "حزب الله" سياسيّاً، مثل حماية الحدود، ووقف التهريب، ومكافحة الإرهاب، والدفاع عن الحدود الجنوبيّة. لكن تبقى المشكلة الكبرى بالسلاح خارج الدولة، وهذا لا يعني حصول مواجهة بين الجيش والحزب في الداخل لعدّة أسباب، منها سياسيّة واجتماعيّة وغيرها. فالمسألة لا تُقاس وفق مبدأ "أبيض أو أسود". صحيح أن الحزب يسيطر على القرار السياسي، وعلى قرار الحرب والسلم، ويستطيع ساعة يشاء أن يمنع تقدم المفاوضات مع إسرائيل بشأن الخط البحريّ، لكنّه ليس مسيطراً على بيروت الكامل، ولا على كسروان وجبيل والشمال وعكار بالكامل".
لا يرى المحللون السياسيون أن الكلام الإيراني على استهداف من لبنان كلام جديّ، إنّما مجرّد تخويف ولفت انتباه، والتذكير بأنّ أيّ غطاء لأيّ حلول سياسية في المنطقة، أو مشاريع نفطيّة، لا يكون من دون موافقة طهران أو تحقيق مكاسب لها، ولبنان هو ساحة إيران الأوسع، لا بل ولاية إيرانية، منها تنطلق رصاصة أيّ حرب، وليس منها يُقدّم أيّ غصن زيتون للسّلام.