حالة من القلق تنتاب اللاجئين السوريين السياسيين في لبنان، أو بمعنى آخر، اللاجئين المعارضين للنظام السوري وبشار الأسد، جرّاء عمليات الترحيل التي بدأتها الأجهزة الأمنية اللبنانية، لأن خطر التوقيف، والاعتقال، والتعذيب وحتى الموت في السجون السورية قائم طالما لم يتم تنفيذ القرار الأممي 2254، ولم تحصل عملية الانتقال السياسي في سوريا، وبقي رأس النظام بشار الأسد ساكناً قصر المهاجرين. وتبرز إشكالية الإرادة والإدارة السياسيتين لفرز السوريين، ومنح التصنيف القانوني لمن يستحق صفة لاجئ سياسي موقت.
في محاججة المعارضين السياسيين الموجودين في لبنان، أن الترحيل الحاصل قسري، لا يُراعي معاهدات ومواثيق وقوانين حماية اللاجئين وعدم تعريضهم للخطر، ولا يأخذ بالاعتبار الخلفيات السياسية للسوريين المرحّلين، لا إرادتهم في تقرير مصيرهم، ولا التبعات التي قد تحصل مع عودتهم إلى بلادهم، وفي هذا السياق، ثمّة معلومات ينقلها عدد من الناشطين السوريين، تُفيد باعتقال جيش النظام السوري لعدد من اللاجئين الذين رُحّلوا في الأسابيع الماضية.
خوف في صفوف اللاجئين... وتذكير بمجازر الأسد
يشعر معارضو الأسد في لبنان بالخوف، وتعود بهم الذكريات إلى زمن وجودهم في سوريا، حينما كانت قوات النظام تنفّذ المداهمات وتعتقل المعارضين وتزجّ بهم في السجون بتهم سياسية. وهذه الذكريات التي كانت واقعاً قبل سنوات، دفعتهم أساساً إلى الهجرة يومها هرباً من الاعتقالات التعسفية. ومع بدء عمليات الترحيل العشوائية وغير المدروسة، يرى هؤلاء المعارضون أنفسهم عرضة لخطر العودة إلى سوريا، ولخطر انتقام الأسد منهم رداً على مواقفهم.
أحمد القصير، مراسل "تلفزيون سوريا" في لبنان، يعبّر عن شعوره بالقلق والخوف ممّا يحصل، ويرى في الترحيل القسري العشوائي خطراً على حياة اللاجئين، خصوصاً المعارضين لنظام الأسد، والذين قد يكون مصيرهم السجن، والعالم بأسره يعلم الفظاعات التي تُمارسها قوات الأمن السورية في المعتقلات، ويذكّر بمجازر صيدنايا والتضامن وغيرها التي نفّذها جيش النظام السوري.
وفي حديث لـ"النهار"، يسأل: "كيف يُمكن للمعارض السياسي السوري أن يشرح للقوى الأمنية (التي تعاني عبئاً كبيراً بدورها) الأسباب التي تُشكّل خطراً على حياته، ويبرّر لهم وجوب عدم ترحيله؟"، معتبراً أن "الترحيل يكون بمثابة الموت بالنسبة لهؤلاء المعارضين"، مع العلم أن على لبنان مسؤولية حمايتهم وعدم تعريضهم لأي خطر طالما هم لاجئون على أرضه، وبالتالي عدم تسليمهم لجيش النظام السوري.
ماذا عن الحلول للاجئين السياسيين؟
ويلفت إلى أن الحلول لحماية اللاجئين السياسيين والتخفيف من عبء النزوح في الآن عينه كثيرة، منها تصنيف اللاجئين بين اقتصاديين وأمنيين، وترحيل كل من لا يعاني مشكلات مع النظام السوري، بالإضافة إلى كل من تثبت إدانته بأعمال جرمية، باستثناء بعض سجناء روميه الذين يواجهون تهماً سياسيةً في سوريا، ومنح صفة "لاجئ سياسي موقّت"، تُكتب على الإقامة، لمعارضي النظام السوري تحصّنهم ضد الترحيل، والتعاون مع المجتمع الدولي لإعطاء هؤلاء حق اللجوء في دول أخرى غير لبنان.
رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع أسمر يلفت إلى إشكالية أساسية تشوب عملية ترحيل اللاجئين السياسيين، وهي غياب آلية اتخاذ قرارات اختيار الأشخاص الواجب ترحيلهم، والتي لا تقوم على معلومات دقيقة حول كل لاجئ ودراسة مدى خطورة عودته إلى بلاده، والتي تتخذها الأجهزة الأمنية في حين من المفترض وفق القانون أن يتخذها القضاء، ومن واجبات القضاة دراسة ملف كل نازح قبل إصدار قرار الترحيل من عدمه.
وفي حديث لـ"النهار"، يُشير إلى أن لبنان أمام خطر قضائي دولي، ويقول "في حال سُجن أو قُتل أي لاجئ يعود قسرياً إلى بلاده، يُمكن لذويه ملاحقة الحكومة اللبنانية وأجهزتها الأمنية وحتى الضبّاط والعناصر وفق القانون الدولي، الذي يحمي اللاجئين في الدول التي يتواجدون فيها، وهذا الاحتمال كبير، لأن عدداً من الذين يتم ترحيلهم قد يواجهون مشكلات أمنية مع النظام السوري، وفي حال تقرّر توقيفهم، فالخطر في السجن يصل إلى حد الموت".
ويُشاطر أسمر القصير في رأيه لجهة الحلول الواجب اتباعها لحماية اللاجئين السياسيين، وتبدأ من خلال اعتماد آلية لتصنيف اللاجئين والفصل بين أولئك السياسيين والعاديين، ترحيل اللاجئين الذين لا مشكلات أمنية لهم مع النظام السوري، ومنح إقامة إنسانية للاجئين السياسيين، كما التواصل مع المجتمع الدولي لاستقبال هؤلاء الناشطين السياسيين في دول أخرى غير لبنان، ويشدّد على أن "الحلول متوافرة، لكن المطلوب إدارة سياسية".
هل يخضع لبنان لعقاب دولي؟
المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، والناشطة الحقوقية، ديالا شحادة، تتطرّق إلى ملف مُحاسبة الحكومة والأجهزة الأمنية اللبنانية أمام القضاء الدولي بسبب عمليات الترحيل، وتلفت إلى أن لبنان لم يوقّع على بروتوكول محكمة العدل الدولية للمثول أمامها عند كل شكوى، وبالتالي ثمّة 3 خيارات متبقية:
- الأول يكمن في تقديم شكوى أمام اللجان المنبثقة عن الأمم المتحدة، أو المقرّرين العامين المرتبطين بحقوق اللاجئين، لمخالفة لبنان شرعة حقوق الإنسان، لكن الشكوى تُعرض على مجلس الأمن الدولي ليتخذ القرارات اللازمة بأكثرية الأصوات دون رفع أي "فيتو" على القرار، ولا سابقة في هذا الموضوع، علماً ان الاجراءات مكلفة ولا قدرة للاجئين على توفير المال.
- الثاني يتحدّث عن تقديم شكاوى شخصية من المتضرّرين ضد أشخاص في السلطات اللبنانية والمسؤولين عن هذه الانتهاكات، أمام محاكم أوروبية تتمتّع بالاختصاص القضائي العالمي تجاه هذا النوع من القضايا.
- الثالث يتمحور حول فرض دول عقوبات على لبنان بسبب ترحيل اللاجئين، كقانون قيصر الأميركي الذي يُعاقب من يتعامل اقتصادياً مع النظام السوري، لكن لا سابقة في هذا الموضوع أيضاً، وثمّة شروط صعبة لذلك، كما ثمة أبعاد سياسية تحول دون دفاع حكومات الدول الأوروبية بشكلٍ كافٍ عن حقوق اللاجئين.
وفي حديث لـ"النهار"، تعود إلى صلاحية اتخاذ القرارات، وتُشير إلى أن "مهمّة القضاء البت بقرارات الترحيل وليس الأجهزة الأمنية التي تُنفّذ ولا تقرّر، لكن العشوائية سمة الملف، فالأمن العام يقول إنه يستند إلى تفويض من وزارة الداخلية للترحيل، فيما التفويض يقوم على توصيات مجلس الدفاع الأعلى الذي طلب الترحيل لأن برأيه "الأمن عاد إلى سوريا"، علماً أن توصياته ليست قرارات قانونية، وبالتالي لا سند قانونياً لترحيل اللاجئين".
وتؤكّد شحادة خرق لبنان للقوانين المحلية والدولية في عمليات ترحيله اللاجئين، بدءاً من شرعة حقوق الإنسان التي ينص عليها الدستور اللبناني، والتي تُشدّد على أن الإنسان المعرّض للخطر في بلده والذي يلجأ إلى أي دولة يتمتع بحق وحيد وهو عدم الترحيل، مروراً باتفاقية مناهضة التعذيب التي تمنع الدول من ترحيل شخص معرّض للخطر في بلده، على أن يعود تقييم المخاطر للقضاء، وصولاً إلى اتفاقية مكافحة الإخفاء القسري.
من جهة أخرى، يرى الأستاذ في القانون الدولي البروفسور أنطونيوس أبو كسم أن "الأخطر يكمن في التعاطي خارج أطر القانون الدولي مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وخارج نطاق النظام القانوني اللبناني. إذ إن لبنان كان قد أبرم مذكرة تفاهم مع مفوضية اللاجئين سنة 2003 اقترنت بموافقة مجلس الوزراء وتمّ نشرها في الجريدة الرسمية".
ويضيف في حديث سابق للزميلة كلوديت سركيس أن "هذه الاتفاقية تنصّ صراحة على أن لبنان لا يشكّل بلد ملجأٍ لأيّ طالب لجوء، ولا يستطيع إعطاء حقّ الملجأ إلّا بشكل موقت، على أن تتعهّد المفوضية بنقل طالبي الملجأ إلى بلد آخر خلال سنة كأقصى حدّ". وسأل: "لماذا لا تلجأ الدولة اللبنانية إلى إنفاذ هذه الاتفاقية الثنائية؟ فحريٌّ بالدولة اللبنانيّة ومفوضية اللاجئين التقيّد بتطبيق هذه الاتفاقية النافذة والواجبة التطبيق بمطالبة هذه المفوّضية تنفيذ موجب نقل كافّة طالبي حقّ الملجأ إلى دولٍ أخرى وليس دعمهم بغية اندماجهم في المجتمع اللبناني وتوطينهم خلافاً للدستور اللبناني".
في المحصّلة، يجد اللاجئون السوريون، والمعارضون لنظام بشار الأسد بشكل خاص، أنفسهم أمام خطر العودة إلى سجونه، دون أن تتحرّك أي جهة رسمية محلية أو دولية لردع السلطات اللبنانية عن اتخاذ القرارات العشوائية، وكما كانوا ضحية لتآمر دولي أبقى الأسد وقضى على ثورتهم، يجدون أنفسهم اليوم أيضاً ضحية جديدة للتآمر الدولي نفسه، والنظام الذي أرادوا إسقاطه.