ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الصلاة الجنائزية لراحة نفس الوزير السابق سجعان قزي في كنيسة سيدة لورد في أدما.
وتحدث الراعي عن مميزات الراحل وقال: "اعتدنا في صباح كل خميس أن نبحث عفوياً في الصفحة الأولى عن افتتاحية سجعان قزي الوزير السابق المميزة عن جميع افتتاحيات الصحف، بما تحمل من غنى في التحليل السياسي الداخلي والخارجي، وفي سعة الاطلاع والثقافة، وفي المقدرة على ربط الأحداث التاريخية والخلاصات. ولكن هذا الخميس الأخير، كانت كلمة واحدة مؤلمة كنا نخشاها ونصلي لعدم الوصول إليها: سجعان قزي مات! أما هو فكان يلبي آخر دعوة له من الله رافقت جميع محطات حياته، هي كلمة أشعيا النبي: "ها أنذا، فأرسلني" ( أشعيا 6: 8). لقد كان في حالة إرسال دائم. فما إن أنهى دروسه التأسيسية في معهد الرسل بجونيه، ونال شهادة الفلسفة من جامعة الروح القدس- الكسليك، وشهادة العلوم السياسية والإدارية من جامعة القديس يوسف- بيروت، حتى انطلق في قطاعات الرسالة بفضل ما حباه الله من علم ونباهة ومنطق وتحليل. فتوزعت رسالته بين الصحافة، والتعليم الجامعي، والاستشارات، والعمل السياسي والتحليل، والتأليف والكتابة. مع اهتمام خاص بعائلته التي أحبها كثيراً وأحبته".
أضاف: "فإنا نبكيه بدمع العين والقلب مع زوجته السيدة دانيا حليم بارود وابنتيه Aude و Joyوصهره وشقيقيه وشقيقته وحماته وأولادها وعائلاتهم، وذويه وأنسبائه، والألوف من عارفيه والأصدقاء. لقد أحبهم جميعاً، بدءا ًمن العزيزة زوجته وقد عاشا معاً حياة زوجية سعيدة أربعاً وثلاثين سنة من دون أن تعكرها كلمة أو فعل، وكبر الحب بينهما بالإبنتين الكنزين اللتين وفرا لهما التربية والعلم الرفيع وضمانة المستقبل".
وتابع: "بوفاته جف قلم من أخصب الأقلام إنتاجاً سياسياً وتاريخياً وإعلامياً وعلمياً وأدبياً. ولئن لم يكتب افتتاحيته هذه المرة في جريدة النهار، فقد امتلأت الصحف بافتتاحياتها وصفحاتها الداخلية ووسائل التواصل الاجتماعي المكتوبة والمسموعة والمرئية بالكلمات عنه.
فهذا رأى فيه: رجل الكلمة والفكر والحوار والمنطق والانفتاح واللياقة؛ وآخر: سياسياً وحزبياً وصحافيًا ومفكراً استثنائيا؛ وآخر: قامة سياسية صريحة وجريئة؛ وآخر: مناضلاً صلباً في صفوف المقاومة اللبنانية من أجل سيادة لبنان وهويته؛ وآخر: مقاوماً مفكراً من أجل لبنان؛ وآخر: مثقفاً سياسياً عاقلاً ودوداً؛ وآخر: قمة في الحيوية السياسية والتألق الفكري والثقافي؛ وآخر: لبنانياً أصيلاً حمل على منكبيه هما حفره في وجدانه، هو همُ لبنان؛ وآخر: رجل الحوار والكلمة العميقة والأنيقة؛ وآخر: مؤمناً بالاعتدال، ومناضلاً في سبيل الحياد؛ وآخر: الصوت الصارخ الحريص على صيغة لبنان وتماسكه الوطني؛ وآخر: وزيراً نشيطاً وملتزماً قناعاته الأدبية والأخلاقية؛ وآخر: مناضلاً كرس حياته للدفاع عن القضية اللبنانية، وكاتباً حمل قضايا الوطن في قلمه؛ وآخر: رأس الحربة في نضاله السيادي بحكمته وحزمه وبخبرته السياسية والإعلامية الغنية؛ وآخر: ركناً أساسيا من أركان عالم السياسة في لبنان؛ وآخر لا الأخير: الكاتب السياسي ذا الانتماء الوطني، الملتزم القضية اللبنانية، واسع الفكر، سريع البديهة، تراتبي الأفكار".
وأردف: "قاعدة حياته الدائمة: "هاءنذا" بجهوزية تامة للعطاء حباً بالعطاء. هذه هي الروح التي أنعشت رسالته الصحافية في رئاسة تحرير وافتتاحيات الصحف أمثال "العمل" الكتائبية و"الجريدة" و"النهار" ومجلتي "Magazine" و "الجديد"؛ وفي رئاسة الأخبار في "إذاعة صوت لبنان"، وتأسيس وإدارة "إذاعة لبنان الحر". كما وفي رسالة التعليم محاضراً في جامعة القديس يوسف بيروت، وفي أكاديمية بشير الجميل بجامعة الروح القدس الكسليك.
بهذه الروح إياها قدم استشاراته عبر مؤسسته التي أنشأها في باريس للدراسات والاستشارات في مجال المخاطر السياسية والاقتصادية، وفي منشورته المختصة بالاستراتيجية السياسية في الشرق الأوسط. وقدم استشاراته لمؤسسات أجنبية عالمية تفوق الثمانية.
وبهذه الجهوزية التامة انخرط شاباً في حزب الكتائب اللبنانية على خطى المرحوم والده الذي أسس الكتائب في منطقة الفتوح. بفضل هذه الجهوزية أصبح نائباً لرئيس الحزب، ومستشاراً سياسياً للرئيس الشهيد بشير الجميل، وللرئيس الشيخ أمين الجميل. وفي بداية الحرب اللبنانية تولى رئاسة مصلحة الإعلام في المقاومة اللبنانية. أما نحن فنعمنا بمشوراته وآرائه وعمق تفكيره في لجان المركز البطريركي للتوثيق والأبحاث، وفي تنسيق لجنة الحياد والمؤتمر الدولي، وفي ما كنا شخصياً نطلب منه من آراء ودراسات وطنية وإقليمية. فغيابه يشكل لنا فراغاً كبيراً قلما يعوض".
أضاف: "ووجد متسعاً من الوقت للكتابة: فترك للأجيال إرثاً نفيساً ومرجعاً في مجالات السياسة والتاريخ والاستراتيجية بكتبه الخمسة باللغة العربية، وبافتتاحياته في جريدة النهار، وبدراساته الثمانية والعشرين بالفرنسية، بالإضافة إلى عشرات المحاضرات في جامعات لبنان وأوروبا وأميركا. ما يجعله حياً بيننا بفكره وعلمه، مجدداً ذاكرتنا، ومنعشاً محبة قلوبنا".
وختم الراعي: "سجعان قزي صنع الفرق حقاً. بقوة كلمته النابعة من شخصيته المميزة علماً وسياسة وشجاعة وخلقاً وأناقة وجهوزية للخدمة والعطاء من دون مقابل. أجل كلمة واحدة: "ها أنذا، فأرسلني" ( أشعيا 6: 8). وقالها آخر مرة صباح الخميس، بعد أن تهيأ روحياً بصلاتي الشخصية قرب سريره ومنحه غفران خطاياه وإنسانياً وعائلياً، قالها بصوت القلب النابض واللسان الصامت: "ها أنذا، ربي، فأرسلني إليك!". وكما أشركه المسيح الرب في آلام الفداء، فإنه يشركه في مجد القيامة، ليكون لأسرته الصغيرة والكبيرة خير شفيع".
صور من الصلاة الجنائزية لراحة نفس الوزير السابق سجعان قزي. (حسام شبارو)