كما في آخر كلّ شهر تعلو الصرخات من فواتير الخدمات، خصوصاً تلك المتعلّقة بفواتير المولّدات، التي أضحت العبء الأكبر على المواطنين نتيجة ارتفاعاتها الكبيرة.
وإذا كان هناك تسليم بارتفاع أسعار المحروقات، خصوصاً المازوت منها، الذي تستعمله المولّدات في العادة، فإنّ الجشع والاحتكار والتمرّد على التسعيرات الرسمية، التي تلحظ في العادة أرباحاً جيّدة لأصحاب المولدات، أصبح سمة عامّة لأصحاب هذه المولّدات، وإن اختلفت النِسَبُ بين منطقة وأخرى، من دون تبرئة أيّ مجموعة على الإطلاق.
منذ أشهر، تبرز أزمة حقيقية في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة تحكّم مجموعة من هذه "المافيا" برقاب العباد، حيث فتحت ما يُمكن تسميته بدويلة المولّدات في هذه المنطقة المكتظّة.
إنّها مجموعة قليلة متّفقة على التحكّم بالمواطنين، وتفرض قوانينها على مناطق نفوذ ومحميّات، فلا يدخل أحدٌ إلى مربّع الآخر. هناك، يضع أصحاب النفوذ خطوط تماس كهربائيّة محميّة بعددٍ من الأتباع، الذين يتحوّلون إلى شبّيحة ومطلقي نار إذا تجرّأ أحد وقرّر تجاوز الخطّ المعتمد، لينتهي الأمر بصاحب المولد أو مجموعة المولّدات سلاطين على هذه البقعة فارضين قوانينهم وتسعيراتهم المرتفعة بالدولار، حيث على المواطن أو قاطن المنطقة القبول أو العيش من دون كهرباء، بعد حرمان الناس من المنافسة أو الحلول الأخرى.
هذا الأمر دفع الناس إلى السؤال عن دور "حزب الله"، خصوصاً أن سكّان الضاحية هم بيئته وحاضنته الشعبيّة الأساسيّة والكبرى، بالإضافة إلى أن السلطات المحليّة في الضاحية جميعها بيده، إن كان عبر اتحاد بلديات الضاحية، أو عبر المجموعات الأمنية المنظّمة الموجودة للحماية؛ وهنا ترافق السؤال مع أخبار بدأت تنتشر عن حماية يؤمّنها الحزب لأصحاب هذه المولّدات، وتُفصّل لك الأسماء...على سبيل المثال: إن اشتراك هذا الشارع تابع للمسؤول "ا.م" القيادي في حزب الله، أما الحيّ الآخر فمشغّل المولّد أحد الأشخاص الأمنيّين في الحزب.
هذا الوضع المتفاقم، والمشار إليه، دفع منذ أشهر قليلة إلى تحرّك لافت، يكاد يكون الأول من نوعه، تمثّل بتظاهرة نسائيّة بوجه مسؤول اللجنة الأمنية في الضاحية "علي أيوب، الذي تمّ اتّهامه باقتراف تجاوزات، إثر اشتباكات مسلّحة في المنطقة بين عشيرة آل المقداد وآخرين من أصحاب مولّدات الكهرباء، قيل إنّهم من مناصري أيوب، قبل أن يتولّى الأخير مهمّة فضّ الخلاف بين الطرفين.
كذلك صدرت بيانات عدّة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو قيادة الحزب إلى التدخل والسيطرة على المولّدات وإدارتها وتخليص الناس من العصابات المتحكّمة بالرقاب، كان أبرزها ما وقّع باسم "شباب الضاحية الجنوبية الغيارى" وجاء فيه: "إن الضاحية الجنوبية التي وصف سيّد المقاومة شعبها بالشريف لم ولن تكون تحت رحمة قطاع الطرق والمافيات والخوات، وجمهوريات المولّدات؛ وإن البلطجة العلنية التي تحصل بين المسلّحين التابعين لهذه المافيا لن تلوي ذراع الأوفياء ليستسلموا للجبناء الذين يعتدون على أهل الضاحية. ونقول لقيادة حزب الله اضربوا بيد من حديد، واضغطوا على الأجهزة الأمنية كي ترمي بالمعتدين في سجون التأديب لعلّهم يرشدون".
ومنذ مدة قصيرة، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صورة تجمع رئيس وحدة الأمن والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا بأحد كبار مالكي المولدات في الضاحية من آل المقداد، ممّا أثار ردود فعل غاضبة، وهناك من فهمها على أنّها رسالة دعم وتغطية لهذا الشّخص، بالرّغم من الاعتراضات الكبيرة عليه.
هذا غيض من فيض، إذ إن الداخل إلى الأحياء يسمع كلاماً أكبر بكثير، ويُعاين امتعاض الأهالي من الشعارات، التي تركّز "على البطولات والكرامات". وفي هذا السياق يسألون أين أصبحت الكرامة وسط هذا الذلّ، ممّن يفترض أن يكونوا حماة للأهالي؟ وأين الحدّ الأدنى من مقوّمات الصمود؟ وأين هي حصانة المجتمع من الجشعين والعابثين بأمن المواطن وعيشه؟
ويؤكّد الناس أنّ المقاومة الحقيقيّة تكون بمكافحة العابثين بأمن المجتمع، والآخرين السّارقين لأموال النّاس والمغطّين لسارقي العصر.
لكن في مقابل رواية الناقمين على الوضع الكهربائي في الضاحية، ثمة مقاربة أخرى لدى المقرّبين من "حزب الله"، تبدأ بالنفي المطلق لأيّ حماية أو تغطية يقوم بها الحزب لأصحاب المولّدات ومخالفاتهم، ويؤكدون أن مخالفات أصحاب المولّدات لا تقتصر فقط على الضاحية الجنوبيّة بل هي منتشرة على جميع الأراضي اللبنانية، فهل سأل أحدٌ عمّا يجري في طرابلس مثلاً، وعن تحكّم أصحاب المولّدات في الأشرفية، وعن الذين يفرضون أرقاماً هائلة بالدولار الأميركي مع خدمة ساعات قليلة جداً؟!
ويضيفون: "إنه من غير الصحيح أن هناك مسؤولين يمتلكون مولّدات كهربائية. أما إذا كان بعض الشبان المؤيّدين يعملون مع أصحاب المولّدات فهذا لا يعني أن الحزب يغطّيهم، فسكان الضاحية هم بأغلبيّتهم السّاحقة من المؤيّدين للحزب، لكن هذا لا يعني أن الحزب مسؤول عن أيّ عمل يقوم به أيّ فرد من سكّان الضاحية".
ويلفتون إلى أن اتحاد بلديات الضاحية يحاول القيام بدوره، ويحاول الضغط في أكثر من اتجاه؛ وهو نجح في كثير من الأماكن، بل فرض على الأغلبية الالتزام بالعدادات، لكن تبقى الإشكالية بغياب الكهرباء نهائياً عن هذه المناطق، ويبقى الأمر للدولة التي جعلت الناس فريسة لهؤلاء من دون حلول.
وعن الدولة أيضاً يسألون؛ أما حان الوقت لتدخّل وزارة الاقتصاد والقوى الأمنية مع هؤلاء النّاس؟! والحجة المعروفة أنهم محميّون، والمناطق مقفلة وغيرها من الأحاديث، وهنا يكمن السؤال: "هل حاولوا ومنعهم أحد؟".
ويؤكّدون أن لا قدرة للبلديات على إدارة المولّدات، خصوصاً أنّها بحاجة إلى فريق بشريّ كبير، وليس من مهام الحزب إدارة مولّدات الأحياء والاختلاف مع الناس، خصوصاً أن لهذا الأمر حساسية من جهتين؛ أولاهما هي عدم رغبة الحزب في فتح إشكال مع عشائر وعائلات مسيطرة على هذا القطاع، ومعروف عن الحزب كيف يتعاطى بموضوع العشائر والعائلات وبأيّ دقة، بالإضافة إلى أن هناك شبكاتٍ أصحابُها ليسوا قريبين من الحزب، ولهم انتماءات أخرى، والدخول في هذه المعمعة يفتح أبواباً كبيرة يصعب إقفالها. ومن جهة ثانية، يتفادى الحزب أن يكون في مواجهة مواطنيه، نظراً إلى أن هذا القطاع شائك، وضبط الفاتورة أمر صعب ومعقّد، في ظلّ غلاء أسعار المحروقات والزيوت وتكلفة التشغيل.
وفي هذا الإطار، يشيرون إلى أن الحزب كان أوّل من طرح قرض الطاقة الشمسيّة عبر مؤسّسة "القرض الحسن"، وهو يقدّم تسهيلات كبيرة للحصول عليها، إضافة إلى مساعدات مالية تقدّم إلى النّاس تساعدهم في الاعتماد على الطاقة البديلة.
ولا ينكر المقرّبون اللقاءات التي تجمع مسؤولين من الحزب بأصحاب المولّدات رداً على صورة صفا - المقداد المنتشرة، بل يؤكّدون حصول لقاءات متواصلة لمحاولة التخفيف عن الناس قدر الإمكان، وإلا فما هو المطلوب منا؟ أإنزال المقاتلين بوجههم؟
يختم المقرّبون من "حزب الله" بالقول: "إن هذه المنطقة في صلب الدولة وتحت رعايتها، ولكن إذا بقي أهلها متروكين فمن الممكن أن يبدأ التفكير بحلول كاملة منفصلة عن إدارة الدولة المركزيّة، تخلّص الجميع من المولّدات وأصحابها، في تلميح إلى دراسة لمحطة كهرباء خاصّة".