صحيح أن الزلزال الرهيب ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط الحالي، ولكن تردّداته المأساوية يعيشها لبنان مع استذكار زلزال عام 1956 بنتائجه الكارثية .
لكن بعد ذلك الزلزال ظهر ما يُعرف ببيوت التعمير أي تلك التي بُنيت على أراضي شاغلي العقارات التي دُمّرت أو على عقارات الغير، فهل تم حل تلك القضية المزمنة .
منتصف آذار عام 1956 ضرب لبنان زلزال مدمر سقط بنتيجته عشرات الضحايا في أكثر من 30 مدينة و بلدة وقرية وخصوصاً في الشوف وصولاً الى الساحل وصيدا. حينها أنشئت المصلحة الوطنية للتعمير في لبنان لمتابعة معالجة آثار الزلزال وإعادة بناء المنازل في مكانها، ولكن بعد 11 عاماً ألغيت المصلحة في موازاة إبقاء الرسوم التي فُرضت على اللبنانيين كضريبة قدرها 3 في المئة طالت ضريبة الدخل وضريبة الأملاك المبنية وحتى تسجيل السيارات والدخول الى سباق الخيل وغيرها، التي استمرت لنحو 4 عقود الى أن ألغتها وزارة المال عام 1992.
لكن المعضلة كانت في قوننة أوضاع العقارات بعد إعادة إعمارها.
والإشكالية الأخرى تكمن بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في بناء المنازل على أراضٍ تابعة للدولة، وكان الإشكال في قوننة تلك المنشآت والعقارات، ثم انتقل ذلك الملف الى المؤسسة العامة للإسكان بعدما باتت المصلحة العامة للتعمير ضمن ملاكها.
وأثيرت القضيّة أيضاً من باب الخلافات بين شاغلي العقارات بسبب تدني أسعار تلك العقارات.
أحد الموظفين الذين تابعوا الملف في المؤسسة العامة للإسكان يؤكد لـ"النهار" أن الإشكالية كانت بسبب وفاة من بنى تلك البيوت وكذلك إشغالها من قبل الغير ما عقّد عملية الضم والفرز، ولم تتغير الحال سوى بعد إقرار قانون في مجلس النواب بعد نحو 60 عاماً من وقوع الزلزال.
إقرار قانون عام 2017
بعد انتظار لأكثر من 6 عقود، أقر مجلس النواب في تشرين الأول عام 2017 اقتراح القانون المعجل المكرر المقدّم من النائبة حينها بهية الحريري الذي يسمح بفرز عقارات أنشئت عليها أبنية مخالفة بعد زلزال عام1956 ، ما يسمح بتمليك العقارات لشاغليها التي شيّدتها المصلحة الوطنية للتعمير آنذاك (والملغاة لاحقاً) لمهجري صيدا القديمة والمناطق المتضررة من الزلزال وعددها نحو 1200 وحدة سكنية موزعة بين التعمير التحتاني والأوسط ومنطقة الفيلات، لكن العدد تضاعف على مدى ستة عقود من جراء المخالفات التي أضيفت إلى هذه البيوت الى أكثر من 2600 وحدة سكنية، لذلك لحظ التعديل الجديد على القانون فتح الباب أمام إمكانية فرز العقارات المخالفة وتسوية أوضاعها.
وبعد نحو عامين من إقرار القانون استطاعت 3400 عائلة الحصول على سندات التمليك في مباني التعمير، وهي سندات باسم المؤسسة العامة للإسكان وتم تحويل الملكيات لأفرادها معفاة من كل الضرائب والرسوم.
الأمر لم يقتصر على صيدا بل انسحب الى قرى وبلدات مجاورة سبق أن تضرّرت من زلزال عام 1956، وبعد أكثر من نصف قرن من الانتظار تمكنت نحو 40 عائلة عام 2022 في بلدة مغدوشة (الزهراني) من تملك المنازل التي تقيم فيها بعد الزلزال وذلك بعد تسوية أوضاعها القانونية .
إلا أن هناك بعض العقارات التي لا تزال أوضاعها القانونية قيد المعالجة ولا سيما تلك التي يشغلها غير اللبنانيين وخصوصاً بعد موجة اللجوء الفلسطيني الثانية التي تلت زلزال عام 1956 بـ11 عاماً، أي بعد نكسة عام 1967 .
لكن طريقة تعاطي الدولة عبر مؤسساتها لأكثر من 6 عقود تطرح التساؤلات عن طبيعة التعاطي المستقبلي إذا ما وقعت – لا سمح الله – كارثة مشابهة، وإن كانت الدولة في تلك العقود تتميّز بالاستقرار المالي والسياسي وانتظرت كل تلك الفترة، فما هي الحال مع دولة تترهّل كل يوم وليس في خزينتها "فلس واحد".