النهار

ليل طرابلس ورصاصٌ وأسئلة... قراءة في أمن المدينة ومستقبلها
شربل بكاسيني
المصدر: "النهار"
ليل طرابلس ورصاصٌ وأسئلة... قراءة في أمن المدينة ومستقبلها
دوريّة للجيش اللبنانيّ في شارع طرابلسيّ (حسام شبارو).
A+   A-
طرابلس - التلّ، الجمعة 9 أيلول 2022، الساعة السادسة مساءً. مطلوب "من أصحاب السوابق الجرميّة والإرهابيّة" يُطلق النار و3 أشخاص "مجهولين" من أسلحة حربيّة باتّجاه محلّ لبيع الهواتف الخلوية. قُتل المطلوب وصاحب المحلّ ومواطنان يعملان معه. وفي اليوم التالي، أوقِف مواطن للاشتباه بتورّطه في الحادثة.
 
ما سبق، خلاصة بيانَين للجيش بتاريخ 9 و10 أيلول، تبعهما أمس إطلاق خطّة أمنيّة لطرابلس "ستُطبّق بكلّ تعاون بين كلّ الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة الموجودة في الشمال"، على ما أكّد وزير الداخلية والبلديّات بسام مولوي، مشدّداً على أنّ "التواجد العسكريّ والأمنيّ سيزداد في المدينة"، وأنّ "الأجهزة العسكريّة ليست مسؤولة عن الوضع الاقتصاديّ لكنّها تتحمّل تداعياته".
 
فتح ليل طرابلس الدامي الباب على أسئلة مُلحّة عن "خاصرة رخوة" ذات خصوصيّة مُخيفة، ومدينة تتشظّى دائماً بالرصاص، وخضّاتها تتعدّى متفرّعاتها الشعبيّة لتطال ساحاتها النابضة.
 
 
لماذا أمن طرابلس مُستباح؟
يُؤطّر الناشط السياسيّ الدكتور خلدون الشريف ما شهدته طرابلس ليل الجمعة بـ"المسار العام" للأحداث الأخيرة، مذكّراً بغرق "زورق الموت" ومصرع طفلة بانهيار مبنى في ضهر المغر - القبّة، ويرى أنّ طرابلس بدأت منذ ذلك الحين تعيش "حالة تفلّت بسبب غياب مطلق للسلطتَين الحكوميّة والمركزية" عن متابعة الشؤون الحياتيّة والأمنيّة.
 
يقرأ الشريف المشهد من منطلق أنّ "الحكم هو هيبة"، ويشير إلى معادلة قوامها السلطات المركزيّة (المحافظ) والسياسيّة (الحكومة) والقضائيّة، إلى جانب الحضور الأمنيّ المحصّن بغطاء سياسيّ، لافتاً إلى حتميّة سيطرة "الشلل" على الشارع "متى تراخى الحكم وفقد هيبته". في المقابل، يُشير إلى أنّ الدولة بدأت تستعيد حضورها في طرابلس، متخوّفاً من "أن تكون العودة آنيّة".
 
وعلى ضوء مناشدة وزير الداخلية القضاء تسريع المحاكمات، الشهر الماضي، وقوله إنّ "79 في المئة من السجناء لم يُحاكموا بعد"، يرى الشريف خللاً في معادلة السلطتَين السياسيّة والقضائيّة والغطاء السياسيّ للحضور الأمنيّ. ويقول إنّه "في ظلّ غياب المناعة، يُصبح خرق الساحات من قِبل أيّ مجموعة كانت تحت أيّ مسمّى سهل جدّاً.
 
 
"طرابلس جزء من كلّ"... صندوق بريد؟
يشير الدكتور مصطفى علّوش إلى تكرّر الحوادث العنيفة في عاصمة الشمال، معتبراً في المقابل أنّ "البلد برمّته يتأرجح على كفّ عفريت" وأنّ "طرابلس جزء من كلّ خارج عن القانون".
 
بين عامَي 2008-2014، دارت اشتباكات دامية بين جبل محسن وباب التبانة، طُويت بإعلان تسوية سياسيّة أنهت أكثر من 20 جولة مسلّحة راح ضحيّتها أكثر من 120 مواطناً وجرحى بالآلاف.
 
"تلك الفترة، كان الأمن يعبث بالأمن"، يقول علّوش، مستذكراً عبارة "صندوق البريد" التي صبغت طرابلس، والتي يستبعدها اليوم بتأكيده أنّ "ما يحدث في هذه اللحظة هو امتداد طبيعيّ لفشل الدولة والانحلال العامّ، وتعبير عن غياب أيّ سلطة لحفظ الأمن، حتّى بات الجاني يسير وفق قناعة بأنّه لن يُحاسب". وفيما ذكّر بملفّ "زورق الموت"، "حيث بقي المجرم الحقيقيّ، أي المهرّب، مختبئاً خلف الحدث"، أكّد أنّ "أحداً لا يقصد اللعب بأمن طرابلس على وجه الخصوص".
 
وفي مؤتمره الصحافيّ، أكّد مولوي أنّ "الأمن لا يكون بالتراضي والاتّفاق بل يكون بالفرض، ولن نسمح بعودة طرابلس إلى الحالة التي كانت عليها منذ 7 سنوات"، لافتاً إلى أنّ "القانون يسمح بالملاحقات والتوقيفات، والنيابة العامة على جهوزية معنا لمتابعة الأمور كافّة"، ومطمئناً الى أنّ "إضراب القضاة لن يؤثّر على عمل النيابة".
 
من جهة أخرى، يرى علّوش أنّه "بعد الانتخابات النيابيّة، شهدت طرابلس ما يُشبه سكون الموت، وسببه الرئيسيّ أنّ 60 في المئة من ناخبيها لم يقترعوا، فأخرجوا أنفسهم من المشهد السياسيّ، وتالياً، لا يمكنهم أن يعتبوا على أحد لأنّهم لم يُشاركوا في الاستحقاق"، مؤكّداً أنّ "10 في المئة من الناخبين أدلوا بأصواتهم وفق قناعاتهم، فيما الذين يشكّلون 30 في المئة باعوا أصواتهم". ويستنتج أنّ "المدينة تخلّت عمليّاً عن حقّها بالمطالبة، وسادت قناعة عند عدد من النواب أنّهم اشتروا الأصوات وليس لأحد عليهم دَين، وسط غياب المرجعيّة السياسيّة".
 
 
"إهمال" وخطة "متأخّرة"
في قراءته المشهد الطرابلسيّ، ينطلق المحامي فهمي كرامي من واقع لبنانيّ عام تتجاذبه مشكلات أمنيّة، ليدخل إلى خصوصيّة طرابلس "اللّي صوفتها حمرا". "لا معسكران يتصارعان على ملعب المدينة"، يؤكّد، "نعيش في مجتمع لبنانيّ يعاني بشكل عام ضائقة اقتصاديّة اجتماعيّة، أدّت إلى ارتفاع مستوى العنف"، رافضاً ما يُشاع حول خلايا إرهابيّة نائمة في أزقة طرابلس من دون سواها.
 
يستبعد كرامي العامل الطائفيّ والبُعد العلويّ - السنّيّ في حادثة الجمعة. "أغلبيّة الحوادث التي شهدناها وقعت لدوافع شخصيّة ومحدودة (سرقة، ثأر...)، يقول، "ومع تراجع قدرة القوى الأمنيّة اللوجستيّة، فيما يظلّل غطاء سياسيّ بعض المجموعات، يعمل عناصر الأمن من باب فرض الواجب في مدينة خاض شبابها معارك حديثة ويُعاني اليوم بطالة وضغطاً اجتماعيًّا اقتصاديًّا".
 
وعلى صعيد آخر، يأسف لتوقيت إطلاق الخطّة الأمنيّة "المتأخّر جدّاً"، و"الإهمال" في التعاطي مع شأن طرابلس لناحية الأمن وعمل البلدية والمحافظ، "فيما رئيس الحكومة طرابلسيّ، ووزير الداخليّة هو ابن المدينة، وشغل منصب رئيس محكمة جنايات فيها، وهو أكثر إنسان مدرك لوضع شبابها".
 
نسأل عن مستقبل المدينة. "مكانك راوح"، يُجيب كرامي، "عسى أن يضبط شباب طرابلس مناطقهم، لأنّ المدينة تعيش على همّة أبنائها، في ظلّ غياب أيّ علاج لأدنى مقوّمات الحياة".
 

اقرأ في النهار Premium