النهار

سليمان فرنجيّة... سيرة الزعامة وكرسيّ بعبدا البعيد
المصدر: "النهار"
سليمان فرنجيّة... سيرة الزعامة وكرسيّ بعبدا البعيد
سليمان فرنجية مع زوجته ريما وابنه النائب طوني فرنجية.
A+   A-
سليمان بك، هو الاسم الأحبّ والأشهر، لسليمان طوني فرنجية رئيس تيار المردة، النائب والوزير السابق، الزعيم الماروني أو الشمالي، وسليل عائلة فرنجية الضاربة في تاريخ لبنان السياسي.
 
أضحت معارك رئاسة الجمهورية تشبه التقليد لدى عائلة فرنجية، فمن رجل الاستقلال الذي ترشّح عام 1952 قبل أن ينسحب بعد توافق رئاسي على كميل شمعون، إلى جدّه سليمان فرنجية الذي نجح في الفوز بالرئاسة بفارق صوت واحد عام 1970 على الياس سركيس، ليُعاد طرحه الى الرئاسة عام 1988 من دون أن ينجح في الوصول، الى سليمان الحفيد المرشّح "الطبيعي" في السنوات الماضي.
 
حميد فرنجية
 
يختلف سليمان الحفيد عن جدّه وشقيق جدّه ووالده من حيث دخوله معترك السياسة، فالزعامة او النيابة انتقلت من شقيق جدّه الى جدّه الى أبيه بطريقة التوارث الطبيعي السلس. أمّا سليمان الحفيد فكان طفلاً حين قُتل أفراد عائلته (والده ووالدته وشقيقته) في ما سمّي بـ"مجزرة إهدن".
 
سليمان فرنجية الجد وسليمان الحفيد. 
 
وسليمان المولود في العام 1965، نجا من المجزرة نتيجة وجوده في منزل جدّه الذي تتلمذ على يده قبل أن يرأس سليمان بك الشاب ابن الـ18 عاماً حركة "المردة" ويقصي عمّه. وبعد اتفاق الطائف، دخل العمل السياسي من الباب وأصبح وزيراً ثابتاً ونائباً منتخباً لأكثر من 20 عاماً.
 
بداية الأدوار في "المردة".
 
صور مركبة مع والدته وشقيقته اللتين قتلتا.
 
"شقيق بشّار الأسد الذي لم تلده أمه"، هذا الوصف يطلقه الكثيرون على سليمان فرنجية الذي يفاخر بعلاقته الشخصية والعائلية ببشّار الأسد، وهي علاقة بدأت بين العائلتين في عهد جدّه الرئيس سليمان، وحافظ الأسد.
 
مع بشار الأسد
 
قبل الصداقة مع بشّار الأسد، كان فرنجية صديقاً كبيراً لشقيقه باسل، وهي صداقة امتدّت من الجدّ الذي كان يصطحب حفيده سليمان في رحلات إلى دمشق لزيارة صديقه حافظ الأسد، وهناك كان الحفيد يقوم برحلات صيد مشتركة أيضاً مع الابن البكر للرئيس السوري بشّار.
 
فرنجية ونصرالله.
 
سليمان الذي كبر في كنف العلاقة مع آل الاسد حافظ على العلاقة التاريخية رغم تغيّر الظروف والسياسات، ولا زالت العلاقة مستمرة ومتينة الى الوقت الحاضر.
ومنذ دخوله معترك السياسة شغل فرنجية منصب وزير دولة عام 1990، ووزير الإسكان عام 1992، ووزير البلديات والشؤون القروية في العام نفسه، ووزير الصحة عام 1996، ووزير الزراعة عام 1998، ووزير الصحة العامة عام 2000 ثمّ عام 2003، ووزير الداخلية في عهد حكومة الرئيس عمر كرامي، وشهد عهده اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي كان بمثابة زلزال سياسي، أدّى الى انسحاب النظام السوري الحامي والحليف لفرنجية.
 
مع زوجته ريما قرقفي.
 
عزّز فرنجية نفوذه خلال الوصاية السورية، وأصبح الزعيم الأوحد على زغرتا وممثلها في كلّ الدورات النيابية.
وخلال هذه المدّة كان الزعيم المسيحي الأوحد الذي يمتلك تمثيلاً في ظلّ سجن رئيس "القوات اللبنانية"، ونفي كلّ من العماد ميشال عون، والرئيس أمين الجميل الى الخارج.
يسجل لسليمان فرنجية أنّه لم يتعاطَ بتشفٍّ مع خصومه رغم "العداوة"، كما يعرف عنه أنّه تعاطى بـشيء من العدالة" في الوزارات التي تولّاها، وعامل الناس من دون تمييز. ولا زالت أصداء ولايته في وزارة الصحة مستمرّة إيجاباً بين الناس، وهو الذي قال أنّه مستعدّ لتخطّي القوانين من أجل صحّة الناس.
حتى العداوة التي نشأت بين بشرّي مسقط رأس قائد "القوات اللبنانية" وزغرتا مسقط رأس فرنجية تعامل معها بدقّة، ولم يسمح للإشكالات أن تتوسّع،  وحرص الى معالجتها وحصرها.
 
 
خلال المصالحة مع الدكتور سمير جعجع برعاية البطريرك الراعي. 
 
وفي السياسة الداخلية تعامل بمرونة وبراغماتية كبيرتين، وبنى علاقات مع عدد كبير من السياسيين، لكنه يبرز صلابة ومتانة عندما يتعلق الأمر بالمرتكزات العقائدية الأساسية، خصوصاً في ما يتعلّق بالمحور الممانع.
 
كانت سنة 2005 الأقسى على سليمان فرنجية، وحمّل مسؤولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سياسياً لعلاقته بـ"حزب الله" والنظام السوري، وعمليّاً كونه وزير داخلية ومسؤول عن الأمن، وكان لقراره بردم الحفرة التي خلّفها الانفجار الأثر السيّئ لدى الناس وخصوصاً أنصار الحريري.
الانسحاب السوري وقانون الانتخاب أبعدا فرنجية عن البرلمان في الـ2005، الذي خسر الانتخابات وفاز فيها ابن عمّه سمير فرنجية، لكنّها أبقته زعيماً على زغرتا بنيله عدداً كبيراً جدّاً من الأصوات، وهذه الشعبية عادت وأعادته الى البرلمان في عام 2009 بعد اعتماد القضاء دائرة انتخابية، وفاز فيها بالقضاء مع لائحته ونال جميع مقاعد القضاء.
 
على الرغم من الخصومة السياسية مع العماد ميشال عون، تصالح فرنجية مع عون بعد عودته وعقد حلفاً سياسياً امتدّ منذ عودة الجنرال الى عام 2014 حيث افترقا من جديد نتيجة الخلاف على الترشّح لرئاسة الجمهورية، وخلال هذه السنوات كان فرنجية جزءاً أساسياً من تكتّل "التغيير والاصلاح" الذي يرأسه عون، وخاضا سويّاً جميع المعارك السياسة في مواجهة فريق 14 آذار في حينها، وكان وزراء "المردة" جزءاً صلباً من فريق ميشال عون الحكومي والسياسي.
 
مع العماد ميشال عون قبل الافتراق في السياسة.
 
وبقي فرنجية محافظاً على علاقته مع الطائفة السنية، وزعمائها التاريخيين من آل كرامي الى آل الصلح الى الرئيس سليم الحصّ، إضافة الى حلف استراتيجي متين مع رئيس حركة أمل نبيه بري و"حزب الله"، إلّا أنّ علاقته مع الرئيس رفيق الحريري، لم تكن بالقدر نفسه، رغم ثباته في كلّ حكوماته إلّا أنّه لم يكن يوماً الحليف اللصيق، وزادت الخلافات بين الرجلين في المرحلة الأخيرة قبل اغتياله، وهي المرحلة التي بدأ فيها الحريري الأب بالابتعاد عن سوريا، وهذه العلاقة السيّئة استمرّت مع نجله سعد الحريري، قبل أن يبدأ التقارب بين الرجلين في السنوات القليلة التي سبقت الفراغ الرئاسيّ.
 
خلال زواج ابنه النائب طوني فرنجية من لين زيدان. 
 
أمّا المحطة الأبرز كانت عام 2018، عندما عقد مصالحة تاريخية مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أنهت 4 عقود من الخلاف، وطوت آخر صفحات الحرب الأهلية اللبنانية،  وضمّدت آخر جروح الخلاف المسيحي الدموي، على الرغم من أنّ المصالحة بقيت في إطارها الوجداني ولم تتطوّر الى حلف سياسي، أو تقارب نتيجة التباعد في الخيارات الاستراتيجية بين الفريقين، إلّا أنّه كانت لها أهمية كبرى على المستوى المسيحي.
 
بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ودخول البلاد في الفراغ ، جمعت بكركي القادة المسيحيين الأربعة (سمير جعجع، سليمان فرنجية، ميشال عون، أمين الجميل)، واتّفق على عدم معارضة أحدهم الآخر في حال كانت لديه فرصة للفوز.
 
ولكن بطريقة مفاجئة في عام 2015، فاجأ سعد الحريري، خصومه قبل مؤيّديه وحلفائه بترشيح سليمان فرنجية رئيساً للبلاد، متخطّياً الخلاف الكبير بين الرجلين.
 
خلال اجتماع الأقطاب الموارنة في بكركي. 
 
كثيرون انتقدوا آنذاك هذا الترشيح، خاصة أنّه خرج من نجل رئيس وزراء لبنان المغتال رفيق الحريري الذي لم ينجُ من انتقادات فرنجية في السياسة حتى بعد رحيله.
إلاّ أنّ هذا الترشيح الذي رأى فيه فرنجية فرصة كونه يأتي من خصمه السياسي، ويعطيه فرصة أمام فريقه السياسي وخصوصاً "حزب الله"، قوبل برفض "حزب الله" تبنّي الترشيح لا بل عانده، مصرّاً على ترشيح العماد ميشال عون. وخطوة الرفض قابلها حليف الحريري، سمير جعجع، بالرفض أيضاً، ما أعدم فرص فرنجية، وألزم الحريري بالذهاب نحو عقد تسوية مع العماد ميشال عون، كان قد سبقه إليها جعجع، فأضحى فرنجية من دون حلفاء مسيحيين ولا غطاء "حزب الله".
 
لم تتأثر علاقة فرنجية بـ"حزب الله" ولم يعادِه أو يفترق عنه، عكس ما فعل مع العماد عون الذي تحوّل معارضاً شرساً له.
في العام 2023، يخوض "حزب الله" الى جانب رئيس مجلس النواب نبيه برّي معركة ترشيح فرنجية التي يتصدى لها تحالف مسيحيّ كبير جمع "القوات" و"التيّار الوطنيّ الحرّ" والكتائب والشخصيات المسيحية المستقلّة، فيما ابعدت الظروف السياسية الحليف المستجدّ أي الرئيس سعد الحريري عن الساحة.
 
مرّة جديدة تقف الظروف السياسية حائلاً أمام وصول فرنجية الى الرئاسة، وتتركّب الأحلاف المفاجئة في طريقه، وهناك من يقول أنّ فرنجية الجدّ وصل الى الرئاسة عندما كان حليف الجبهة اللبنانية، فيما فشل مرّة أخرى في الوصول عندما عاداها، كما أنّ عمّه حميد فرنجية لم يتمكّن من الوصول عندما تحالف ضدّه زعماء الجبهة المسيحية، فهل يعيد التاريخ نفسه وينجح تحالف الزعماء المسيحيين في إبعاد آل فرنجية عن الرئاسة مرّة جديدة؟ وهل يمضي فرنجية "البراغماتيّ" في ترشيح نفسه؟
 

اقرأ في النهار Premium