بدا كأنّ هناك ما يُميِّز إحياء ذكرى 14 آذار هذه السنة في تأكيد القيّمين والحاضرين الذين حملوا عَبَق ذاك الزمن إلى مكاتب "لقاء سيّدة الجبل" في الأشرفية. ظهروا وكأنهم جلبوا معهم كلّ الحلّة والتذكارات المستوحاة من ثورة الأرز، ولم ينسوا "المشعل" الذي قدّموه إلى الأجيال الجديدة وتوجّهوا إليها مع "وصية استمرارية". وفي اختلاجاتهم، أرادوا أن يمنحوا الجيل الذي سيتولى الأمانة الوطنية شعلة متّقدة من تجربتهم الشخصية، لتكون بمثابة لهب تحفيز ومصدر دفء يقي برودة الأيام الصعبة... فقدّموها إلى الجيل الشاب لتكون ضوءاً لمسيرتهم في عتمة درب بلدهم. وبرزت جليّاً ميزة ثانية تكلّلت هذه السنة في "جمع شمل" القوى التي رفعت في سواعدها المجتمعة شعلة 14 آذار 2005؛ هذا الالتقاء شكّل مشهداً إيجابياً في انطباعات المجتمعين نحو قابل الأيام.
الوصايا والنصائح إلى الأجيال المكمّلة للمسيرة، لفت إليها رئيس "المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني عن لبنان" فارس سعيد، في إشارته إلى "أننا جيل 14 آذار تعلّمنا من انتفاضة الاستقلال الثاني دروساً أهمها أن السيادة والاستقلال مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالوحدة الداخلية. غالباً ما قام بعض أطراف الصراع الداخلي بمقايضة عقيمة قوامها إعطاء جزء من السيادة لطرف خارجي - والسيادة لا تتجزأ - لقاء مكاسب على حساب الشريك الداخلي، ولا مكاسب حقيقية تكون على حساب الشراكة الوطنية". وقال: "نحن جيل 14 آذار نعتبر أن قسم جبران يمثّلنا، لأننا لمسنا بالتجربة أن الوحدة الداخلية التي انبثقت على أثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أخرجت جيشاً قاتلاً، وهو لا يزال يقتل في سوريا حتى اليوم. أخرجناه من دون عنف ولا دم. وقد سجّل لنا التاريخ كلبنانيين أننا أطلقنا الربيع العربي عام 2005 وحافظنا على سلميّته فيما سيغرقه تطرف الاستبداد الحاكم وتطرف الأصوليات الدينية والمذهبية في العنف الدموي". ووفق الإضاءات التي أكّد عليها سعيد، فإن "زمن 14 آذار يعني إعادة تكوين الوحدة الداخلية في مواجهة الاحتلال الايراني للبنان، أي استعادة الحرية التي بدورها كفيلة في استرجاع الدولة والقانون والإصلاح والتقدّم والازدهار".
وتوجّه سعيد إلى شباب اليوم ليخبرهم أن "الوحدة الداخلية ليست عملية تلفيقية بين مصلحيات صغيرة وانما حصيلة عمل تراكمي يبدأ بتوحيد القراءة السياسية ولا ينتهي بوضع صيغ تنفيذية". وركّز على أهمية "تجديد الثقة بدور لبنان ورسالته في المنطقة بعدما نجحت سلطة الأمر الواقع الحالي في نسف الكثير من مرتكزاته الأساسية". وختم: "نحن جيل 14 آذار ندعو الجامعات اللبنانية والانتشار والمثقفين والاطباء والمهندسين وكل القطاعات إلى المساهمة في ورشة عمل وطنية من أجل استنهاض لبنان وصياغة دوره الرائد في العيش المشترك الذي إذا نجح في لبنان، سينجح غداً في سوريا والعراق واليمن بين المكونات كافة. شعبنا شعب لبنان يستحق الحياة وسنناضل حتى العبور نحو الاستقلال الثالث من خلال تنفيذ الدستور والطائف والقرارات 1559 و1680 و1701".
ثم تحدّث عضو "اللقاء الديموقراطي" النائب مروان حماده، منوّهاُ بفارس سعيد ومقترحاً ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية. ولاحظ أنها "أكثر مرّة أرى هذا المستوى والعدد التمثيلي وحرية التعبير عن الاحتلالات والموبقات التي فتكت بالنظام اللبناني والدولة المستقلة". وفي نصيحة حماده إلى "الأجيال الجديدة التي اندفعت في 17 تشرين الأول ولا تزال تبحث عن طريق لاستعادة الثورة، أن تستمدّ من 14 آذار التجربة التي خضناها". ووجّه "تحية الى الحشد النسائي الحاضر الذي يذكّر ببدايات 14 آذار التي انطلقت كما 17 تشرين مع سيدات وعائلات؛ اليوم أرى الوجه الجميل الذي يدل على الوحدة".
ولاقاه الوزير السابق أحمد فتفت، قائلاً: "منذ 2011 لم تلتقِ قوى 14 آذار كلها كما اليوم. انها رسالة كبيرة في مرحلة حصل فيها نوع من الانسجام والتطلع نحو أفق جديد. الوحدة الوطنية أساس أي خطوة أنقذت البلاد... وأيّ خطوة أخرى توصل إلى المجهول والتردد والتصادم الداخلي حتى ضمن المجموعات وفق ما حدث في مراحل سابقة". وتفهّم فتفت "هواجس الشباب وسؤالهم عن كيفية الخلاص. الأساس من خلال تجاربنا: لا يمكن اتخاذ خطوة إلى الأمام من دون وحدة وطنية حقيقية شاملة وعامة. استعادة القرار الحرّ والاستقلال أساس ونحن مدركون أن هناك حاجة إلى إصلاح كبير ومعالجة مسائل الفساد والانهيار. لكن لماذا لم تحصل؟" مشيراً إلى أنه "منذ 2019 لم يجرؤ أحد على اتخاذ قرار جديّ لأن لا وحدة وطنية حقيقية بل قوى تشرذم البلاد وتدفعها نحو مزيد من الانهيار ولديها همّ السيطرة على لبنان. الرسالة إلى الشباب رسالة تفاؤل والوحدة الوطنية أساسية لاستعادة الإمكانات السياسية للدولة التي تؤمّن عودة الشباب إلى الداخل والنموّ إلى البلد".
من جهته، قال نائب رئيس حزب الكتائب جورج جريج إنّ "لبنان يعيش وضعاً مصيرياً يُعتبر من أسوأ الأيام التي تمرّ بها البلاد. ولا بدّ من الاستفادة من أخطائنا وأخطاء 14 آذار، لأنّ هذه الروح الحاضرة في هذا المؤتمر هي استعادة للروحية مع المرور في محطات كبيرة وبخاصّة محطات استشهاد قياداتنا الذين استشهدوا من أجل قضية. وكلّ منّا على صعيد "سيدة الجبل " أو المعارضة من موقعه عليه الاستشراف إلى الأمام. وفي رأيي أنّ جمهور 14 آذار كان مخلصاً جدّاً وبحاجة إلى هذه المرجعية الأساسية".
وكان الختام مع ممثل "القوات اللبنانية" المحامي فادي مسلّم، الذي نوّه باللقاء وسط "هذه النخب التي لا تزال مجموعة واحدة. خطابنا واحد وعيشنا واحد وهذا ما يجمعنا كسياديين جميعاً قدّمنا شهداء، وشهداء أحياء كمروان حماده ومي شدياق إضافة إلى الشهداء الذين قدّموا حياتهم. من هنا، لدى "القوات اللبنانية" كلّ الثقة بهذه الشخصيات الجامعة التي حملت صوت المعركة. ونشدّ على أيديكم لاستمرار هذه المعركة والمشروع والرؤية التي سنستمرّ فيها... وهي معركة بصعوبة عام 2005 إن لم تكن أصعب منها".