يبدو أن مداخلة نقيب المهندسين عن إعمار مرفأ بيروت وعن أهراءات الحبوب المتضرّرة فيه بعد التفجير لم تمر برداً وسلاماً على لجنة الأشغال النيابية، إذ حصل سجال عنيف بين رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب سجيع عطيّة ونقيب المهندسين عارف ياسين الذي عرض أسباب الانهيارات الجزئية وطرح مشروعاً عملياً للتدخل بالطريقة المناسبة حفاظاً على الجزء الجنوبي من الأهراءات. بيد أن مداخلة ياسين أزعجت البعض فأصرّ رئيس اللجنة على عدم السماح لياسين بالتكلم مرة ثانية والإجابة عن أسئلة النواب، وطلب منه الخروج من القاعة، فتطور السجال الكلامي بينهما، أنهاه ياسين بالقول أمام اللجنة "النقابة لن تكون شاهد زور على مشاريعكم".
ونشرت النقابة أمس تقريرها حول أهراء المرفأ وأسباب الانهيار الجزئي وطريقة التدخل لمعالجة مبنى الأهراءات دون أي خطر على السلامة العامة، وبما يحافظ على الجزء الجنوبي من المبنى كي يبقى نصباً تذكارياً. ويبدو واضحاً من خلال التقرير أن ثمّة إهمالاً وتقصيراً واضحين في تدعيم الأهراءات، فيما أسهم الحريق بانهيار صوامع المجموعة الشمالية واستحداث فتحات عشوائية من دون دراسة لتفريغ الحبوب أو حتى التقيّد بتوصيات شركة خطيب وعلمي بما أسهم أيضاً بالانهيارات الجزئية، علماً بأنه في الفترة التي تلت الانفجار وقبل اندلاع الحريق دعت نقابة المهندسين مراراً الى التدخل الفوري وتدعيم الأهراءات، بيد أن اشتعال الحريق وعدم احتوائه وإطفائه أدى إلى أضرار إنشائية كبيرة وتسارع الانهيارات الجزئية في المجموعة الشمالية.
وعرض التقرير لتوصيات شركة "خطيب وعلمي" حول عملية تفريغ الحبوب عبر استحداث ثقوب تفريغ اسطوانية في صوامع الصف الثالث - الناحية الخارجية - بقطر بحدّ أقصى 50 سم، بيد أنه استعيض عنها بثقوب مترين بمترين، وهذا ما جعلها من الأسباب الرئيسية للانهيار.
ومن العوامل التي أشار إليها التقرير وأسهمت بانهيارات صوامع المجموعة الشمالية، التضرّر الإنشائي الكبير للصوامع وخصوصاً عند مستوى اتصالها بالأساسات، وتضرّر نظام الأساس، والانحناء المستمر للصوامع الباقية، وزيادة الأضرار الإنشائية في الصوامع نتيجة زيادة الانحناء، والحريق الذي استمرّ لأكثر من أسبوعين والذي لا يزال مستمراً، وزيادة الأضرار الإنشائية في الصوامع، وتسارع معدّل الانحناء للصوامع، وتناقص القدرة الإنشائية للتحمّل، واستحداث ثقوب تفريغ كبيرة، وتركيز وتضخيم الإجهادات حول الثقوب، وانتشار التشققات انطلاقاً من الثقوب.
أما الوضع الحالي للصوامع الباقية بعد اندلاع الحريق: بالنسبة للمجموعة الشمالية، فإنه بعد انهيار أربع صوامع من المجموعة بقي 4 صوامع متضرّرة إنشائياً بنسبة كبيرة بحيث تشكل دراسة تدعيمها للمحافظة عليها تحدّياً كبيراً دونه عقبات تنفيذية أساسية بالإضافة الى المخاطر الكبيرة الناجمة عن إمكانية انهيارها في أي وقت. وتُصنّف هذه الصوامع الأربع غير متزنة إنشائياً وآيلة للسقوط وتشكل خطراً على السلامة ضمن المحيط المباشر للموقع (150 متراً تقريباً).
أما المجموعة الجنوبية التي تتضمّن 6 صوامع كاملة (الصف الثالث الظاهر للناحية البعيدة عن مركز الانفجار) بالإضافة الى صوامع داخلية، فإنها متضرّرة بنسب متفاوتة. وتعرّضت هذه المجموعة لأضرار إنشائية بنتيجة الانفجار، علماً بأن:
– المستشعرات المثبتة على الصوامع أظهرت ثبات صوامع هذه المجموعة خلال فترة السنتين بعد الانفجار.
– عدم تأثّرها بالنيران المشتعلة في المجموعة الشمالية كذلك عدم تأثّرها بانهيارات صوامع من المجموعة الشمالية.
– عدم تأثّر هذه المجموعة بثقوب التفريغ الموسّعة (إلى الآن) وعدم ظهور تشققات، لأن الثقوب استُحدثت في مواقع إجهادات الضغط (compression stresses) للمجموعة الجنوبية بينما توجد الثقوب في مواقع إجهادات الشد العالية (tension stresses) للمجموعة الشمالية.
تصنّف الصوامع الباقية من المجموعة الجنوبية حالياً مستقرّة إنشائياً ولا تشكل أي مخاطر انهيار تبعاً للمعطيات الحالية.
وبعد عرض الوضع الحالي للأهراء، سأل التقرير الأسئلة الآتية التي "تستوجب التوضيح":
– لماذا لم يؤخذ بالتوصيات في ما يختص بمقاس ثقوب التفريغ ولم يتم التفريغ من خلال الثقوب الأساسية الصغيرة؟
– لماذا لم يؤخذ بالتوصيات في ما يختصّ بتوسعة الثقوب الأساسية إذا استلزم استحداث ثقوب أكبر؟
– ما المعايير التي اعتُمدت لاستحداث الفتحات وهل أجريت أية دراسات إنشائية لتأثيرها على القدرة الإنشائية للصوامع المتضرّرة؟
– لماذا استُحدثت ثقوب كبيرة بوسائل قد تؤدّي الى أخطار انهيارات بدلاً من الطرق الموصى بها (ثقب أسطواني أو قصّ بمنشار دائري)؟
– لماذا لم تُفرغ الحبوب أسفل مستوى الثقوب؟
– لماذا لم يتم الولوج عبر الثقوب لتفريغ الصوامع الداخلية؟
– لماذا لم تُغلق الثقوب بالطريقة المناسبة بعد توقف أعمال الإفراغ (حسب ما أوصى به التقرير)؟
وبما أن الصوامع الباقية من المجموعة الشمالية تُعدّ في حالة عدم اتزان إنشائي بسبب الأضرار الكبيرة التي ذُكرت وهي آيلة للسقوط في أي وقت، خلص التقرير الى التوصيات الآتية:
– تشكيل لجنة من الخبراء والاختصاصيين لوضع آلية عملية وآمنة للتعامل مع الصوامع الباقية من المجموعة الشمالية واتخاذ القرار المناسب بشأنها.
– تنظيف كامل الموقع وإزالة الحبوب الباقية في المجموعة الجنوبية.
– إجراء تدعيم إنشائي محدود للصوامع الباقية من الناحية الجنوبية بهدف الحفاظ عليها كنصب تذكاري.
أما بالنسبة لنظام التدعيم المقترح لصوامع المجموعة الجنوبية، فقد جرت دراسة عدة أنظمة تدعيم إنشائي للصوامع الباقية من المجموعة الجنوبية وتبيّن الصورة الآتية التفاصيل التنفيذية لأحد نظم التدعيم (قميص داخلي من الخرسانة المسلحة) التي تؤدي إلى تحقيق متانة المنشأ ومتطلبات السلامة. ويمتاز نظام التدعيم المقترح بسهولة تنفيذه دون الحاجة إلى تقنيات عالية وتجهيزات خاصة، ولكونه نظام تدعيم داخلي وغير ظاهر (داخل الصوامع)، أما التكلفة فمقبولة نسبياً.