على وجاهة تلك السمة الكبرى الأساسيّة التي تلتصق باسم الرئيس حسين الحسيني "عرّاباً للطائف"، والتي صارت أشبه بالهوية الوطنيّة الثانية له، إذا جاز التعبير، لا نتمالك في رحيله إلّا استذكاره الى جانب "عمالقة " الميثاقيّة في ذاك الزمن الذي ظلّ الرئيس الحسيني يمعن في اتّخاذه نبراساً للبنان العريق الذي لم يشأ يوماً التسليم بأنّه قد يهزم.
إنّه من سلالة "السياد" وفي آن واحد، من رفاق درب ومراس وقناعات وسير القامات التي عاصرها قديماً وحديثاً، وظلّ حتّى في ظروف انسحابه من النيابة والسياسة بمعناها الممارس راهناً يحفر عميقاً لتثبيتها في مستقبل ما للبنان.
الرئيس حسين الحسيني لا ترانا يمكن أن نقارب سيرته ومساره وفكره وكلّ ما كان عليه قبل الطائف وبعده، إلّا ونراه القطب الكبير بين كبار، والركن الذي لا تستوي مقاربة للميثاقيّة في عمقها الوجدانيّ الحقيقي والحضاري في لبنان إلّا عبر سيرهم.
من فؤاد شهاب الى ريمون إدّه الى البطريرك صفير الى غسان تويني الى حسن الرفاعي الى بطرس حرب وإدمون رزق... تراه الشاهد واللاعب والركن والرمز بين رموز تغدو الميثاقية اللبنانية على أيديهم وفي مراسهم وثقافاتهم على مذاق نادر فريد.
"السيد حسين" هكذا كان يحلو لغسان تويني أن يسمّيه، لفرط ما بينهما من عشق لتلك الميثاقية التي تبدأ بالشخصيّ ولا تنتهي بالوطنيّ والعروبيّ في النظرة الى لبنان والشرق العربيّ في هذه المنطقة.
وإذا كان الطائف حجر الرحى الأكبر في مسار محطات الرئيس الحسيني، فحسبنا في هذه الأيام أن نستشعر مزيداً من اليتم الوطني والإنساني في افتقاد القامات والكبار، ونحن على ما نحن عليه في أسوأ أزمان التقهقر والتراجع والخوف على كلّ القيم المندثرة في زمن جاهد جاهلي متقهقر ومتصحّر.
الرئيس الحسيني يرحل وكأنّه يأخذ معه بعضاً من ندرة في الرجال والقامات والرموز. إنّه من صناّع ميثاقيّة هي لبنان، ولا لبنان من دونها. الرئيس السيّد يرحل الى مجلس "نظرائه" الذين صنعوا تاريخاً "أخطر" ما فيه أنّ ورثته كانوا أقزاماً في استحقاقه.