عقب الإعلان عن رفض إسرائيل التعديلات اللبنانية على اتفاقية الترسيم الحدودي البحري، علّق الاعلام الإسرائيلي، معتبرا أن المسألة بأبعادها الحقيقية تتعلق بالانتخابات الإسرائيلية الداخلية.
وكتبت صحيفة "جيروزاليم بوست"، قائلة إنه "يمكن دائماً الحصول على صفقة أفضل. والسؤال هو ما إذا كانت الصفقة المطروحة على الطاولة تخدم مصالح البلاد على المدى الطويل، حتى لو لم تكن مثالية.
واعتبرت أن المعارضة ستدعي دائمًا أنه كان بإمكانها التفاوض على صفقة أفضل، مستشهدة بمذكرة التفاهم التي وقعت بين إسرائيل والولايات المتحدة في أيلول 2016، والتي تمنح واشنطن بموجبها تل أبيب مساعدات عسكرية تقدّر بـ38 مليار دولار على مدى عقد من الزمن.
ورأت الصحيفة أن صفقة لبنان مسيسة بشدة، واضعة الأمر ضمن الصراع الانتخابي، وقالت: حين أشاد رئيس الوزراء يائير لابيد وأنصاره بالصفقة، قال بنيامين نتنياهو وأنصاره إنها كانت استسلامًا تامًا للبنان وحزب الله. وما يزيد الأمور صعوبة هو التسريبات التي حصلت في الاعلام حول الخطوط العريضة للصفقة في حين بقيت التفاصيل الدقيقة مخفية عن الأنظار.
وبحسب تقارير صحفية، تنازلت إسرائيل عن بعض ما زعمت أنه مياهها الإقليمية للبنان حتى يتمكن اللبنانيون من التنقيب عن حقل قانا الغازي ومن ثم استغلاله. في المقابل، ووفقًا للتقارير، ستحصل إسرائيل على نسبة مئوية من الضرائب من هذا المجال، على الرغم من عدم الكشف عن النسبة الدقيقة.
وكشفت الصحيفة عن نقاش سياسي مرير يدور في اسرائيل بشأن قضية الترسيم، إذ عقب إعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد، رفضه التغييرات التي أراد اللبنانيون إدخالها في الاتفاق، رغم أن الجمهور ليس لديه فكرة عن ماهية هذه التغييرات، اتهمه نتنياهو بأنه باع المصالح الإسرائيلية لحزب الله، فردّ لبيد على الاتهام بآخر، متهماً نتنياهو بأنه يغذي دعاية حزب الله.
بعبارة أخرى، تحولت مسألة الترسيم مع لبنان من قضية استراتيجية طويلة الأمد إلى قضية سياسية قصيرة الأمد، مما طرح تساؤلات حول إمكانية أن يقوم لابيد بالضغط لاتمام هذه الصفقة قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات.
وأضافت الصحيفة: "لقد أوضحت الولايات المتحدة أن لديها مصلحة في أن يتم تنفيذ الاتفاق، وقد مارست ضغوطًا على إسرائيل في هذا الاطار. ولا يقتصر اهتمام أميركا على محاولة دعم لبنان فحسب، بل أيضًا في محاولة العثور على موارد طاقة بديلة لأوروبا، التي تسعى بشدة إلى مصادر طاقة جديدة بعد أن توقف الروس عن ضخ احتياجاتها من الطاقة.
بالنسبة لواشنطن، فإن هذا الاتفاق لا يصب في مصلحة لبنان وإسرائيل فحسب، بل الولايات المتحدة أيضًا. على هذا النحو، تقول "جيروزاليم بوست": "يجب على إسرائيل أن تسأل نفسها ما إذا كانت تريد أن تقول لا لأهم حليف لها في قضية اقتصادية أكثر منها أمنية، في وقت لا تزال المفاوضات جارية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، والتوترات تتصاعد مع الفلسطينيين".
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للصفقة تداعيات إقليمية إيجابية بعيدة المدى. على سبيل المثال، إذا تم تطوير حقل قانا، فسيقلل احتمال استهداف حزب الله لمواقع الغاز البحرية الإسرائيلية في المستقبل، كما هدد في الماضي.
ثانيًا، في حين أن هذه الصفقة على بعد سنوات ضوئية من أي نوع من معاهدة أو اتفاق تطبيع مع لبنان، فإنها ستوفر للبنان حافزًا أقوى مما هو عليه الآن لضمان بقاء الحدود مع إسرائيل هادئة.
وثالثاً، كلما أصبح لبنان أقوى اقتصادياً، قل اعتماده على إيران. بهذا المعنى، تبدو اتفاقية الترسيم جديرة بالاهتمام من وجهة نظر استراتيجية طويلة المدى، حتى لو كانت تعني دفع ثمن اقتصادي.
وفي مقال آخر، تقول "جيروزاليم بوست": "الصفقة البحرية الإسرائيلية اللبنانية في مصلحة البلدين. لدى إسرائيل الكثير لتكسبه من المحادثات الحالية. لكن هذا لا يعني أن عليها أن تعقد صفقة بأي ثمن. يبدو أن لبنان يدفع باتجاه إجراء تغييرات في اللحظة الأخيرة على الاتفاق.
واعتبرت ان الانتخابات الإسرائيلية لها تأثير كبير على الصفقة اللبنانية، إذ هي معلقة على المناقشات الحالية.
وشددت على أنه يجب على إسرائيل أن تحرص على عدم خلق وضع تتنازل فيه أكثر من اللازم ثم تتراجع الإدارة التالية عن الخط وتخلق صراعاً محتملاً.
من جهتها، كتبت "تايمز أوف إسرائيل" أن لبنان يبدو متمسكاً بموقفه بشأن الاتفاق البحري على رغم ما تردد من وجود ضغوط أميركية من إدارة الرئيس جو بايدن للتخلي عن بعض مطالبه. ووفقًا لإذاعة "كان" العامة، كانت إدارة بايدن تضغط على لبنان للتخلي عن بعض مطالبه حيث ظل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على اتصال مباشر مع الجانبين.
الاستنفار العسكري
وفيما تستعد إسرائيل لمواجهة محتملة مع حزب الله بعد رفض المطالب المتزايدة من لبنان في محادثات الحدود البحرية، رأى المحللون العسكريون في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، أن إعلان إسرائيل على لسان وزير الأمن، بيني غانتس، أمس، أنه أوعز للجيش بالاستعداد لتصعيد محتمل ضد الحزب، يأتي في إطار المفاوضات ومن أجل أن تحصل إسرائيل على اتفاق أفضل.
وأشار المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يكن بحاجة إلى إعلان غانتس، "فقد وضع الجيش إنذارا إستراتيجيا بشأن احتمال التدهور إلى حرب في الشمال منذ أربعة أشهر، إثر تقدم المفاوضات مقابل لبنان حول منصات الغاز، وهو في حالة تأهب مرتفعة في مجمل الأجهزة ذات العلاقة، الاستخبارات وسلاح الجو وسلاح البحرية وقيادة المنطقة الشمالية، منذ فترة طويلة، ولم يتم رفع حالة التأهب هذه، أمس، في أعقاب الإعلان".
وأضاف يهوشواع أنه "بالإمكان النظر إلى هذا الإعلان كأمر برفع آخر للتأهب استعدادا لمواجهة محتملة مقابل حزب الله، ولكنه أيضا جزء من المفاوضات التي تجريها إسرائيل مقابل حزب الله من أجل الحصول على اتفاق أفضل، والتلميح للجانب الآخر بالطبع، عن الجهوزية لاحتمال خطوة هجومية من جانبه".
ولفت يهوشواع إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، تغيب بشكل غير مألوف، أمس، عن مراسم إحياء ذكرى الجنود الإسرائيليين القتلى في حرب تشرين أول العام 1973، وأنه تواجد في مداولات تقييم الوضع بشأن التطورات مقابل لبنان وسبل العمل حيالها.
إلا أنه ليس متوقعا حدوث تدهور أمني في الوقت القريب، إذ أبلغ الجيش رؤساء السلطات المحلية في شمال إسرائيل بمواصلة الحفاظ على مجرى الحياة الاعتيادية وأنه "لا توجد تعليمات جديدة"، مع اقتراب عيد المظلة اليهودي، الذي يبدأ بعد غد ويستمر لأسبوع كامل ويتوقع أن يتنزه عشرات آلاف الإسرائيليين في المنطقة الشمالية.
وبحسب يهوشواع، فإن "المشكلة الإسرائيلية هي أن المبادرة انتقلت بكاملها إلى الجانب الآخر، في شروط المفاوضات التي بموجبها تطلع إسرائيل كل صباح بواسطة الصحافة اللبنانية على مدى تشدد الموقف، وكذلك في موضوع المبادرة العسكرية الموجودة بأيدي حزب الله، الذي من شأنه أن يقرر إذا كان، ومتى، وبأي شكل سيرد وينفذ تهديداته".
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أنه في أعقاب تقديم الوسيط الأميركي، آموس هوكشتاين، مسودة الاتفاق، قبل أسبوع، كانت الأمور تبدو مختلفة، وردود الفعل في كلا الجانبين إيجابية. "لكن عندها، بدأت الأمور تتعقد. فقد هاجم رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، الحكومة بشدة، بادعاء استسلامها للبنان وحزب الله".
وأضاف: "أن رئيس الحكومة، يائير لابيد، بات متوترا على ما يبدو، واستدرج إلى سجال لا ضرورة له مع حزب الليكود. وبدلا من محاولة إزالة الخلافات من الأجندة، بالغ لابيد ومستشاروه في خطاب حماسي، ووصف الاتفاق بأنه إستراتيجي، وتشبيهه باتفاقيات أبراهام، ومناكفة نتنياهو بأنه لم ينجح طوال عشر سنوات في تحقيق ما حققه لابيد خلال شهرين".
وتابع هرئيل أن الحكومة الإسرائيلية تعاملت مع مسودة الاتفاق "ببرودة أعصاب وموضوعية، وقررت تقديم تنازلات مالية بهدف إخراج حقول الغاز وسحب ذريعة مركزية لتصعيد محتمل من حزب الله من معادلة المواجهة. إلا أن الصفقة لم تُبرم حتى النهاية، لا داخليا ولا خارجيا. واتضح للابيد وغانتس أن عملية المصادقة على الاتفاق قد تطول أكثر مما اعتقدا وأنه لا يزال بإمكان معارضيهما عرقلة الاتفاق بواسطة تقديم التماسات إلى المحكمة العليا".
ورأى أنه "على هذه الخلفية تراجعت الحكومة، أو أنها تظاهرت بأنها انسحبت من الاتفاق". وأشار هرئيل إلى أنه "يبدو حاليا أن احتمالات توقيع الاتفاق والمصادقة عليه قبل انتخابات الكنيست (مطلع الشهر المقبل) تراجعت بشكل كبير. ومن السابق لأوانه التحدث عن حرب، فهذه لا تبدو كمصلحة لأي من الجانبين، لكن لا شك في أن مستوى التوتر ارتفع والجيش الإسرائيلي يستعد بجدية لاحتمال استفزاز آخر من جانب حزب الله قرب المنصة".
ورجح المحلل العسكري في "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، أن الإدارة الأميركية وجهات أخرى ستبذل جهدا في الأيام القريبة المقبلة من أجل إنقاذ الاتفاق، وأن ثمة سببين ملحين لذلك. الأول يتعلق بـ"الفوضى السياسية" في إسرائيل، إذ ليس واضحا متى وكيف ستنتهي جولات الانتخابات، وكذلك في لبنان، حيث ليس واضحا إذا كانت ومتى ستنجح بانتخاب خلفا للرئيس ميشال عون. والسبب الثاني أمني، ويتعلق بالتخوف من أن عدم وجود اتفاق سيقود لتصعيد عسكري.
واعتبر ليمور أن إعلان غانتس، أمس، يهدف إلى إرسال رسالة ردع للبنان ولحزب الله بأن إسرائيل لا تخشى الحرب.
إلى ذلك، ذكرت "إسرائيل اليوم" أن تل أبيب تستعد لإجراء اختبار على ضخ الغاز من كاريش قريبا جدا وربما بداية الأسبوع المقبل.