النهار

رفيق الحريري جزء من أمل انطفأ... محطّات ومواقف
المصدر: "النهار"
رفيق الحريري جزء من أمل انطفأ... محطّات ومواقف
الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
A+   A-
روان أسما
 
18 عاماً مرّت و"لا ما خلصت الحكاية". حكاية رجل وطنيّ ارتبط اسمه ببناء لبنان وانتشاله من قعر الدمار، وبتنشيط حركته العمرانية والاقتصادية والاجتماعية، وإعادة الحرارة إلى علاقاته الدولية والعربية.
 
كلّ يوم مرّ منذ 14 شباط 2005، يترحّم اللبنانيون على غياب "الرفيق"، الذي طبع المشهد اللبناني كرجل دولة بامتياز، استخدم نفوذه الخارجيّ من أجل بناء الداخل، على مستوى الحجر والإنسان. علماً بأن مساهماته لم تقتصر فقط على الداخل بل تعدّته إلى خارج الحدود اللبنانية.
 
وجوده أزال هواجس ومخاوف، فتحوّل لعامل مطمئِن لمختلف المكونات اللبنانية. فهو الذي حمى المقاومة مرات ومرات، وانتشل الواقع السنّي من كبوته، وهو الذي وضع شعار "وقّفنا العدّ"، في رسالة مزدوجة المعايير؛ أولاً، إلى المسيحيين للتأكيد أنّ ما يحكم العلاقات اللبنانية هي "التعددية" التي تميّز لبنان لا "العددية"، والسنّة بامتدادهم الداخلي والخارجي هم حماة للميثاق وللأسس التي قام عليها لبنان، وثانياً إلى كلّ مَن يحلم بتغيير هوية لبنان التاريخية أن لا مجال للحصول على أيّ امتيازات لأي مكوّن أو طائفة تعلو على "المناصفة". إنها ثوابت حملها أيضاً بعده سعد الحريري.
 
 
عرف رفيق الحريري جوهر اللعبة وكيفيّة تدوير الزوايا، خصوصاً مع منظومة أدرك مسبقاً أنّها تمتهن القتل والاغتيال لتحقيق مكاسب في السياسة. ديموقراطيّتهم شكليّة، فيما جوهرهم قاتل. وحين أصبح رفيق الحريري رجلاً بقوة دولة، تمّ اغتياله لردع تأثيره على منطقة "محور الممانعة". شكّل هذا الاغتيال شرارة الاستقلال الثاني، فكانت ثورة الأرز، التي أخرجت سوريا من لبنان، وأسقطت الحواجز النفسية والطائفية التي كانت موجودة بين المناطق واللبنانيين على حدّ سواء؛ ومذاك، بدأ وجه جديد للمقاومة في لبنان.
 
في ذكرى 14 شباط، تعود سيرة رفيق الحريري كجزء من أمل انطفأ بعد أن كاد يضع الأزمة اللبنانية على سكّة الحلّ. من هنا، في الذكرى محطات ومواقف للرئيس الشهيد.
 
بنى رفيق الحريري نفسه بنفسه كالكثير من أبناء الوطن، فتخصّص في المحاسبة في جامعة بيروت العربية ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية عام 1966، حيث عمل هناك مدرّساً للرياضيات ومحاسباً في شركة للمقاولات.
 
في عام 1970 أسّس الحريري شركته الخاصّة التي أدّت دوراً بارزاً في عمليّات الإعمار داخل المملكة، وامتدّ نشاطها إلى الخارج. بعد ذلك توسّعت أعماله لتشمل قطاعات أخرى كالمصارف وشركات التأمين والاتصالات، وصنّفته مجلة "فوربس" الأميركية واحداً من أغنى 100 رجل أعمال في العالم.
 
حصل على الجنسية السعودية عام 1978 وأصبح مبعوثاً لها في لبنان آنذاك. وخلال هذه الفترة قام بشراء شركة "أوجيه" الفرنسيّة ودمجها بشركته ليُصبح اسمها "سعودي أوجيه"، التي أصبحت من أكبر شركات المقاولات في العالم العربي.
 
تكفّل الحريري بتعليم أكثر من ثلاثين ألف طالب لبناني في داخل لبنان وخارجه، وأنفق ملايين الدولارات لإعادة إبراز ملامح الهرميّة الاجتماعيّة في لبنان. ما كان قصر قريطم يخلو من الزوّار ومن العائلات البيروتيّة التي كان يستقبلها الرئيس الشهيد طوال أيّام الأسبوع، وكلّما دعت الحاجة ليستمع إلى مطالبها، وليساعدها في أدقّ تفاصيل حياتها، و"قاصده دائماً ممنون".
 
عام 1989 أدّى الحريري دوراً في التوصّل لاتّفاق الطائف بين الأفرقاء في لبنان. وعاد إلى بلاده مع نهاية الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً (1975-1990)، فيما علّق اللبنانيون آمالهم عليه في إعادة بناء البلاد.
 
تولّى الحريري منصب رئيس الوزراء طوال الفترة التي تلت الحرب الأهلية اللّبنانية عام 1990، وذلك خلال الفترتين (1992-1998) و(2000 – 2004).
 
قوبلت فترة تولّيه رئاسة الحكومة الأولى، من 1992 وحتى 1998، بحماس كبير من أغلبيّة اللبنانيين. وخلال أيّام ارتفعت قيمة العملة اللبنانية بنسبة 15 في المئة. خفّض الضرائب على الدخل إلى 10 في المئة، واقترض مليارات الدولارات لإعادة تأهيل البنية التحتيّة والمرافق اللبنانية، وتركّزت خطته التي عرفت باسم "هورايزون 2000" على إعادة بناء بيروت. وخلال هذه الفترة، ارتفعت نسبة النمو في لبنان إلى 8 في المئة عام 1994، وانخفض التضخّم من 131 في المئة إلى 29 في المئة، واستقرّت أسعار صرف اللّيرة اللبنانيّة.
 
سياسياً، كان رفيق الحريري متمسكًا بحق لبنان بالمقاومة واسترجاع الأرض من الهيمنة الإسرائيلية، وساهم في إرساء اتّفاق نيسان الذي حيّد المدنيين في خضم الصراع مع إسرائيل، وشرّع حق المقاومة في العمل على تحرير الأراضي المحتلة، كما ساهم في إعمار وسط بيروت بعد الحرب الأهلية عن طريق شركته عبر مشروع "سوليدير"، فضلاً عن قيامه بتثبيت مكانة لبنان الاقتصادية والسياحيّة في العالم العربي والغربي.
 
مع بداية التبدّل السياسي في المنطقة، وظهور مؤشر جديد لموازين القوى قد يخلط الأوراق رأساً على عقب، بدأ اسم رفيق الحريري يلمع كداعم لحركات المعارضة في لبنان، بدءاً بلقاء قرنة شهوان، إلى الاتصالات مع القيادات المسيحية المعارِضة، وصولاً إلى تردّي العلاقة بشكل كبير مع رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود، والقيادات السورية، خصوصاً عقب التمديد للرئيس لحود.
ففي آب 2004، ووفق ما كشف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط آنذاك، هدّد الرئيس السوري بشار الأسد الحريري شخصياً في اجتماع بينهما، قائلاً له: "لحود يمثّلني... إذا كنت تريدني أنت وشيراك أن أخرج من لبنان، فسأدمّر لبنان".
 
وبحسب الشهادات، ذكّر الحريري الأسد بتعهّده بعدم السعي لتمديد ولاية لحود، فردّ الأسد بأن هناك تحولاً في السياسة، وأن القرار اتُّخذ بالفعل. وأضاف: "أنه يجب أن ينظر إلى لحود على أنه ممثله الشخصي في لبنان، وأن "معارضته بمثابة معارضة للأسد نفسه". ثم أضاف أنه - الأسد - "يفضّل تحطيم لبنان على رأس الحريري وجنبلاط على أن يُحطّم كلامه في لبنان".
ومع التمديد للحود، استقال الحريري من منصب رئيس الوزراء، وعلّق على ذلك بقوله "لقد قدّمت استقالتي للحكومة، وأعلنت أنّني لن أترشّح لرئاسة الوزراء في الحكومة التالية".
وجاءت استقالته وسط توتر بين حكومة الرئيس السوري بشار الأسد والأمم المتحدة التي كرّرت دعوة سوريا إلى سحب قواتها من لبنان، الأمر الذي ردّت عليه دمشق بالرفض.
 
توالت التطورات، وبدأ جمرُ اللبنانيين يشتعل تحت رماد الأحداث. وفي 14 شباط 2005، وكان يوم إثنين، وفي الساعة الواحدة إلا بضع دقائق، دوّى انفجار في وسط بيروت، هزّ لبنان، وسقط الحلم من جديد.
اغتيل الرئيس رفيق الحريري بتفجير سيّارة مفخّخة أصاب موكبه أثناء مروره في منطقة عين المريسة – السان جورج، حيث الشعلة والنّصب التذكاري اليوم، أدّى إلى استشهاده و21 شخصاً، من بينهم حرّاسه وبعض المارّة ووزير الاقتصاد السابق باسل فليحان، وإصابة أكثر من 220 آخرين.
 
شكّل اغتيال الرئيس الشهيد لحظة فاصلة في تاريخ لبنان، فتفجّرت احتجاجات شعبية واسعة ضد الحكومة اللبنانية الموالية لدمشق التي كان يترأسها عمر كرامي، فاستقالت.
وبعدها، ارتفعت وتيرة الاحتجاجات، التي أُطلق عليها فيما بعد اسم "ثورة الأرز"، التي أدّت في 26 نيسان 2005، أي بعد نحو 29 عاماً، إلى الخروج العسكري السوري من لبنان.
 
عام 2007 أنشأت الأمم المتّحدة والحكومة اللّبنانية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي بهولندا، للتحقيق في عملية اغتيال الحريري وحوادث قتل سياسية أخرى وقعت في الفترة التي تلتها.
 
 
اتّهمت المحكمة الدولية خمسة أعضاء في "حزب الله" بالتآمر لارتكاب عمل إرهابيّ، هم: سليم جميل عياش، حسن حبيب مرعي، حسين حسن عنيسي، أسد حسن صبرا، إضافة إلى مصطفى بدر الدين، الذي اتُهم بأنّه العقل المدبّر لعمليّة الاغتيال.

اقرأ في النهار Premium