"قانا مقابل كاريش". هكذا يمكن اختصار العرض اللبناني الرسمي للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. في السياسة، يمكن القول ان موقف لبنان الرسمي تجنّب حالياً الدخول في صدام مع المطالب الأميركية، وفي الوقت عينه أراد أن يحقق خطوة متقدمة في المفاوضات، فكان المخرج أنه لم يكتفِ بالخط 23 فقط، بل طالب بقانا أيضاً، فيما لا احد يعلم كواليس المفاوضات التي يدخل فيها السياسي بالشخصي وبتسويات من هنا وهناك.
تقنياً، لماذا حقل قانا؟ وبماذا يمكن أن يفيد لبنان؟ وهل يملك ما يعوّض عن الخط 29 الذي حددته الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني كخط حدودي، والذي أعلنت قيادته بالأمس التزامها بما تقرره السلطة السياسية؟
بحسب وكالة "فرانس برس"، قدّم لبنان لهوكشتاين عرضاً جديداً لترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل يستثني حقل كاريش الذي اعتبر لبنان في وقت سابق أنّ أجزاءً منه تقع في منطقة متنازع عليها.
وقال مسؤول مواكب للاجتماعات التي عقدها هوكستين في بيروت: "طرحنا زيادة المساحة البحرية من 860 كيلومتراً مربعاً إلى حوالي 1200 كيلومتراً مربعاً". وتشمل هذه المساحة حقل قانا الذي يمرّ به الخط 23، بينما تستثني حقل كاريش. وتابع: "نحن بالأساس نريد حقل قانا كاملاً، وهذا يؤدّي إلى تعديل الخط 23".
ماذا يعني ذلك؟
يعني هذا عمليّاً تراجع لبنان عن الخط 29 وحقل كاريش.
يقع حقل قانا في منطقة يتقاطع فيها الخط 23 مع الخط واحد، وهو الخط الذي أودعته إسرائيل الأمم المتحدة، ويمتدّ بعض الشيء أبعد من الخط 23.
الأستاذ الجامعي والمتخصّص في شؤون الغاز والنفط شربل سكاف حدّد ثلاثة معايير يجب التنبه لها، فقال لـ"النهار": "أولا، ان حقل قانا بموقعه يتجاوز الخط 23، وبالتالي، هذا يعني إما توسيع رقعة حدود لبنان عن الخط 23 جنوبا أو الحصول على اعتراف إسرائيلي بملكية حقل قانا للبنان.
ثانياً والأهم، تحديد إطار زمني واضح للتفاوض الذي بدأ منذ نحو 10 سنوات. فعلى سبيل المثال اذا استمر التفاوض نحو 30 سنة عندها لا قيمة للنفط والغاز بعد هذه المدة.
وثالثاً، أي حل يتوصل إليه لبنان يجب ان يستند الى القانون الدولي ويتطابق معه. اذ لا يمكن ان يستند لبنان الى خط عشوائي مع الإسرائيلي لا يستند إلى قرارات دولية، وإلا يكون لبنان يسجل سابقة في هذا الصدد. وبالتالي مصلحة لبنان في أي تسوية ان تكون قائمة على مبادئ وأطر وأسس القانون الدولي".
المتخصّصة بشؤون الطاقة لوري هايتيان، اعتبرت أن لبنان تخلى منذ زمن عن الخط 29، والعنوان اليوم، ماذا يملك لبنان من مكامن قوة لإجراء تحسينات في العرض الذي قدمه آموس هوكشتاين؟
هايتيان ترى في حديث لـ"النهار" ان لبنان لا يملك أي قدرة على فرض تعديلات على مقترحات هوكشتاين والمطالبة بحقل قانا أو غيره. وقانا أصبح في المخيلة اللبنانية انه حقل يحتوي على الكثير من الغاز، وعلى رغم الدراسات الموجودة يبقى حقلاً نظرياً، لم يتم العمل فيه والحفر للتثبت من وجود الغاز".
وتضيف: "قانا غير موجود اليوم إلا على الورق، والنتيجة أن المفاوضات كان يجب ان تنطلق من معايير محددة، قانونية وتقنية تحدد منهجية رسم خريطة الترسيم، بينما لبنان اليوم يدخل في بازار مع الأميركيين حول هذا الموضوع، وقد أوصلتنا الطبقة السياسية في أدائها اليوم الى القبول بالقليل وبما هو معروض".
ولفتت إلى أنه في فترات الاستكشاف قد يتم العثور على الغاز وقد لا يتم، ومثال على ذلك ما حصل في البلوك رقم 4 مع شركة توتال. مجددة التأكيد ان لا معايير واضحة للتفاوض مع هوكشتاين الذي بالمختصر يقول للبنانيين بـ"الموجود جود". أي إقبلوا بما يعرض عليكم الآن وإلا لن تحصلوا على الغاز والنفط.
الاعتراف الإسرائيلي ومبدأ تقاسم الموارد
العرض اللبناني الحصول على حقل قانا يتطلّب اعترافاً اسرائيلياً للبنان، وهذا قد يعني نزاعاً محتملاً في المستقبل، خصوصاً أن حقل قانا حتى الان كما يؤكد سكاف هو حقل نظري، بمعنى، ان هناك عدة دراسات زلزالية إنكليزية ونروجية أشارت إلى احتمال وجود حقل غازي كبير، لكن يبقى حقلا نظريا إلى حين القيام بعمليات الحفر فيه للتثبت من وجود الغاز فيه.
وفي الإطار، يشدّد سكاف على أنه لا تجوز المقارنة بين حقلي قانا وكاريش، فالأول كما قلنا لم تحصل فيه عمليات حفر، بينما الثاني حُفرت فيه 3 آبار وهم الآن بصدد حفر الرابع. وتم تقدير قدرة كاريش التقريبية من الغاز بـ2.3 TCS او مليار مكعب من الغاز. وبالتالي، وبإيجاز، فإن الحقل التي تم إطلاق عليه اسم قانا نسبة إلى شهداء قانا، هو حقل "نظري"، بيّنت الدراسات الزلزالية احتمال وجود مكمن كبير من الغاز فيه.
بدورها، تؤيّد هايتيان أنه لا تجوز المقارنة بين قانا وكاريش، الذي يبدأ الإنتاج فيه بعد نحو شهرين تقريباً، بينما لا يزال حقل قانا في مرحلة الاستكشاف، والمسار ما زال طويلا. وحذرت في السياق من مبدأ تقاسم الموارد، إذ في حال تم اكتشاف غاز في قانا فما الذي يمنع الإسرائيلي من المطالبة بحصة فيه، لأنه مكمن مشترك.