"وكأنهم لا يدرون ماذا يفعلون"... هكذا يمكن اختصار موقف جزء من النواب السُنّة. ضبابية في الموقف، لا خريطة طريق، ولا خريطة سياسية ولا رؤية، ولا مرجعيّة. حتى الحركة التي قام بها السفير السعودي وليد البخاري ودار الفتوى لم تأت ببركة. منهم من يشعر فعلاً بحجم خطورة المرحلة، ومنهم من يحنّ إلى شعارات يُفترض أن تكون تجربة 14 آذار السيئة قد دفنتها، وأسوأها شعار "لبننة" "حزب الله"، إلى شعارات بالية فارغة كـ"ربط النزاع" والحفاظ على الاستقرار وغيرها، كالتي حملها "تيار المستقبل" وجزء من القوى السيادية في فترة المساكنة مع "حزب الله".
ومن دون الانسياب أكثر في الخطأ والصحّ، في الاستراتيجيا والتكتيك، في المبادئ والثوابت، وفي المناورات والتسويات، يقيس البعض المرحلة على غير واقعها، وعلى غير استثنائيّتها، التي تتطلّب رجالاً استثنائيين. من النواب من قيل إنّه يفتّش في هذا "الشغور" السنّي عن دورٍ أكثر مما يبحث عن بلورة موقف موحّد صلب جريء ومتماسك في الاستحقاق الرئاسي فيما المرحلة على درجة عالية من الخطورة.
أشرف ريفي
النائب اللواء أشرف ريفي اعتبر في حديث لـ"النهار" أن الجهود متواصلة لترتيب البيت السنّي. وقال: "هناك 27 نائباً ليسوا ضمن كتل محدّدة. العمل مستمرّ لتفادي أن تضيع أصواتهم بشكل "خنفشاري" في الاستحقاق الوطني الكبير. لا يمكن للمكوّن السني إلا أن يكون لاعباً أساسياً فيه كغيره من المكوّنات الأساسية. لذا، نحن على طريق الترتيب وتنظيم الصفوف، قطعنا "نصف المشوار". الجهود لم تصل إلى خواتيمها بعد، وهناك سعي لتكوين خيارات تنسجم مع قناعاتنا، وتكون لصالح الوطن عبر خيار إنقاذيّ سياديّ ينقذ البلد كي لا نكرّر انتخاب ميشال عون آخر".
ريفي أكّد التزامه بالنائب ميشال معوّض كمرشح للرئاسة بكلّ قناعة وثبات. ويجزم بأن أحداً من النواب السُنّة ليس مستعداً لأن ينتخب ميشال عون آخر أو أيّ مرشح ينتمي إلى حزب الله والممانعة. هذا الخيار ثابت، ونعمل اليوم على المرحلة الثانية ألا وهي الاتفاق على شخصية إنقاذية سيادية، تؤمن باتفاق الطائف وعروبة لبنان. وأكّد أن "ميشال معوض ليس رئيس تحدّ. هو ابن الرئيس الشهيد رينه معوض شهيد الطائف، وهو ابن المدرسة الشهابية. وبرأيي، لا ينقذ لبنان إلا شخص ينتمي إلى المدرسة الشهابية أو تربّى فيها".
بلال الحشيمي
النائب بلال الحشيمي أقرّ بالضياع الموجود سنيّاً، وبغياب أيّ خريطة طريق تجمعهم، إلا أنّه أوضح بأن المشاورات في هذا السياق متواصلة لبلورة رؤية واستراتيجية موحّدة تجمع النواب السنّة.
لم ينفِ أن خيارات النواب السنّة في الجلسة الرئاسية الأولى لم تكن صحية، فمن النواب من اقترع لـ"لبنان"، ومنهم - للأسف - مَن اقترع على غرار فريق 8 آذار ورقة بيضاء؛ وهذا أمر بالنسبة لي مرفوض؛ فإما أبيض وإما أسود، لأن الناس ائتمنتنا على خياراتها، ولا يجوز التفريط بآمالهم. يجب أن نصوّت لشخصية سيادية، وأن نكون واضحين أننا مع السياديين، ومع إعادة العمل لمؤسسات الدولة وإعادة العلاقات الأخوية مع العالم العربي ومع العالم أجمع".
ورأى الحشيمي أن تصويت المعارضة لميشال معوّض كان رسالة إلى "حزب الله" أننا مع السيادة والإصلاح. لذا كان من المفترض أن نبعث برسالة واضحة، وأن لا نكون غامضين في موضوع الرئاسة.
وتمنّى أن يكون هناك قرار حاسم لدى النواب السنّة الخميس المقبل. رسالتنا يجب أن تكون علنيّة أننا مع رئيس إصلاحيّ سياديّ منفتح على العالم العربي الشريان الأساسي للبنان، ومع رئيس يؤمن بالطائف أنه دستور البلاد. ونبّه إلى أنه إذا لم نحافظ على كياننا وحضورنا ضمن التركيبة اللبنانية فسائرون إلى الذوبان.
الحشيمي حذّر من الانزلاق بالحديث عن نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس، فهذا النصاب مطلوب في الدورة الأولى، وهذا مبتوت به وطبيعي. لكن انتخاب رئيس في الدورة الثانية بالـ65 صوتاً هو دستوريّ. وبالتالي، حديث بعض نواب السُنّة اليوم عن أننا نريد رئيساً يحصل على الثلثين في كل الدورات هو لغاية في نفس يعقوب، ويندرج في إطار المساومات وتمديد الأزمة، ومسايرة لـ"حزب الله"، وهذا أمر مرفوض، لأننا نكون قد استسلمنا للحزب.
أحمد الخير
لم يكن النائب أحمد الخير على تماهٍ كلّي مع النائبين ريفي والحشيمي إلا ببعض النقاط، كمواصفات الرئيس، ودور المكوّن السنّي في الاستحقاق، لكنّه اختلف في مقاربة "الإجماع" و"التوافق". أكد أولاً أن الوقوف إلى جانب دار الفتوى هو لدورها الوطني الذي تلعبه منذ مرحلة ما قبل الحرب، حيث يلتقي الجميع تحت هذا السقف.
رئاسياً، رأى أن الدور الوطني الصحيح هو التعاطي مع الاستحقاق من منطلق عدم التعطيل. لذا يجب انتخاب رئيس ضمن المهل الدستورية، وأن نكون شركاء فعليين في الاستحقاق، والوصول إلى حدّ أدنى من الإجماع والتوافق لانتخاب الرئيس؛ فالاصطفافات العمودية - بحسب الخير - تأخذنا إلى مزيد من الشغور.
أمّا في المواصفات، فهي متطابقة، إذ يقول الخير إننا "نريد رئيساً ينقلنا إلى مرحلة جديدة من النهوض والازدهار، وثوابته الأساسية: الدستور واتفاق الطائف والشرعية الدولية والإجماع العربي، وإيمانه بضرورة تنفيذ الإصلاحات، وأن تكون عملية التكامل بينه ورئيس الحكومة قائمة. هذا دورنا. لن نكون في الاصطفافات العمودية ولا في مسار التعطيل. نحن في المسار الذي يجمع".
وعن امتناع النواب السنّة عن تأييد ميشال معوض، قال الخير لـ"النهار": "ميشال معوّض يحمل كل الصفات الرئاسية المطلوبة، ولسنا في إطار المزايدة على مناقبيته، ولكنّ الوقت ليس مناسباً له. هو شخص لديه كلّ الصفات لكن المرحلة التي يمر بها البلد لا تناسب ميشال معوض، ولا يستطيع أن يؤمّن إجماعاً عليه. لبنان محكوم بالتوافق، ولطالما كان رئيس الجمهورية الحكم بين اللبنانيين، ودوره ليس شبيهاً بدور رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة. الرئيس ينبغي أن يكون على توافق بين كل الأطراف؛ ولو أننا نرى أن معوّض يستطيع أن يؤمّن 75 صوتاً لكنّا نحن العشرة انتخبناه. من هنا، رسالتنا لكلا الفريقين، أي فريق "حزب الله" والفريق المناوئ له، لن نكون لا هنا ولا هناك".
ورأى الخير أن الطريق الأقصر للحلّ هي العمل على تأمين شبه إجماع على شخصية معيّنة. وأضاف: "لا نريد رئيساً تصادمياً مع أيّ فريق. نريد رئيساً آدمياً يحافظ على الدستور والطائف، وعلى العلاقة مع الشرعية الدولية والعربية، ويؤمن بالإصلاحات، ولا يعمل على تعطيل الحكومات. هذه المواصفات ليس من الصعب أن نجتمع عليها".
وقال: "يجب أن نكون موضوعيين بإدارة ملف البلد. المواجهة مع "حزب الله" أعطت نتائج سلبيّة. لا نريد أن نسلّم البلد للحزب. لكن في الوقت نفسه لا نريد المواجهة، ويجب أن نكوّن رأياً مشتركاً باتجاه الدولة. "حزب الله" أخذنا باتجاه اللادولة وباتجاه الخصومة، وهذا أمر ساعده عليه رئيس الجمهورية الحالي، وأدّى إلى الإخلال بالتوازن داخلياً. لذا نريد رئيساً يستطيع أن يقوم بلعبة التوازن الداخلية ويأخذ اللبنانيين باتجاه اللحمة".
وعمّا إذا كان موقفهم أن يكونوا في اصطفاف مواجه لحزب الله بل أن يكونوا في الوسط، أجاب الخير: "أبداً. ما نريده أن لا نكون في اصطفاف بوجه الدولة. لسنا خائفين من أن نكون بمواجهة مع "حزب الله" بل خائفون على البلد ومؤسّساته، ونتمنى لبننة "حزب الله". والمسؤولية الأساسية اليوم تقع على عاتق الحزب في أن يكون قد اقتنع بأنه أخذ البلد إلى شبه انهيار كامل".
النواب السنّة
إشارة إلى أنّ النواب السُنّة الـ27 هم: محمد يحيى. محمد سليمان. وليد البعريني. أحمد رستم. أحمد الخير. عبد العزيز الصمد. جهاد الصمد. إيهاب مطر. طه ناجي. عبد الكريم كبارة.
أشرف ريفي. فؤاد مخزومي. عدنان طرابلسي. عماد الحوت. نبيل بدر. بلال الحشيمي. حسن مراد. ملحم الحجيري. بلال عبدالله. وضاح الصادق. حليمة القعقور. ياسين ياسين. عبد الرحمن البزري. أسامة سعد. رامي فنج. إبراهيم منيمنة.