النهار

الفراغ أفضل من مرشّح "حزب الله"؟
نصرالله.
A+   A-
وضع ثنائيّ "حزب الله" وحركة "أمل" اللبنانيّين أمام معادلة وحيدة في المدى المنظور، سليمان فرنجيّة أو الفراغ، بعد جرعة الدعم المباشر التي منحاها لرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجيّة في الأيام الأخيرة، وهو دعم يحمل في طيّاته دلالات ورسائل عديدة، ويُشير إلى أنّ البلاد مقبلة على فترة فراغ طويلة، لأنّ مرشّح الثنائيّ الشيعيّ لا يحظى بالإجماعَين الوطنيّ والمسيحيّ، وعقبات عديدة تحول دون وصوله إلى رئاسة الجمهورية.

معلوم أنّ "حزب الله" لا يعلن هدفاً إلّا ويضع نجاحه نصب عينيه، وهو في العادة لا يُناور ولا يدخل في لعبة حرق الأسماء، ما يعني أنّ الحزب، والقيادة الإيرانية من خلفه، اتّخذا قرار التصعيد ورفع السقوف، وسيكون هناك توجّهات عدّة بعد الإعلان رسميّاً عن هذا الترشيح، إمّا معادلة "الرئاسة مقابل الحكومة"، أو التراجع عن هذا الدعم لصالح شخصية تسوويّة. لكنّ لهذا التوجّه أكلافاً باهظة على الفريق المعارض واللبنانيين، أو الذهاب إلى معادلة "فرنجية أو الفراغ"، مع ما تنتجه من فوضى وسيناريوات مفتوحة على أسوأ الاحتمالات.
 
أيّ خيار أفضل، فرنجيّة أو الفراغ؟
 
معادلة "فرنجيّة أو الفراغ"، تعيد ذاكرة اللبنانيين إلى أخريين مشابهتين في التاريخ، "مخايل الضاهر أو الفوضى" التي طرحت عام 1988، ومعادلة "ميشال عون أو الفوضى" عام 2014. حينها عاش لبنان شغوراً لأكثر من سنتين، تكلّل بانتخاب عون للرئاسة.
 
انتُخب "الجنرال" رئيساً على اعتبار أنّه سيُخرج لبنان من دوّامة الفوضى، وسيعيد البلاد إلى المسلك الدستوري، كما سيطرح الملفات الخلافية على الطاولة على أساس أنّه رئيس "مطمئن" لـ"حزب الله"، وخارج من رحمه، لكنّ البلاد سلكت طريقاً آخر، استشرت فيها الفوضى السياسية والقضائية والأمنية، وحصل الانهيار الماليّ الذي كان مرتقباً منذ العام 2015، وساهم سوء الإدارة بتعميق حجم الأزمة، لدرجة بات فيها اللبنانيون يردّدون، الفراغ كان أفضل من عهد عون.

العودة إلى عهد عون هدفه التذكير بنتائج التسويات التي يفرضها "حزب الله" من خلال معادلاته، فعهد فرنجية لن يكون أفضل حالاً من عهد سلفه، لا بل على العكس، سيكون استمراراً لإدارة سياسية فاشلة داخلياً، عزلت لبنان عن العالمين العربيّ والدوليّ، علماً أنّ فرنجية ليس شخصية جامعةً، لا وطنياً ولا مسيحياً.

مزيد من الانهيار في حال وصول فرنجيّة
عضو مجلس رفع الاحتلال الإيرانيّ عن لبنان، الناشط السياسي أمين بشير، يُشير إلى أنّ "مشكلة لبنان لا تكمن في انتخابات رئاسة الجمهورية، بل تتعدّاها، وهي مشكلة بنيوية مرتبطة بعدم تنفيذ الإصلاحات والقرارات الدولية، كما بسيطرة "حزب لله" على قرار البلد وحدوده وكلّ مفاصله، وبالتالي انتخاب رئيس من عدمه لن يحلّ المشكلة".

وفي حديث لـ"النهار"، يرى أنّ "اللبنانيين يقعون بين فكّي كماشة الفراغ أو فرنجيّة، واستمرار الفراغ أفضل من وصول مرشّح تابع لـ"حزب الله"، لكن في الوقت نفسه، إنّ الحزب يستفيد من الفوضى الحاصلة، لأنه وجماعته بمنأى عن تبعات الانهيار، وذلك بسبب التحصينات التي قام بها، من خلال مؤسساته الأمنية، المالية، القضائية وغيرها، بالإضافة إلى العقيدة الدينية التي تخوّله السيطرة على جمهوره".

ويلفت بشير إلى الدعاية السياسية التي يخضوها الحزب تسويقاً لفرنجيّة، وينقل عنهم قولهم إنّ "رئيس تيار "المردة" قادر على حلحلة قضايا مصيرية، كمحاورة سوريا في شأن النازحين السوريين، أو حتى ترسيم الحدود"، لكنّه يعود ويذكّر بالدعاية نفسها التي نظّمها الحزب تسويقاً لميشال عون، الذي لم يُنجز ملفاً واحداً، علماً أنّه كان قادراً على تقديم ما لا يستطيع فرنجيّة تقديمه اليوم.

ويستطرد في هذا السياق ويتحدّث عن الشأن الداخليّ، ويقول إنّ "تجربة سليمان فرنجيّة ووزرائه في العمل العام والسياسة ليست مشجّعة، وهذا الفريق غير قادر على معالجة مشكلات البلد الأساسية، وسوء الإدارة نفسه سيستمرّ، والخروج عن القانون أيضاً، وبالتالي المزيد من الانهيار مرتقب في حال استلام فرنجية رئاسة الجمهورية".
 
ماذا يحصل في حال وصل فرنجيّة؟
أمّا وفي حال وصول فرنجية بعد الرضوخ إلى معادلة الحزب، خوفاً من الفراغ وتفشّي الفوضى أكثر، هنا يُبدي بشير قلقه من "سيطرة "حزب الله" على المؤسستين العصيّتين عليه حتى الحين، وهما مؤسسة الجيش، ومصرف لبنان"، ويعتبر أنّ الحزب يُريد إخضاع هاتين المؤسستين، كما نجح في إخضاع جزء من القضاء".

ويكشف بشير عن "معلومات تُفيد بحصول نقاش في السابق بين الفرنسيين والإيرانيين حول تسليم قيادة الجيش إلى الطائفة الشيعية، أو استحداث موقع نائب رئيس للجمهورية وإيلائه للطائفة نفسها، كضمانة لهذه الفئة بعد تسليمها سلاحها في المستقبل عاجلاً أم آجلاً"، ويعتبر أنّ الحملة على الجيش وقيادته تندرج في السياق نفسه.

أمّا بالنسبة إلى مصرف لبنان، فتخوّف بشير من السيناريو القائل إنّ "الثنائيّ الشيعيّ تخلّى عن موقع المدير العام للأمن العام ولم يضغط للتمديد لعباس إبراهيم، مقابل تولّي نائب حاكم مصرف لبنان، الشيعيّ، صلاحيات الحاكمية بعد انتهاء ولاية رياض سلامة، أي بعد أشهر"، وفي هذا إطباق للسيطرة على لبنان. 
 
فرنجيّة ليس إصلاحيّاً
المحلّل السياسيّ قاسم قصير يعتبر أنّ "فرنجيّة لا يمثّل مشروعاً إصلاحيّاً"، لكنّه يلفت إلى أنّ "المهمّ ليس شخص الرئيس، بل المشروع المتكامل"، وفي هذا الإطار، يُشير في حديث لـ"النهار" إلى أنّ "في حال كان ثمّة تسوية شاملة تتضمّن رؤية إنقاذيّة وتنفيذ خارطة طريق الإصلاح وتشكيل حكومة قادرة على الإصلاح، يصبح فرنجيّة أو أي رئيس مقبل جزءاً من العمليّة الإصلاحيّة".
 
في المحصّلة، فإنّ فرنجية لا يمثّل المشروع الوطنيّ الإصلاحيّ، والإدارة التي تسلّمت البلاد في السنوات الستّ السابقة، وبشكل خاصّ في فترة حكومة حسّان دياب، وفشلت في مختلف الامتحانات وهدرت مليارات الدولارات ووضعت مؤسسات الدولة تحت سلطة "حزب الله"، لن تكون الحلّ اليوم، ورغم مساوئ الفراغ والفوضى، لكنّها تبقى أقلّ وطأة من مساوئ وصول مرشّح المشروع الإيراني، لأنّ حال لبنان اليوم نتيجة أداء مرشّح مشروع إيرانيّ سابق، كان اسمه ميشال عون.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium