برعاية نقيبة المحامين في طرابلس ماري تراز القوال فنيانوس، نظّمت نقابة المحامين في طرابلس ندوةً حواريةً مع مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم تحت عنوان "الأمن في خدمة الحق والإنسان"، تلاها تلاوة البروتوكول القديم وتوقيع بروتوكول جديد فيما بين النقابة والمديرية.
وعلى هامش الندوة، قال اللواء عباس إن "أزمة الجوازات هي "أزمة عمر"، وبرمجنا إعطاء الجوازات وفق الأهمية، وحصلنا على الإعتماد اللازم بعد جهد سنة وتأخير متعمد".
أما وعن أزمة الكهرباء، أشار إلى أن "هناك محاولات لتجديد عقد النفط مع العراق وأعدكم بعدم قطع الكهرباء إلى الصفر".
وفي سياق الندوة، أشار ابراهيم إلى ان "المديرية العامة للأمن العام باشرت سعياً متماد إلى جانب نقابة المحامين في طرابلس، منذ توقيعِ البروتوكول الأول للتعاون في 27/9/2016، والآن نشهد التوقيع الثاني لهذا البروتوكول الجديد، فميزة الندوة هذه، التي نحن في صددها، أنها غير مقطوعة الصلة بما راكمناه سوية وأثمر خيرا في تطويرِ العلاقة بين نساك الأمن ونساك الحق والعدالة. فكلانا بذل جهدا حثيثا ومتعاقبا للوصول إلى الأفضل على طريق السعي لتعزيزِ فكرة الدولة الآمنة وليس الأمنية. وجدلية الحق والأمن كانت منذ أن تبلورت فكرة الدولة".
وأضاف: "بهذا المعنى، وبقدرِ ما يحمل عنوان الندوة من معان جدلية قد يتحفظ البعض عليه عنها، أرى أن سلوك جادة الصواب يقتضي معالجة هذه الجدلية في لحظة إحتدامها. أي عند المحطة التي ترى إلى "العنف المقونن" الذي تمارسه الدولة عبر أجهزتها خطرا على الحقوق. في هذه المحطة بالذات يجب ألا يسقط من الوعي الحقوقي وبالتالي السياسي، أن الدولة عندما تلجأ إلى فرض الأمن، فهي تفعل لأنها هي المخولة إستخدام العنف من دون أن تكون قادرة على إنكار شرعيتها، وبالتالي هو "حق" من حقوقها منحها إياه المواطنون من خلال العلاقة التعاقدية. لكن هذا إستثناء يحصل في لحظة تكون الدولة في خطرِ التحلل والزوال".
وشدّد على أن "في الأصل أن كل عنف منبوذ، لكن عندما تستهدف الدولة ويتهدد إستقرارها، فهذا يعني تلقائيا أن أمن كل من عليها من جماعات وأفراد صار مهدداً، وبالتالي فإن وظيفتها ودورها يحتمان عليها اللجوء إلى حقها في إعادة الإستقرارِ وتثبيت الأمن من دون أن يعني ذلك على الإطلاق تحويلها إلى دولة أمنية".
ولفت إلى أن "على المستوى الشخصي، أنا من المقتنعين بشدة بما قاله كبير من لبنان، عنيت به شارل مالك، إذ يرى أن "أرفع حرية هي العبودية للحق. كن للحق عبداً فعبد الحق حر". أما على المستوى الوطني وما يفرضه الموقع الأمني لا يخطىء ناظر إلى الأمرِ في اعتبار أن الحق هو عام وخاص في آن معا. عام عند الحديث عن حقوق في الدولة وعليها، ويصبح حساساً جدا عندما يتعلق الأمر بوطننا لبنان الذي يتشكل من جماعات تتنافر بين بعضها البعض، وغير خجلة بما تفعله وهي تضرب الدولة. هذا حصل من الجميع وعند الجميع، ولا يستثنى منه أحد".
وذكّر أن "في كل مرة كانت تتراجع فيه الروح الوطنية المشتركة التي توجبها فكرة المواطنة أساسا كان "الحق" يصبح وجهة نظرٍ ويؤول تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان. التسييس كان فعله، وأيضا إستدعاء الخارجِ إلى الداخل. وارتكبه أيضا وأيضا كل متعهدي المشاريعِ الإقليمية. فكان ما كان من خراب عميم راح يضرب الدولة التي سقطت على الدوام جراء سقوط الأمن، وليتسيد "الحق المدعى" من هذه الجماعة أو تلك. فكان ما كان عند اليسارِ واليمين وكذلك عند المسلمين والمسيحيين".
بناء على كل ما تقدم، رأى ابراهيم أن "العلاقة بين الأمن والحق والانسان، يجب أن تكون محكومة بالدستورِ والقوانين الضامنة للحقوق والحريات السياسية والمدنية. وعلى هذا يكون حسن مقاربة العلاقة بينهم".
وتابع: "يترتب على ما ورد إعتبار "الأمن والحق صنوان"، تحت سقف الدستورِ والقوانين، وكذلك إعتبارهما عنوانا واحدا لحفظ مبدأ العدالة الذي يضمن إستقرار الدولة وحماية الإنسان. فمتى سقط الأول ترنح الثاني. والضمانة هنا هي في القضاء المستقل عن السلطة لصالحِ الدولة العادلة والحديثة من جهة، والمستقل عن التسييس لصالحِ إحقاق الحق لذويه من جهة اخرى. وهذا أكثر ما تحتاجه الدولة اللبنانية في ظل الوضعِ الراهن البالغِ السوء الذي وصلنا إليه في كل شيء: الأمن والإقتصاد والعدالة والمجتمع".
وقال إن "من هنا لا بد من طرحِ معادلة بث الأمل ونفي اليأس، فمن هذين "الأمل ونقيضه اليأس"، تنطلق الحاجة إلى كلامٍ صارمٍ في أحوال الأمن والحق وما بينهما موقع الانسان. فالأمن هو الحاصل السياسي لاستقرارِ الدولة التي صار الهم اليومي لنا جميعا يحجب الإهتمام بوجوب التمسك بها كضابط لأي تعسف منه، أي من الأمن. أما الحق وإن كان في المطلق مقدسا، فهو بالتعريف والممارسة يعني مضمون ما نص عليه الدستور والقوانين. الإثنان يملكان وجاهتهما المؤكدة متى انضبطا بحدي الدستورِ والقوانين. وعليه فإن الإثنين يجب أن يشملا الجميع سواء الدولة أو المواطنين".
وشدّد على أن "من الضروري الأخذ في الإعتبار متطلبات الأمن بما لا يتعارض مع احترامِ حقوق الانسان، مع التشديد على أن مقتضيات الأمن تهم جميع مكونات الدولة وليس فقط الأجهزة الأمنية، لأن تهديدات الأمن هي أيضا تهديدات لحق الإنسان في العيش بأمان، وحقه في الحياة الذي يشمل الحريات الفردية والعامة المنصوص عنها قانونا. ومتطلبات الأمن في لبنان بنظامه الجمهوري ـ البرلماني ـ الديموقراطي لا تتعارض إطلاقا مع حق الأفراد والجماعات، وإذا حصل أي تعارض فالحل يكون بالإحتكامِ إلى المؤسسات والعمل الديموقراطي، لا إلى التأويلات الصادرة عن هواجس جماعة دون أخرى، ذلك أن المواطنة تعني بلورة وعي جماعي عن الروحِ الوطنية المشتركة. على هذا يصبح الأمن صونا للحق وخدمة له، فينتصر الإنسان في ضمان الحصول على الاثنين معا".
في الخلاصة، اعتبر ابراهيم أن "يمكن التسليم ان بأن الأمن هو في خدمة الحق، ولكن ضمان الحق وتأمين العدالة المنبثقة منه يخففان من وطأة الأمن لصالحِ الانسان كي ينعم بحياة مستقرة، تمكنه من ممارسة دوره بحرية تامة ومسؤولة يصونها القانون".
وأضاف: "قدمنا عرضاً يقضي بتأمين عودة آمنة للنازحين بعدما حصلنا على ضمانة القيادة السورية، لكنه رُفض دولياً".
وشدّد على أن "لا نية لدى المجتمع الدولي لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وهناك دول كبرى تعرقل عودتهم بحججٍ عدّة".
حضر الندوة الوزيران السابقان رشيد درباس وسمير الجسر، مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، متروبوليت طرابلس للروم الأرثوذكس المطران كرياكوس، رئيس اساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين المطران ادوار ضاهر، رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف ممثلا بالمونسنيور نبيه معوض، رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق، مفتي طرابلس والشمال السابق الدكتور مالك الشعار، قاضي الشرع الجعفري الشيخ محمد زغيب ممثلا بالحج حمد حسن، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي، الرئيسة الاولى لمحاكم الإستئناف في الشمال سنية السبع، قاضي التحقيق الأول في الشمال الرئيسة سمرندا نصّار، النائب العام الإستئنافي في الشمال زياد الشعراني، وعدد من نقباء المهن الحرة، ونقباء سابقين للمحامين، اعضاء مجلس نقابة المحامين في طرابلس، رئيس دائرة الأمن القومي في الأمن العام اللبناني العميد خطار ناصر الدين، رئيس شعبة الشمال في الأمن القومي المقدم هادي الحريري، رئيس دائرة الأمن العام في لبنان الشمالي، المقدم عازار الشاميوحشد من القضاة والمحامين والضباط ومهتمين.
وبعد مداخلات عّدة، تلا عضو مجلس النقابة الأستاذ منير الحسيني مضمون وبنود البروتوكول القديم -الجديد فيما النقابة والمديرية، ليتم بعدها توقيعه من الطرفين.
ثم قدمت النقيبة القوال وأعضاء المجلس والنقباء السابقين درعاً تقديرياً للواء إبراهيم، الذي قدم بدوره درعاً تقديرياً لنقابة المحامين ممثلةً بالنقيبة القوال.