مجلس الوزراء (أرشيفية).
أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي أنّ "لبنان يقف الآن على مفترق طرق ويبرز مساران لا ثالث لهما: (1) الاعتراف بالواقع وبالأزمات العميقة التي نعاني منها، والتعامل معها وجهاً لوجه مما يعني اتخاذ الإجراءات المطلوبة والقيام بالإصلاحات الضرورية والملحة، والتي تضع البلد على السكة الصحيحة؛ أو (2) ترك الأمور على ما هي عليه واستمرار حالة الإنكار عند البعض لن يبقينا حيث نحن الآن، بل سيدفع بالبلاد إلى المزيد من الانزلاق إلى الهاوية".
وأكد الشامي، في بيان، أنّ "التقاعس عن القيام بما يجب القيام به ليس خيارًا بالنسبة لنا، ولم تعد مسألة شراء الوقت التي اتسمت بها معظم السياسات المالية والنقدية على مدار السنوات الماضية ممكنة لأن الوقت أصبح نادرًا جدًا وبالتالي ذا قيمة جد مرتفعة"، مشيراً إلى أنّه "لن ينقذنا أحد إذا لم نحاول إنقاذ أنفسنا. إن مشاكلنا كبيرة لدرجة أن القليل من المساعدة من الأصدقاء المتبقين لنا في العالم لن يؤتي بالنتائج المرجوة. مشاكلنا أكبر من أن ينقذنا الآخرون، ولكن مع اتخاذ الإجراءات الصحيحة وبمساعدة المجتمع الدولي، يمكننا أن نخطو أولى الخطوات على طريق التعافي"، لافتاً إلى أنّ "أي تأخير في المضي بالإصلاحات لن يؤدي إلى زيادة حدة الأزمة فحسب بل سيزيد من الوقت اللازم للخروج منها".
وأضاف: "لقد رسمنا خارطة طريق الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي من خلال الاتفاق على صعيد الموظفين مع صندوق النقد الدولي والذي نحدد فيه بشكل واضح ما يجب علينا فعله على مدى السنوات الأربع المقبلة. لا ينبغي لأحد أن يقلل من أهمية هذا الاتفاق الذي علينا احترامه والسير به بعدما أيده الرؤساء الثلاثة. كما يجب أن نمضي قدما بتنفيذ جميع الإجراءات المسبقة للوصول إلى اتفاق نهائي مع الصندوق. ويمكن لهذا الاتفاق أن يعدل لاحقا بعد أن يوضع موضع التنفيذ وعلى ضوء التطورات التي ستحصل عند التطبيق. أما القول بأنه ليس هناك من خطة إصلاح شاملة فهو قول مناف للحقيقة. فهذه الخطة أقرت من قبل مجلس الوزراء وهي في متناول الجميع وموجودة على موقع رئاسة الوزراء".
وتابع الشامي بيانه: "إنّ البرنامج المتفق عليه مع الصندوق هو اتفاق شامل وجريء ومتكامل مع أجندة إصلاحات تتناول جميع أوجه الإصلاح وهذه الإصلاحات تأتي متناسقة مع حجم الصعوبات التي نواجها. إن تنفيذ كل البنود الواردة في الاتفاق يتطلب جهودًا متناسقة ومتسلسلة كما ووجود إدارة فعالة مما يستجوب معالجة التردي الإداري وتحسين ظروف العاملين في القطاع العام بشكل جذري من خلال خطة متكاملة والأفضل من خلال موازنة 2023 والتي يجب البدء بالتحضير لها بأسرع وقت ممكن".
وقال: "أما بالنسبة للأولويات، فلا بدّ أن تنصبّ جميع الجهود في الوقت الحاضر على تنفيذ الإجراءات المسبقة، ويجب أن ندفع في هذا الاتجاه بقدر ما نستطيع. فمن الواضح والمشجع أن هناك اهتماما متجددا من قبل جميع المعنيين لوضع كل هذه الإجراءات موضع التنفيذ وقبل بدء الدعوات إلى انتخاب رئيس الجمهورية. وكما رددنا دائما، فإن الوقت ثمين جدا وكل يوم تأخير في تنفيذ ما هو مطلوب منا سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة على الوضع النقدي والمالي والاقتصادي".
وأشار الشامي إلى أنّ "إقرار قانون التعديلات على السرية المصرفية من قبل مجلس النواب هي خطوة في الاتجاه الصحيح وان كنا ما زلنا ننتظر رأي الصندوق بالتعديلات التي طرأت عليه. وكما أقر هذا القانون بسرعة قصوى"، متمنّياً أن "تسري هذه الفعالية على الإجراءات المسبقة المتبقية، والمطلوب اليوم قبل الغد هو إقرار موازنة 2022 وإن كان ذلك متأخرا، وذلك للانصراف إلى تحضير موازنة 2023". وقال إنّ "النقاش الدائر اليوم حول سعر الصرف المعتمد في الموازنة والدولار الجمركي هو نقاش مفيد ولكنه استحوذ على الكثير من الوقت و في بعض الأحيان خرج عن إطاره الصحيح".
أضاف قائلاً: "لقد اُعدِّت موازنة 2022 على أساس سعر صرف 20000 للدولار الواحد وهو سعر الصيرفة الذي كان سائدا في ذلك الوقت، ولذلك فان أي تعديل في سعر الصرف يجب أن يكون منسجما مع سعر الصرف الحالي. إن الطروحات الحالية التي تنادي برفع سعر الدولار المطبق على الجمارك بالتدرج سيحرم الموازنة من الحصول على الإيرادات التي هي بأمس الحاجة إليها لتحسين ظروف العاملين في القطاع العام ولزيادة الإنفاق على القطاعات الاجتماعية والبنى التحتية والتي ستعود بالنفع على كل اللبنانيين. إن رفع الدولار الجمركي بالتدرج سيزيد من الاستيراد والتخزين (وذلك بانتظار رفع السعر من جديد) وسيكون ذلك لمصلحة المستورد وعلى حساب الخزينة ومعظم اللبنانيين. إن الأثر الاجتماعي لرفع سعر الصرف سيكون بالمبدأ محدودا نظرا للإعفاءات الجمركية الموجودة على السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ رفع سعر صرف الدولار الجمركي ليتساوى مع سعر السوق أو أقله مع سعر الصيرفة سيخفف من الطلب على الكماليات والسلع والمواد الفاخرة، وبالتالي على الطلب على الدولار مع ما لذلك من تداعيات إيجابية على سعر الصرف مما لذلك من أثر اجتماعي إيجابي".
أما بالنسبة لقانون الكابيتول كونترول، فقال: "بعدما أشبع درساً على مدى فترة طويلة، فإن الوقت قد حان لإقراره وبسرعة مع الأخذ ببعض الملاحظات من مختلف شرائح المجتمع ولكن دون المس بجوهر القانون المقدم من الحكومة والذي يهدف إلى وضع قيود وضوابط على التحاويل والسحوبات وذلك بهدف الحفاظ على ما تبقى من الاحتياطات الأجنبية وتحسين وضع ميزان المدفوعات بشكل عام".
وفي موضوع قانون إعادة هيكلة المصارف، أكد الشامي أنّ "لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان يعملان وبالتشاور مع صندوق النقد الدولي على إعداده، وذلك لإحالته إلى مجلس النواب بالسرعة المطلوبة. وتزامنا مع ذلك، يجري الآن العمل على التعاقد مع شركات تدقيق عالمية لتقييم ال 14 مصرفا، كما يعمل على إنهاء التدقيق بالأصول الأجنبية لمصرف لبنان والمفترض أن يصل إلى خواتيمه قريباً"، لافتاً إلى أنّ "الإجراء المسبق الأخير، فهو توحيد سعر الصرف وتحريره ليعكس حالة الأسواق والعرض والطلب والذي من المفضل أن يأتي من ضمن حزمة متكاملة من الإصلاحات مما قد يؤدي الى تحسين سعر الصرف واستقراره. عندها يجب أن يقتصر التدخل في سوق الصرف فقط على الحد من التقلبات الشديدة في أسعار الصرف التي لا تعكس الأساسيات الاقتصادية".
وأكد الشامي أنّ "هذه الإجراءات تعتبر ضرورية حتى وإن لم يكن هناك برنامج مع الصندوق، لذا فإن مقولة ربط القوانين المطلوبة بتفاصيل خطة التعافي هي برأيي مقولة خاطئة لأن هذه القوانين قد اعدت أصلا من ضمن خطة إصلاح متكاملة. كما أنّ بعض القوانين كقانون الكابيتول كونترول وتوحيد سعر الصرف وتعديل السرية المصرفية وغيرها يجب أن تقر بغض النظر عن تفاصيل الخطة وعن التغيرات التي قد تطرأ على برنامج الإصلاح الاقتصادي"، مؤكداً أنّ "الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لن ينقذ بحد ذاته البلد إذا لم نكن نحن جديين بما يكفي في متابعة التزاماتنا. لم تكن تجارب جميع البلدان مع صندوق النقد الدولي تجارب ناجحة وذلك لأن السلطات المعنية لم تقم بما يجب القيام به، هذا إذا ما استثنينا الأخطاء التي تحصل من قبل الصندوق أحيانا في تشخيص الأزمة ووضع الحلول. إن متابعة الإصلاحات المطلوبة تتطلب عزيمة قوية ومثابرة وإرادة سياسية جامعة كما تتطلب من صناع القرار، بعد إجراء الاستشارات اللازمة للوقوف على رأي جميع الجهات المعنية، المضي قدما بالإصلاحات حتى ولو لم يكن هناك إجماع من جميع فئات المجتمع. قد يكون القادة وخاصة في الأزمات الاقتصادية الكبيرة كتلك التي نعيشها اليوم عرضة للانتقادات والتهجم ولكن مع ذلك عليهم أن يتخذوا القرارات الجريئة والصعبة ويتحملوا وزرها ونتائجها".
كما لفت إلى أنّ "المضي بالسياسات الاقتصادية المطلوبة هو ضروري لوضع لبنان على مسار التعافي. على الرغم من كل الصعوبات والمشاكل التي نرزح تحتها، ما زال بإمكاننا انتشال البلد من أزمته العميقة. فلبنان بلد صغير يزخر برأس مال بشري جيد (على الرغم من النزيف الذي حدث مؤخرًا)، وشعبه طموح وخلاق ومحب للحياة الكريمة. نعم، نستطيع أن نتجاوز خلافاتنا السياسية والطائفية والمذهبية القاتلة لنعمل معًا من أجل ما يهمنا جميعا وهو إنقاذ لبنان من هذه الازمة غير المسبوقة في التاريخ الحديث. لن يرحمنا التاريخ إن لم نعمل لذلك".