عرفت الممارسة السياسية في لبنان هرطقات وبدعاً بسبب ممارسات المسؤولين عن الجمهورية البعيدة جداً عن ممارسات رجال الدولة. وكثيرة كانت الاستحقاقات السياسية التي تشوبها عقد ومطبّات، والتي شكلت القوانين مخرجاً لها عبر قراءات دستورية مختلفة. آخر هذه الاستحقاقات، ملف تشكيل الحكومة، والحائط المسدود الذي تؤول إليه عملية التأليف، جرّاء الشروط والأحكام التي تتحكم بمسار التأليف.
ومنذ توسّع نفق الأزمة، تردّد أن دوائر قصر بعبدا تفتّش عن صيغة معينة بهدف الضغط على الرئيس المكلّف، الذي، على ما يبدو، يراهن عليها لتمرير المرحلة إلى حين الانتهاء من الولاية الرئاسية.
ومن بين الأفكار التي تُطرح، انسحاب الوزراء المحسوبين على "التيار الوطني الحرّ" أو على رئيس الجمهورية أو استقالتهم من حكومة ميقاتي، في ظل حكومة تصريف الأعمال.
السؤال البديهي، هل يمكن لوزير في حكومة مستقيلة أن يستقيل؟
تفاوتت الآراء بين الخبراء القانونيين، بشأن هذا الأمر، وهو أمر اعتدنا عليه في لبنان.
بارود
وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، يعتبر في تصريح لـ"النهار" أن الاستقالة حق دستوري لكلّ وزير ولو كانت الحكومة مستقيلة. لا أحد يستطيع أن يربط الوزير بمبدأ حكومة تصريف الأعمال.
ويقول: "دستورياً القاعدة هي الحرية والاستثناء هو التقييد. الحكومة المستقيلة تستمر قائمة ولا تختفي ولا تنعدم عن الوجود، وتصبح حكومة تصريف أعمال، والمادة 64 من الدستور تقول إن "الحكومة المستقيلة او التي بحكم المستقيلة تمارس صلاحياتها بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال"، وهذا يعني انها تستمر قائمة ويعني أيضاً ان حق كل وزير بالاستقالة يبقى قائماً لأن لا نص يخالف هذا المبدأ في الدستور من جهة، والاستقالة حق دستوري من جهة أخرى، وبالتالي، لا تمييز بين حكومة قائمة بكل صلاحياتها وحكومة تصريف اعمال".
ويذكّر بارود بالجلسة الاستثنائية التي دعا إليها الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2013 والتي تم خلالها تعيين رئيس وأعضاء هيئة الإشراف على الانتخابات، سائلا: "ماذا لو استدعى أمر طارئ الرئيس ميقاتي الى طلب عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء وقرر أحد الوزراء عدم تلبية الدعوة او الاعتكاف مثلا، فماذا يمكنهم ان يفعلوا معه"؟.
من هنا، يرى بارود أن لكلّ وزير الحق بالاستقالة من حكومة تصريف الأعمال، لكن مفعول هذه الاستقالة هو الذي يحدث فرقا، ويكون على مستوى انعقاد مجلس الوزراء لجهة النصاب والتصويت، علما بأن لا شيء يمنع مجلس الوزراء من الانعقاد في ظل حكومة تصريف اعمال ضمن صلاحيات محصورة جدا، وأحيانا ببند وحيد. فالتأثير اذا على النصاب أو التصويت.
صفير
لا تتوافق قراءة بارود مع قراءة المحامي الدكتور أنطوان صفير الأستاذ في القانون الدولي، الذي يتحدث عن بدع تقوم بها الطبقة السياسية. ويؤكد لـ"النهار" أن لا استقالة من الاستقالة. فالحكومة هي أصلاً مستقيلة بحكم النص. وعندما تكون الحكومة مستقيلة يعني أن كل الوزراء مستقيلون.
ويضيف: "ما يمكن أن يحصل هو أن يتوقف وزير معيّن أو عدد من الوزراء عن تصريف الأعمال، وهذا يصبح من خارج نطاق عمل المؤسسات الدستورية. وبالتالي، في ظل الوضع الراهن والأزمة الخانقة في البلد، هل يجوز لوزير معيّن أن يتوقف عن تسيير شؤون وزارته وشؤون الناس، ومعلوم ان نطاق تصريف الأعمال ضيّق. فالمسؤولية معنوية".
ويشير صفير إلى أنّه في حال أصرّ أيّ وزير على عدم ممارسة تصريف الأعمال، عندها يمكن لرئيس الحكومة ان يعيّن بديلا منه بـالوكالة" كي لا يستمر عمل المؤسسات بحدّ تصريف الأعمال.
ويشدّد صفير على أنّ "الموضوع لا دخل له بالميثاقية. واستحضار الميثاقية في غير موقعه، لأن الحكومة فقدت مشروعيتها أصلاً أمام البرلمان، وباتت كلّها مستقيلة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن ميثاقية هنا حتى ولو أن عددا من الوزراء من لون واحد أصرّوا على عدم ممارسة تصريف الأعمال، فلا علاقة للميثاقية هنا".