تبلغت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون استدعاءها إلى جلسة أمام النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، قبل ظهر يوم الإثنين 14 تشرين الثاني الجاري، للاستماع إليها على خلفيّة الشكوى التي تقدّم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري باسمه وباسم عقيلته رندة، بواسطة وكيلهما المحامي الدكتور علي رحال، بجرائم القدح والذم.
وكانت القاضية عون قد نشرت تغريدة تضمّنت أسماء مسؤولين لبنانيين، من بينهم الرئيس بري وعقيلته، لديهم حسابات مجمّدة في المصارف السويسرية، بناءً على تسريبات ويكيليكس، مشيرة إلى "أنها لا تعلم مدى صحّة هذه المعلومات"، قبل أن تمحو التغريدة.
كيف يقرأ رجال القانون نشر وثائق غير مؤكّدة الصحّة عبر وسائل التواصل؟ ولماذا لم تقدم القاضية عون على اتخاذ الإجراء القانوني في هذا الإطار طالما أنّها تملك الصلاحية لذلك؟ ما هي الإجراءات التي يمكن أن تُتّخذ بحقها؟ وهل سقطت القاضية عون بالضربة القاضية؟
اللائحة التي نشرتها القاضية عون، بحسب مطلعين، نُشرت منذ أكثر من سنة، وتتضمن مغالاة في الأرقام، فيما أغلب الأسماء الموجودة هم من طرف واحد، ويتبيّن ممّن كتبها أنه ينتمي إلى فريق 8 آذار، فهو بالأساس لم يذكر أحداً من هذا الفريق باستثناء الرئيس بري وعقيلته.
بالموازاة، معلوم أنّ القاضي الذي يُريد الإدلاء برأيه بشأن مسألة معيّنة عبر وسائل الإعلام أو التواصل يحتاج لإذن من رؤسائه، وفي حالة القاضية غادة عون، رئيسها بالتسلسل هو النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، رئيس النيابات العامة، وهي لم تحصل منه على إذن بنشر اللائحة، وإلا لما كانت استدعيت أمامه للتحقيق.
صلاحيات القاضية الضائعة
يقول المحامي لوسيان عون لـ"النهار" إن القاضية عون مولجة بالتحقيق في أيّ فساد أو أيّ جرم جزائيّ يكون بين يديها، وتبادر إلى الادّعاء من دون أن يكون هناك شكوى شخصيّة؛ وبالتالي بمجرد علم النيابة العامة بوجود جرم جزائيّ أو فساد في مكان معيّن تبادر إلى التحقيق والادّعاء، والقاضية عون لها هذه السلطة، فلماذا لم تستخدمها بل عملت على نشر اللائحة"؟
يشرح المحامي عون أن القاضية غادة عون ارتكبت جرمين: الأول، القدح والذم، والثاني إساءة استعمال السلطة، إذ من غير الجائز للقاضي التشهير بالناس على وسائل التواصل فيما يملك السلطة للتحقيق بأيّ جرم والبتّ فيه، فيما كلّ من طاله هذا المنشور له كامل الحق برفع شكوى ضدّها بهذه الجرائم.
ويقول: "الجرم مشهود. هي زلّة وقعت فيها القاضية عون، و"غلطة الشاطر بألف"، وقد تكون الضربة القاضية لها، خصوصاً أن هناك ادّعاءً شخصياً من قِبل الرئيس بري وعقيلته، كما أصبح هناك ما يُسمّى بـ"الحق العام"، بالإضافة إلى أن لا شيء يمنع من أن تكون الدعوى في الشكل قانونية، وفي المضمون سياسية، وتدخل في إطار تصفية الحسابات".
الإجراءات بحق القاضية
من المقرّر أن تخضع القاضية عون يوم الإثنين للتحقيق أمام رئيسها القاضي غسان عويدات، لتردّ على جملة أسئلة، عن السبب الذي دفعها لنشر هذه اللائحة، ولماذا لم تحقّق بها طالما هي المرجع القانوني للتحقيق فيها؟
من هنا، من المتوقع أن تُتّخذ إجراءات قانونية بحق القاضية عون، بحسب ما يوضح المحامي عون، فإمّا أن يتمّ رفع الحصانة عنها وإعطاء الإذن بملاحقتها، أو تُتّخذ بحقها تدابير مسلكيّة وفق التدبير الإداري المسلكيّ، كأَنْ يلجأ رئيس مجلس القضاء الأعلى من تلقاء نفسه إلى إحالتها على التفتيش القضائيّ، علماً بأن عدّة ملفات مقدّمة بحقها أمام التفتيش القضائي وأمام النيابات العامة لمخالفتها الأصول القانونية. من هنا، توقّع المحامي عون أن تتمّ إحالة القاضية على التفتيش القضائيّ، ويتمّ اتخاذ تدابير مسلكيّة بحقها. وهذه التدابير عادة ما تكون بالتدرّج، تبدأ بـ"اللوم" وصولاً إلى كفّ اليد وإخراجها من السلك القضائي. وبالتالي، من المتوقّع أن يتمّ اتّخاذ قرار بفصلها من السّلك نظراً إلى الشكاوى الكثيرة بحقها، والتي تتضمّن تجاوزات للقانون.
بدوره، يوضح الدكتور في الجامعة اللبنانية في كلية الحقوق والعلوم السياسية داني نعوس لـ"النهار" بأن "أحد أهم موجبات القاضي هو "موجب التحفّظ" بحسب قانون القضاء العدلي، فيمنع على القاضي الكثير من السلوكيّات المتاحة لعامة النّاس مثل الامتناع عن المجاهرة بآراء معيّنة، كما يمنع إفشاء أيّ ملفات متعلّقة بالقضية".
ويشدّد على أن "حياد القاضي" أمر واجب في القانون، إذ لا يمكن له إبداء رأيه في أي ملف كان، كما لا يُسمح له بالتشهير باسم أيّ شخص متهم بقضيةٍ معينة، فهذا بحدّ ذاته مخالفة".
ويشير إلى أنه في هذه الحالة على مجلس القضاء الأعلى أن يتحرّك لإحالة القاضي على هيئة التفتيش القضائيّ للتحقيق معه، ومن الممكن تجريده من أهليته القضائية. ويقول: "إذا كانت القاضية عون تملك أيّ معلومات بشأن اللائحة التي نشرتها، فعليها التوجّه للادّعاء أو حتى الملاحقة، ولكن لا يوجد وجه حقّ في نشر أيّ معلومات تثير الرأي العام".
رأي "أمل"
من جهته، يرى عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم عبر "النهار" أن "ما صدر عن القاضية عون هو "بالعنوان العريض" تفلّت أخلاقيّ وقضائيّ والتعاطي معه سيكون وفق الأصول القانونية".
وأضاف: "نحن نضع الأمر بيد القضاء، ولن ندخل في سجالات مع أحد، ولا تصفية حسابات، وسننتظر إلى أن يأخذ القضاء مجراه".
خاتمة
يعتبر العديد ممّن يعرفون القاضية غادة عون أنها وقعت ضحية العهد السابق، وتحولت إلى أداة لتحقيق رغبتهم، لتتحول ممارساتها "جعجعة من دون طحن"، إذ لم تحقق أيّ نتائج إيجابية في مطلق ملف استلمته. لكن الأمر قد يكون مختلفاً هذه المرة ومكلفاً، خصوصاً أن من ادّعى هو رئيس المجلس، وهو يعلم تماماً الجهة المحسوبة عليها القاضية عون. وقد يريد الرئيس بري من خطوته هذه "فرفكة مناخير" القاضية العونيّة، وتوجيه سهامه ورسائله نحو ميشال عون وجبران باسيل.