بعد مخاض طويل، أنجز لبنان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بوساطة أميركية. لكنّ الغموض يبقى سيّد الموقف لجهة تفاصيل مراسم توقيع الاتفاقية، ومن جهة الصيغة القانونيّة، التي ستصدر بها، والطرف الذي سيوقّع باسم لبنان، خصوصاً أن الطرف المقابل عدو لا اعتراف بوجوده.
الاتفاقية التي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية بأغلبية كبيرة سيُعرض على الكنيست للاطلاع، وفقاً لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد. أما في لبنان، فإنّ الملف حُسم لجهة أن مجلس النواب لن يصوّت، وقد يطّلع عليه انطلاقاً من مبدأ حق الوصول إلى المعلومات ومراقبة التنفيذ فقط، من دون إبداء الرأي فيه.
رسالة لا اتفاقية
الخبيرة في قانون النفط والغاز لما حريز تُشير إلى أن "الاتفاق سيكون عبارة عن رسالة، قد يوقّعها رئيس الجمهورية ميشال عون، وتُرسل إلى الأمم المتحدة، ويبقى المحتوى الذي تنصّ عليه أهمّ من مستوى التمثيل الديبلوماسيّ وهويّة الموقّع عليه من قِبل لبنان".
وفي حديث لـ"النهار"، تلفت إلى أن "الاتفاق ليس بمثابة اتفاقية – بمعناها القانوني - أو معاهدة دولية ليوافق عليها مجلس النواب، ولا شرط بإطلاعه عليها، لكن من الأفضل عرضها على النواب في جلسة نيابيّة من دون التصويت عليها".
ورداً على احتمال رفض المجلس النيابي الحالي أو أيّ مجلس مقبل للاتفاقية ومطالبته بإسقاطها، تؤكّد حريز أن "الترسيم سيُصبح نهائياً بحكم الاتفاق متى عُقد"، وتذكر أن "لا سلطة لمجلس النواب لإسقاطه ولا قدرة على تعديل الحدود مستقبلاً".
مجلس النواب لن يُبدي رأيه
يُشاطر عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم حريز فكرة عدم طرح الاتفاق على مجلس النواب للتصويت عليه، ويؤكّد أن "الاتفاق حُكماً لن يُعرض على مجلس النواب، ولن يُبدي الأخير رأيه به لجهة التصويت أو المصادقة عليه، لأن النص القانوني للاتفاق لا يُعدّ اتفاقيةً، بل تفاهماً، والمادة 52 من الدستور تُلزم بموافقة مجلس النواب عند الاتفاقيات الدولية فقط".
ويقول لـ"النهار" إن "المجلس قد يطّلع على الاتفاق انطلاقاً من مبدأ الحق في الوصول إلى المعلومات، وبناءً على دوره الرقابي لجهة مراقبة ضمان التنفيذ السليم للاتفاق من قبل الحكومة، لكن لا موافقة، ولا رفض أو إسقاط من قِبله".
ويشدّد على أن "تصويت مجلس النواب لا يتم إلّا عند عقد الاتفاقيات الدولية، ولو كان هذا هو السيناريو الحاصل في ملف الترسيم الحدودي، لكان الاتفاق بمثابة تطبيع".
بغض النظر عن التسمية... المضمون اتفاقية
لكن لأستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأميركية في بيروت، المحامي الدكتور أنطوان صفير، رأي مغاير في هذا الملف، إذ يرى أن "الموضوع لا يتعلق بتسمية الاتفاق، بل بمضمونه، لأنه يدور حول ملف بحجم ترسيم الحدود. وبالرغم من عدم اعتراف لبنان بإسرائيل كدولة، فإن الاتفاق لا يعني اعترافاً، لأن ذلك لا يكون ضمنياً، بل علنياً وواضحاً بموجب اتفاق اعتراف. هذا ليس السيناريو، لأن المفاوضات حصلت بشكل غير مباشر، والاتفاق أيضاً سيحصل بشكل غير مباشر"، مذكّراً بأن بين لبنان وإسرائيل اتفاقية هدنة، وهذا لا يعني أن لبنان اعترف بإسرائيل.
وفي حديث لـ"النهار"، يلفت إلى أن "تداعيات الاتفاق ستكون بمثابة نتائج المعاهدات والاتفاقيات، والموضوع استراتيجي ومهم، لأنه يتعلّق بترسيم حدود بحرية واستخراج الثروات، وهو مرتبط بعقود مقبلة وأجيال صاعدة. لذلك لا يجوز أن يتم التوقيع إلّا بموجب المادة 52 من الدستور التي تفرض على الحكومة إطلاع المجلس النيابي على الاتفاقيات وأخذ موافقته"، كما يُذكّر بأن المادة الثانية من اتفاقية فيينا تقول إن ترسيم الحدود بين الدول هو بمثابة اتفاقيّة مهما كان مسمّاها.
وهنا، يُشدّد على أن "الاتفاق ليس معاهدة يُمكن تجديدها كلّ سنة، وبالتالي الحديث يتم عن اتفاقية يجب توقيعها وفق المادة 52 التي تحدّثت عن دور أساس لمجلس النواب، وفي حال لم يطّلع البرلمان عليها، فذلك يعني خروجاً عن الدستور، وعندها يُصبح الاتفاق بحكم مراسلة، أو محضر، أو وثيقة، ولكن تداعياتها تداعيات اتفاقيّة، وهذا ما تُطرح عليه علامات استفهام".
ويستطرد بالقول "حتى وإن لم يكن ثمّة اتفاقية أو معاهدة، فيجب إطلاع مجلس النواب على النص على الأقل ليأخذ علماً ويتّخذ موقفاً حتى لو لم يصوّت عليه".
أسئلةوعلامات استفهام
من جهته، يُشدّد نقيب المحامين السابق، النائب ملحم خلف، على وجوب إطلاع المجلس النيابي على الاتفاقية وتوقيعها انطلاقاً من المادة 52 من الدستور، ويبرّر مطلبه بأن للاتفاقية تبعات ماليّة وشروطاً دولية وتجارية، كما أن رئيس الجمهورية خاض المفاوضات وتوصّل إلى اتفاق نهائيّ لا يتمّ تجديده سنوياً؛ وبالتالي لا مبرّر كي لا يتمّ الاتفاق انطلاقاً من هذه المادة الدستورية، ما دامت كل الشروط تستوفي عقد الاتفاقيات.
وسأل عبر "النهار"، "في حال كان الاتفاق بمثابة محضر أو رسالة، فلماذا قاد رئيس الجمهورية المفاوضات وليس وزير الخارجية؟ كما أنّ الاتفاق يُشير إلى التزامات متبادلة، ويذكر في بنوده كلمة "طرفان"، ممّا يعني أنّه ليس رسالة من طرف واحد بل اتفاق مع طرف آخر".
وتطرّق خلف إلى المرسوم 6433، وسأل "ماذا سيحل فيه؟ مضمونه يتضارب مع نص الاتفاق، كما أن الحكومة باتت بحكم تصريف الأعمال ولا يُمكنها تعديله في الوقت الحاضر"، مشدّداً على أن "الملف يتعلّق بسيادة لبنان، والمواد الثلاث الأولى في الدستور تتحدّث عن حدود البلاد، وبالتالي لا يجوز ألا يمرّ الاتفاق على مجلس النواب".