عاد نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب وأثار ملف المفاوضات مع سوريا لترسيم الحدود الشمالية البحرية أمس، مع إعلانه وجوب تنظيم حوار "علنيّ ومباشر" مع الحكومة السورية بهدف إنجاز المشروع، توازياً مع المباحثات الجارية مع قبرص للهدف نفسه، بعد ترسيم الحدود جنوباً مع إسرائيل.
دعوة بو صعب جاءت بعد أسبوعين على رفض النظام السوري استقبال الوفد اللبناني الذي كان متوجّهاً إلى دمشق لبدء المفاوضات على إثر اتصال هاتفيّ تمّ بين الرئيس السوري بشّار الأسد والرئيس اللبناني السابق ميشال عون، في إشارة واضحة إلى أن سوريا ترفض فتح هذا الملف بالتحديد في الوقت الحالي، وتُنذر بأنّ سيناريو مشابه لسيناريو تحديد الحدود الجنوبية (القرى السبع) يطلّ برأسه مماطلة وتسويفاً.
مفاوضات صعبة مع النظام السوري
ليس من المتوقّع أن تكون المفاوضات سهلة مع النظام السوري، لا بل يرى متابعون أن الترسيم مع "الشقيقة" سيكون أصعب منه مع العدو "إسرائيل"، وذلك لجملة من الأسباب. فللنظام السوري أطماع في لبنان يُريد تحصيلها، وتتوزّع بين السياسة والجغرافيا، كما له أيضاً حلفاء ومعارضون في الداخل اللبناني، وقد ينعكس الملف خلافاً حاداً بين الطرفين، في حال قرّر المقرّبون من سوريا في لبنان مجاراة النظام والتساهل في الدفاع عن الحقوق، لأهداف سياسيّة.
العميد المتقاعد خليل الحلو، الذي اعتبر أنّ الحوار مع سوريا هو مفتاح الحلّ لإنجاز الترسيم، استغرب دعوة بو صعب في الوقت الحالي، فيما استمر عهد عون 6 سنوات، ولم يدعُ إلى هذا الحوار سابقاً، مع العلم أن العلاقة بين الطرفين جيدة". ورأى أنه "من المفترض أن ترعى روسيا الملف برمّته وليس الولايات المتحدة، لأن روسيا موجودة شمالاً من خلال خزانات النفط في طرابلس، ومباشرةً في طرطوس".
وفي حديث لـ"النهار"، ذكّر بأن "عون وتياره لم يناقشا النظام السوري بأيّ ملف مرتبط بلبنان منذ بداية العهد، مع الإشارة إلى أن القضايا الخلافيّة كثيرة، منها مزارع شبعا، والمعتقلون في السجون السورية، والمخفيّون قسراً منذ الحرب الأهلية".
لكنه استطرد في هذا السياق وقال: "المفاوضات مع سوريا لن تكون سهلة، وترسيم الحدود البرية جنوباً خير دليل، إذ عمر أزمة مزارع شبعا عقود ولا تقدّم بعد، كما أن سليمان فرنجية حليف وثيق للنظام في لبنان، وقد يرغب السوريون بإهداء إنجاز الترسيم شمالاً له"، مع تأكيد حلو أنّ السوريين لا يوزّعون الهدايا مجاناً.
دعوة بو صعب سياسية - إعلامية "وليست جدية"
وصنّف حلو دعوة بو صعب بأنها غير جديّة لأنها أتت عبر الإعلام، مشيراً إلى أن مساراً بروتوكوليّاً من المفترض اتباعه في هذا الإطار، يتمثّل بدعوة لجنة الأشغال والطاقة النيابية السفير السوري في لبنان للتواصل مع السلطات السورية لإطلاق الحوار، واللجوء إلى المحاكم الدولية في حال عدم الاتفاق".
وفي الختام، رأى الحلو أن حلفاء سوريا في لبنان الذين ينضوون تحت لواء فريق الممانعة سيفتقدون لجرأة التنازل لسوريا في هذا الملف، وذلك بعد الاتهامات التي واجهوها في الفترة السابقة، والتي تمحوّرت حول التنازل في المفاوضات مع إسرائيل والقبول بالخط 23 وليس 29، بمعزل عن رأيي في الموضوع برمّته.
مصادر متابعة تساءلت عن موقع بو صعب وصلاحيته للدعوة إلى حوار مع سوريا في هذا الخصوص، معتبرةً أن هذا الأمر يعود إلى رئيسي الجمهورية والحكومة، متمنيةً أن يتم استبداله بصاحب خبرة لإدارة الملف.
واعتبرت في حديث لـ"النهار" أن "السوريين "يتغنّجون" اليوم، و"يمكن عم يطنّشوا ليفركولنا مناخرينا" من خلال تأجيل الملف الذي قد يستمرّ طوال فترة الفراغ ولما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان".
النظام يرغب في "أكل" كل لبنان
ورأت أن "للنظام السوري رغبة في "أكل" لبنان كلّه بحراً وبراً، لكن الملف برمّته بيد الروس، ومن المفترض أن تبدأ المفاوضات، وفي حال لم يتم الاتفاق عندها يتم التوجّه نحو المحاكم الدولية للبتّ في النزاع".
طريق شاقة وصعبة ستكون بانتظار لبنان لترسيم حدوده البحرية مع سوريا، خصوصاً أن موقف السوريين واضح لجهة عدم الاستعجال في البتّ بالملف، والتريّث إلى أن يتمّ الانتهاء من ترتيب الأوراق في الداخل السوري بعد حسم الحرب، للتفرّغ للملف اللبناني وتحصيل المكتسبات كما وتصفية الحسابات.
وتبقى العين على حلفاء سوريا في لبنان وكيفية تعاطيهم مع هذا الملف الحساس، خصوصاً أن النظام السوري قد يعمد إلى استغلال علاقته الطيّبة بهم وسلطته على بعضهم واستثمارها، كما أن للاستحقاق الرئاسيّ وشكل السلطة المرتقبة في لبنان بعد إنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية دوراً في هذا الملف أيضاً.