البطريرك الراعي.
أنهى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الرسمية والرعوية إلى العاصمة البريطانية لندن، وقد تضمنت لقاءات مع مسؤولين في مجلس العموم والحكومة وبعض رؤساء الدوائر الرسمية المهتمة بالشأن اللبناني بوجهَيه السياسي والاقتصادي، الى جانب اللقاءات مع أبناء الرعية المارونية وسائر أبناء الجالية اللبنانية.
وقد شهدت اللقاءات الرعوية كثافة حضور ومشاركة من جميع اللبنانيين الموجودين في العاصمة البريطانية لندن، بخاصة أنّ زيارة الراعي كانت مقررة منذ سنة 2019، وقد أرجئت بسبب وباء كورونا.
وتناول الراعي ملفات عديدة متصلة بالوضع اللبناني، مكرّراً دعوته الى القوى الدولية المهتمة بلبنان، ومنها بريطانيا، "لمساعدته سياسيا لتجاوز أزمته الراهنة، وتجنيبه تداعيات الصراع الإقليمي المتفاقم". كما جدّد دعوته السابقة الى "ضرورة تهيئة الظروف الداخلية والخارجية لتكريس حياد لبنان الإيجابي، الذي يضمن مستقبله التعددي ضمن وحدته، ورسالته الحضارية التاريخية في الشرق وفي العالم كله، وذلك في إطار رعاية ودعم دوليين".
كما طرح ملف الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الخطيرة لجهة دفع اللبنانيين الى المزيد من الهجرة، وتهديد الأرض اللبنانية بإفراغها من أصحابها وسط تواجد حوالي مليوني نازح سوري وحوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني". وجدد دعوته الى المجتمع الدولي لـ"إيجاد حل لأزمة النازحين السوريين وإعادتهم الى سوريا حفاظا على تراث سوريا ووحدتها وحضارتها ودورها"، بالإضافة الى تجديد المطالبة بـ"ضرورة تطبيق حق عودة الفلسطينيين وفق القرارات الدولية".
كذلك عرض البطريرك الراعي مع المسؤولين الرسميين "كيفية تطوير الدعم الاقتصادي للبنان من خلال تطوير مبادرات التنمية المستدامة، التي تكفل رسوخ الناس في أرضهم في لبنان، وتتركز هذه المبادرات في المجال البيئي الثقافي، الذي انطلق مع عدد من الأجهزة الرسمية البريطانية منذ سنة 2003 مع زيارة البطريرك صفير الى لندن".
وعلى الصعيد الرعوي، شدّد الراعي مع أبناء الرعية المارونية على "ضرورة تعزيز الرعية كإطار لوحدتهم حول آباء الرهبانية اللبنانية المارونية التي تتولى خدمتهم مشكورة وحول جملة مشاريع تتصل بدور الكنيسة الراعوي الاجتماعي، ولجهة التواصل مع أهلهم في لبنان ودعمهم، بالإضافة الى ايجاد كنيسة جديدة أكبر تتسع لأبناء الرعية الذين زاد عددهم". كما ركّز مع أبناء الجالية على “ضرورة إعطاء المجتمع البريطاني صورة لبنان الواحد، بعيدا عن كل اشكال الانقسامات والخلافات السياسية القائمة بين اركان الطبقة السياسية فيما الشعب اللبناني بأكمله يواصل حياته اليومية المشتركة".
وتضمّن برنامج الزيارة الاولى الى المملكة المتحدة لقاءات كنسية مسكونية ومقابلات إعلامية ولقاءات مع مؤسسات تعليمية جامعية وأخرى شرقية. وتكلّلت باللقاء الجامع والعشاء الذي دعت اليه سفارة لبنان في لندن، وقد ضم، الى وزراء ونواب بريطانيين وسفراء دول اجنبية، ممثلين عن الطوائف الاسلامية والمسيحية وعددا كبيرا من ابناء الجالية اللبنانية.
وفي كلمة الترحيب التي ألقاها في مستهل اللقاء، قال سفير لبنان رامي مرتضى: "يشرفني ان أرحب بغبطة أبينا البطريرك الذي شرف هذه البلاد بزيارة راعوية ورسمية. كما أرحب بالوزراء والنواب والسفراء العرب والسفراء الأصدقاء ورؤساء الطوائف الموجودين بيننا. إن الجمع المتنوع الحاضر بيننا يؤشر إلى الغنى في القيم الذي يمثله سيدنا البطريرك بشخصه ومسيرته وكذلك بالمرجعية السامية التي تمثلها بكركي لجميع اللبنانيين. كما يمكن تلمس الغنى في مسيرة أبينا البطريرك في الشعار الذي رفعه منذ انتخابه بطريركا شعار الشركة والمحبة، هذا الشعار الذي شرحه غبطة البطريرك بأنه علاقة أفقية مع الله من خلال الصلاة والأسرار المقدسة وعمودية من خلال العلاقات بين الكنيسة المارونية وسائر الكنائس والعائلات الروحية كافة، وكذلك علاقات لبنان مع سائر دول المنطقة والعالم".
وأضاف: "يقوم غبطة أبينا البطريرك في هذه الأيام بزيارة إلى المملكة المتحدة لتفقد رعيته، وبرعيته أعني جميع اللبنانيين، لان بكركي هي المرجعية الجامعة لكل اللبنانيين. كما تساهم زيارة أبينا البطريرك في إعطاء دفع هام للعلاقات اللبنانية البريطانية، تلك العلاقات المبنية على القيم المشتركة، قيم الديمقراطية والانفتاح والتسامح. تنقلون يا سيدنا خلال زيارتكم هواجس عموم اللبنانيين وآمالهم وتطلعاتهم، لا سيما في هذه الظروف حيث يمر وطننا بتحديات جمة بعضها من صنع أيدينا كالفراغ في سدة الرئاسة، وهنا نأمل أن يحظى لبنان قريبا برأس للدولة يعيد الانتظام إلى حياتنا السياسية والوطنية، وكذلك يواجه لبنان تحديات شتى شرحتموها بشكل واف للمسؤولين البريطانيين، كما شرحتم الصيغة اللبنانية التي يمكن أن تشكل حلا تبحث عنه العديد من الدول، لا سيما في هذه الظروف العالمية حيث تطغى ثقافة الانغلاق والأحادية. باختصار زيارتكم يا سيدنا جلبت البركة والتفاؤل لنا ولكل اللبنانيين القانطين في بريطانيا، ويقيني انه ستكون لها آثار هامة في المقبل من الأيام".
وكان الراعي، وقبيل لقاء السفارة اللبنانية، قد التقى سفير بريطانيا السابق في بيروت توم فليتشر الذي يشغل حاليّاً منصب نائب رئيس جامعة أوكسفورد، ثم استقبل رئيس حزب المحافظين الحاكم الوزير نديم زهاوي.
واليوم اختتم الراعي زيارته إلى المملكة المتحدة بزيارة مدينة بيرمينغهام، ملبّياً دعوة رئيس الأساقفة الكاثوليك المطران برنارد لونغلي. بدأت الزيارة بالاحتفال بالذبيحة الإلهية بحسب الطقس الماروني في كنيسة الأوراتوري للقديس فيليب ناري بمشاركة المطران بولس صياح، الكاردينال مايكل فيتزجيرالد ورئيس أساقفة المدينة.
وفي عظته شدد البطريرك على "ضرورة الصلاة من أجل الدعوات انطلاقا من كلام الإنجيل: إن الحصاد كثير أما الفعلة فقليلون"، طالباً من "الله أن يرسل لنا دعوات على مثال القديسين فيليب ناري وجون هنري نيومان".
بعد القداس، جال الراعي في المبنى الذي كان يعيش فيه القديس جون هنري نيومان اضافة الى مكتبته القيمة.
وبعد الظهر التقى برئيس أساقفة بيرمينغهام، وناقش معه الوضع المسكوني في لبنان وعلاقة الكنيسة المارونية مع الكنائس الشرقية، ولفت الى “العلاقات المميزة التي تجمع الكنيسة المارونية بسائر الكنائس الشرقية”، مشددا على “ضرورة الحفاظ على لبنان كنموذج للعيش المشترك المسيحي- المسيحي والمسيحي- الإسلامي”.
وفي ختام اللقاء وجه البطريرك الراعي دعوة الى رئيس الأساقفة لزيارة لبنان في فصل الصيف. ثم توجه الى كاتدرائية القديس تشاد حيث ترأس الصلاة المسكونية مع رؤساء الكنائس المحلية في المدينة، وفي ختام اللقاء ألقى كلمة شكر فيها لرئيس الأساقفة الدعوة وقدم له أيقونة العذراء سيدة لبنان كعربون شكر وشراكة روحية.