فتحت السجالات العنيفة والبيانات المتفجّرة بين رئاسة الحكومة والتيار الوطني الحر ورئاسة الجمهورية الباب على علاقة متوترة، امتدّت لفترات طويلة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، أياً كان الشخص.
وبنظرة سريعة، لم تتسم علاقة عون برئاسة الحكومة بالهدوء مع أي من رؤساء الحكومات، وحتى التسوية وشهر العسل الذي بناه الرئيس ميشال عون مع رئيس الحكومة الأسبق دام أشهراً قليلة فقط، وانهار انهياراً ذريعاً.
ولم تكن تجربة الرئيس حسان دياب أفضل حالاً بالرغم من التناغم السياسي بين الطرفين، ويكاد لم تمرّ جلسة من دون أن تنتهي بخلافات.
وعلى الرغم من الشخصية الاستيعابية لنجيب ميقاتي، واحترافه تدوير الزوايا، والحفاظ على حدّ أدنى من التواصل، فإن السجال الأخير وما حمله أكد أن هناك إشكالية حقيقيّة تحكم تعاطي عون مع موقع رئاسة الحكومة بالذات، خصوصاً بعد حملة الصلاحيّات الذي حاول تثبيتها أو العمل على تثبيتها منذ بداية العهد.
والمفارقة هذه المرة أن الخلاف أتى في ظلّ تشتّت سنّي، أفرزه غياب الرئيس سعد الحريري عن الساحة السياسية، وانفراط عقد نادي رؤساء الحكومات، الذي كان يعمل كإطار ممثل للطائفة السنية، ممّا جعل الطائفة من دون قوة فعليّة تمثلها وتتحدث باسمها، وهذا ما ركّز عليه البيان الأخير للتيار الوطني الحرّ، الذي سأل ميقاتي عن تمثيله الشعبي أو كتلته النيابيّة، مقابل رئيس يمتلك إحدى أكبر الكُتل النيابيّة.
لكن هذا الأمر أدّى إلى ردّة فعل سنيّة، تمثّلت بتضامن سنيّ نيابيّ مع ميقاتي، فانهالت بيانات الدّعم من أغلبيّة النواب السنّة، التي اتّجهت باتجاه واحد هو الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة، بوجه ما أسموه استهدافاً للموقع عبر الهجوم على شخص ميقاتي.
وفي هذا الإطار، يتحدّث مرجع حكوميّ سابق عن إصرار البعض على تهميش موقع رئاسة الحكومة. ويقول: "بعد الانتخابات النيابية حاول رئيس الجمهورية إبعاد أيّ شخص سنيّ قويّ من خلال طرح أسماء عدد من المرشحين المغمورين لتولّي رئاسة الحكومة، وقام باستدعاء مرشحين من الخارج لتولّي رئاسة الحكومة؛ على سبيل المثال وليس الحصر، تمّ استدعاء صالح نصولي إلى بيروت، ورُتّبت له لقاءات بعدد من القيادات السياسيّة، لكنه لم ينجح، ثمّ عاد إلى طرح أسماء أخرى تدور في فلكه السياسيّ كالوزير أمين سلام، لكنّه لم يُوفّق".
ويضيف: "وعندما أدرك أن هذه المحاولات لم تنجح، عاد إلى نغمة فرض شروط على ميقاتي، ومواصفات وأطر، محاولاً تفخيخ الطريق أمام تشكيل حكومة".
ويرى أن "التعرّض لموقع رئاسة الحكومة يدفع باتجاه تأجيج المشاعر الفتنوية بين شرائح المجتمع بدلاً من ردعها؛ فمنذ تولّي عون سدّة الرئاسة، والمحاولات متكرّرة ومستميتة لضرب اتفاق الطائف عبر الانقضاض على موقع رئاسة الحكومة، متناسياً أنّ الدستور واضح جداً في تحديد مهام رئيس الحكومة، وأعطى الرئيس المكلّف الحق في تقديم تشكيلة حكومته، والتحدّث باسمها، وعرض بيانها الوزاريّ أمام المجلس النيابي لنيل الثقة، وتمسّك بكلمة عرضيّة عن التشاور، هي في كلّ الأحوال لا تعني التدخل المباشر وفرض الشروط".
ويعتبر أنه من غير المسموح لعون تكرار السيناريو الذي اتبعه مع الرئيس الحريري وأدّى إلى اعتذاره عن تشكيل الحكومة؛ والشراكة التي يتحدّث عنها لن تكون بوضع يده على صلاحيات الرئيس المكلّف الذي لم يتنكّر يوماً لصلاحيات رئيس الجمهورية شرط أن تبقى تحت سقف التقيّد بالنصوص الدستوريّة.
ويحمّل المصدر عون وباسيل مسؤولية ضرب العلاقات اللبنانية –الخليجية؛ وضرب هذه العلاقة أصاب الدور السني في لبنان، وأضعفه، وأدى إلى أزمة تاريخيّة مع دول الخليج، وإلى انسحاب السفراء؛ ولولا عمل ميقاتي بدعم من رؤساء الحكومات مع هذه الدول على إعادة التواصل معها بقدر الإمكان عبر عودة السفراء إلى بيروت، لكنّا أمام هجرة عربية كاملة.
ويختم المصدر حديثه بالتأكيد على أن عون - على الأرجح - اختار إسقاط الهيكل على الجميع بعد تيقّنه من عدم وصول باسيل إلى الرئاسة، فقرّر تسليم البلاد إلى الفراغ، والاستمرار بمعارك يعلم قبل غيره أنها لن تصل إلى نتيجة سوى ضرب الموقع الثالث في البلاد...