دينامية جديدة بدأت تحكم ملف اللاجئين السوريين مع نهاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، علماً أن المكلّف بهذا الملف وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، كان سبق له أن وضع خطّة، لم يرَ رئيس الجمهورية آنذاك "إنّو وقتا"، وطلب الوزير هيكتور حجار تحديد المرجعيّة الوزارية الأولى المعنيّة بهذا الأمر، ممّا دفع شرف الدين إلى مغادرة جلسة مجلس الوزراء التي كانت منعقدة في قصر بعبدا فتبعه الوزير جورج كلاس محاولاً تهدئته لكن شرف الدين بقي مصرّاً على المغادرة.
اليوم، يعود ملف اللاجئين السوريين ليوضع على نار حامية. وفي السياق، يعتبر شرف الدين في حديثه لـ"النهار" أن الموضوع وطنيّ وإنسانيّ بامتياز، ومؤخّراً لاحظنا حجم تداعياته الكبير على الوضع الاقتصادي السّيّئ. ويقول: "40% من تبعات الانهيار ناجمة عن سياسة الدّعم، وأعباء اللجوء السوري إلى لبنان تقدّر بنحو 30 مليار دولار على مدى 11 عاماً، وهذا رقم صعب في ظلّ وضعنا الاقتصادي المتردّي".
ويشدّد على "ضرورة تحقيق عودة آمنة وكريمة بالتنسيق مع الدولة السورية"، معلناً أن "تجاوب سوريا في هذا الموضوع كان أساسياً ومحفّزاً لتحريك الملف، إضافة إلى وصول رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة كاملة إلى قناعة بضرورة البدء بمعالجة أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان".
ويوضح شرف الدين بأن "هناك نحو 880 ألف شخص مسجّلين في مفوضية شؤون اللاجئين؛ وهذا العدد، إضافة إلى المساعدات المادية والطبية والاستشفائيّة لهؤلاء، يُشكّل عاملاً غير مساعد لعودتهم. كذلك هناك نحو 400 ألف من العمّال السوريين كانوا موجودين سابقاً، ناهيك بمن يدخلون ويخرجون عبر الحدود بشكل غير شرعيّ، ممّا أوصل عدد اللاجئين السوريين في لبنان إلى نحو مليون ونصف لاجئ، هم بحاجة يومياً لخبز ومياه وبنى تحتية واستهلاك للكهرباء والموادّ الغذائية، الأمر الذي يؤثر على الوضع الاقتصادي بشكل سلبيّ".
شرف الدين كان قد اقترح ترحيل نحو 15 ألف لاجئ شهرياً من لبنان. ورداً على سؤال عن مقارنة هذا العدد بحجم الموجودين في لبنان وما يمكن أن يتركه من تأثير إيجابي، يقول: "إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع. ترحيل 15 ألف لاجئ شهرياً يعني 180 ألف لاجئ سنوياً، هو أفضل من البقاء مكتوفي الأيدي. كذلك نحن نتحدّث عن عودة كريمة وآمنة، ولا نتحدّث عن منطقة عازلة على الحدود، تلقي بأعباء ثقيلة على الدولتين اللبنانية والسورية".
ويضيف: "قريباً سأزور سوريا، وإذا تبيّن لي أن الدولة السورية لديها القدرة على إعادة عدد أكبر من 15 ألف لاجئ شهرياً فسيشكّل هذا الأمر مكسباً إيجابياً للبنان. التحاور مع السوريين في هذا الموضوع كان أمراً إيجابياً. وفتحنا باباً للحوار أيضاً بين وزير الشؤون الاجتماعيّة ومفوّضيّة اللاجئين لطرح مطالبنا والاستماع إلى شروطهم للتفاوض حولها مع السوريين. وقطعنا شوطاً مهماً، لكن للأسف قرار مفوضية شؤون اللاجئين لدى الدول المانحة، وهذا يعني أننا نتحدث على خلفيّة سياسيّة لمقاربة الموضوع. لكن مهمّتي كدولة لبنانية فصل الموضوع الإنساني عن السياسيّ".
وعن الثقة بالنظام السوري، يقول وزير المهجرين: "أملك وثائق خطيّة. هناك عفو عام حتى على من حملوا السلاح وهم بالآلاف. ولا داعي لأيّ شخص معارض، إذا قرّر وقف نشاطه السلبيّ، أن يوقّع أيّ تعهّد، ويستطيع العودة إلى سوريا بأمان".
وفي السياق، ينفي ما تقوله مفوضية الشؤون عن تعرّض لاجئين معارضين للتعذيب لدى عودتهم، ويقول: "عاد إلى سوريا نحو 87 ألف شخص، تمّ توقيف 34 شخصاً من بينهم فقط، والتوقيف كان بسبب دعاوى مدنيّة أو قضائيّة، وليس بسبب موضوع أمني".
ويتابع: "نحن نهدف إلى إعادة اللاجئين، أما من يملكون موضوعاً سياسياً فقد تمنّيت على مفوضية شؤون اللاجئين أن تمنح هؤلاء امتيازات وتأشيرات هجرة إلى دولة ثالثة، فكان جوابهم أنّهم أّمّنوا 9 آلاف تأشيرة، غادر منهم 5 آلاف، وهناك 4 آلاف سيغادرون. لكن جوابي كان أن هذا العدد لا يكفي بل يجب أن تتمّ مضاعفته أضعافاً". وأضاف: "نصيحتي للمعارضين السوريين بالجلوس مع الدولة السورية على طاولة واحدة لتدوير الزوايا وحلّ المشكلة".
وعن إمكانية تراجع الدولة اللبنانية عن طرح ملف اللاجئين إذا تلقت مخصّصات ماليّة كبيرة، يقول شرف الدين: "هذه خيانة، نحن لا نقوم بصفقة تجاريّة. حقّ لبنان بالأساس أن يدفع له المجتمع الدولي مليارات الدولارات. أعباء لبنان نتيجة اللجوء السوري وصلت على مدى 11 سنة إلى 30 مليار دولار، ومن يتنطحون ويتشدّقون للقول إن لبنان حصل على مبلغ 6 أو 7 مليارات دولار هو كلام غير صحيح. لم يتلقَّ لبنان الرسميّ دولاراً واحداً. الأموال وصلت عبر الـNGO’s والمنظّمات العالمية والمشاريع التي كانت تُنفّذ للمخيمات. لست في إطار الدفاع عن الدولة اللبنانية، لكن أعباء لبنان كبيرة وعلى المجتمع الدولي النظر بهذا الأمر".